كتابة / اديسون هيدو
في السابع والعشرين من نيسان 2021 تمر علينا الذكرى الثانية عشر لرحيل علامة الأمة الاشورية وأحد رموزها القومية ورجالاتها العظام المؤرخ الكبير الدكتور هرمز أبونا ( ܗܪܡܙܕ ܐܒܘܢܐ ) الذي وافاه الأجل المحتوم في مدينة تورونتو الكندية عن عمر ناهز التاسعة والستين عاماَ أثر سكتة قلبية أودت بحياته , بعد مسيرة طويلة حـافلة بالعطـــاء ، ليرحل مع موكب الراحلين العظام , تاركاَ أرثا تأريخيا وثقافيا وأدبياَ كبيراَ ، ومرجعاَ خصبا للباحثين من الأجيال القادمة عن الحقيقة حول اصالة الشعب الاشوري ، وللتواقين الى معرفة تاريخ اعظم امبراطوريات العالم القديم .
المؤرخ الكبير ابونـا شخصية ثقافية اشورية معروفة وابنـا بـارا من ابناء عائلة القوشية عريقة يشار اليهـا بالبنـان , كان انسانا رائعا طيب المعشر ، معطاء ومحبا للجميع ، ومثالا للخلق العالي والبساطة والتواضع , حمل من الخصال الحميدة الكثير الكثير من طيبة القلب وسماحة الروح ورحابة الصدر ,كان نبراساً للمؤمنين بالآشورية , أمتاز بثقافته العامة الشاملة ومكانته العلمية والأكاديمية الرفيعة , قضى فترة طويلة من حياته بالسفر من بلد الى اخر متنقلاَ في كل أرجاء المعمورة ليلتقي بأبناء جلدته وينقل لهم عن طريق المئات من المحاضرات القيمة في العديد من الجامعات والمعاهد والمنظمات العالمية ليزرع في أعماقهم سرّ خلود وإستمرار هذا الشعب الجبار , موضحا بالدلائل والقرائن والبراهين تاريخ شعبنا الاشوري , باحثا ومستقصيا عن الحقيقة , للتوصل الى حقائق ما حصل لشعبنا وما تعرض له من ماسِ , مكرساَ ايام حياته في تنقيب وتدوين وتوثيق مسيرة وتاريخ شعبنا العريق في بلاد الرافدين . فنبش بقلمه غائصا في اعماق وبطون ومجريات وذاكرة التاريخ ، وأخرج لنا جواهراً ودررآ عريقه ، نفض عنها غبار الزمن , ووضعها على منابر الثقافة وفوق مسارح التعليم لتنجلي حقيقتها الناصعة , وتنير كل غامض في تاريخ الشعب الاشوري , وتفسر كل مبهوم في مسيرة أمتنا الطويله والمليئه بالتضحيات منذ سقوط نينوى المدينه العظيمه وإلى تاريخنا المعاصر .
لقد سطّرت انامله الكريمة موسوعة كبيرة من الكتب أضحت مرجعا علميا وأكاديميا مهما للوقوف على حقائق وجود وعطاء شعبنا منذ القدم ، فقدم الكثير وكشف الكثير من الحقائق التاريخية وبطريقة موضوعية واكاديمية رصينة من خلال مواصلته كتابة تاريخ الشعب الاشوري وأنتج ما مجموعه إثنا عشرَ مجلداً تغطي الفترة الزمنية الممتدة مابين سقوط نينوى وحتى يومنا هذا . ولا زالت كتبه ومؤلفاته القيمه بين أيدينا تمضي معنا ونمضي معها في رحلة التاريخ التي لا تنتهي رغم رحيل صاحبها .
عرفته جيدآ ولاقيته في بطون مؤلفاته النفيسه وكتبه القيمة الغزيرة بالحقائق التاريخية الصادقة والموثوقة , ولم اكن قد التقيته شخصياً لحين التاسع من نيسان عام 2005 خلال زيارته الى مدينة كوتنبيرغ السويدية ، حين ألقى محاضرة حول ( الأنشقاق التأريخي في كنيسه المشرق ) على قاعة نادي اشور بانيبال , ووقتها كنت مشرفا ومديرا لأذاعة آشور المحلية في المدينة وكانت تبث عبر موجة ( FM ) وباللغة الاشورية ، فالتقيته على هامش المحاضرة وأجريت معه حواراَ ممتعاَ لم يخلوا من الصراحه حول الكثير من الأمور التي تخص عمل المؤرخ ( اكاديميا ) ، ودوره في النهوض بواقع الأمه الى مستويات اكثر تقدما ورقيا .
أن أرثه الثقافي والتاريخي الكبير الذي تركه ستتباهى به أمتنا الاشورية الى اجيال قادمة ، وسيبقى الكم الهائل من الحقائق التاريخية الصادقة والموثوقة التي خلفها تنير دروبها على الطريق العلمي الصحيح ، خدمة لقضيتنا الأشورية العادلة .
الى جنات الخلد .