1. Home
  2. /
  3. اراء
  4. /
  5. مقالات
  6. /
  7. طورعابدين، جبل العابدين في...

طورعابدين، جبل العابدين في جنوب تركيا، رحلة مليئة بالحب، الجمال وألم الماضي ممزوج بأمل الحاضر والمستقبل

أثرا كادو – القوش

في اواسط شهر تشرين الثاني ٢٠٢٠، وبالتحديد (١٢-١٩ت٢) كانت لي رحلة إلى قرانا وبلداتنا الكلدانية السريانية الاشورية الجميلة في منطقة طورعابدين، جنوب تركيا، والتي تبعد عن سهل نينوى بعض المئات من الكيلومترات، ولكن تفصلنا الحدود العراقية التركية من جهة منفذ ابراهيم الخليل، وبعد رحلة مدتها حوالي الخمس ساعات، وصلت الى مدينة ميديَت (بالأكدية: مَتياتيه)، وكان في استقبالي عدد من الأصدقاء إيليو إيليو (مختص بالآثار)، أودَم قسطن (استاذ في قسم اللغة السريانية، جامعة ماردين) وأخيه شارو.. والذين يتحدثون اللهجة الغربية للغة السريانية، التي يستطيع أي متحدث بالسريانية الشرقية أن يفهمها بعد أن يحاول التركيز في الحديث.

مدينة ميديَت

عاد عدد من أهالي منطقة طورعابدين من أوروبا ليعمروا بيوتهم، واستعادوا الكثير من قراهم وأملاكهم عن طريق القانون، بعد أن كانوا قد هاجروا في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي بسبب الصراع الكردي التركي في تلك المناطق، حيث كانت مناطق شعبنا تستخدم من قبل عناصر حزب العمال الكردستاني كميادين حرب، ومن كان يرفض وجودهم، كان يقتل أو يجبر على الهجرة، ولكن الوضع أكثر استقراراً حالياً، بعد فرض الجيش التركي سيطرته عليها.

قرية أنحِل 

بدأنا رحلتنا في قرية أنحِل ، والتقينا بعائلة عزيز وزوجته، اللذان كانا ينظفان الفستق، وقدما لنا منتجاتهم المحلية القروية الطبيعية الطيّبة.

قرية أركح

ثم إلى قرية أركح ، مروراً بقرية كفرو تَحتَيتو (السفلى) ، حيث إلتقينا بالسيد موريس، أحد الذين عادوا ليعمر بيته في أركح، الذي يبدو كقصر من العصور الآشورية القديمة ، محافظاً على طراز وتصميم البيت القديم، لنختتم يومنا الأول في دير مور* مَلكي الجميل ، وأنهينا يومنا بتعليلة ليلية مع عائلة بَرصَومو الطيبة في كَفرو .

كفرو تَحتَيتو (السفلى)

منزل السيد موريس، في أركح، الذي يبدو كقصر من العصور الآشورية القديمة

دير مور* مَلكي

عائلة بَرصَومو الطيبة في كَفرو

وفي اليوم الثاني استهلت رحلتنا في دير مور إيليو بقرية زرجل، محافظة باتمان، والتي ما زالت خالية من أهلها الآشوريين\السريان ولم يبقى فيها غير أطلال الدير، ومن ثم توجهنا إلى دير مور قرياقوس القريب، والذي بدأت الدولة في ترميم بنايته الكبيرة، كموقع أثري وسياحي.

دير مور إيليو في قرية زرجل

دير مور قرياقوس

بعدها كانت لنا إستراحة على جسر فوق نهر دجلة ، في طريقنا إلى قرية حصنكيفا أو حَسنو دكيفو (كيݒاني – بالأكدية) إحدى المدن القديمة التي يعود تاريخها إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد، والتي تقع على مجرى نهر دجلة، حيث كانت تلك المناطق تستعمل عسكرياً من قبل الجيش الآشوري بوجود قلاع لحماية النهر من الجيوش المعادية، والتي قد يمكنها الوصول إلى العاصمة نينوى نهرياً، إذا ما إستطاعت ركوب مجرى النهر في تلك المناطق الشمالية.

نهر دجلة

قرية حصنكيفا أو حَسنو دكيفو (كيݒاني – بالأكدية)

وفي طريق العودة إلى ميديَت، إختتمنا يومنا في دير مور آحو ، والذي بناه القديس آحو، بعد عودته من القسطنطينية، وحمله لقطعة صغيرة من الصليب الحي، وهو أحد الأديرة الخمس التي بناها، ومن هناك إلى ماردين الجميلة لألتقي بالدكتور نيكولاس ألجيلو، العائد من أستراليا، ويعمل كأستاذ في جامعة قادر خاص في إسطنبول، والملفونو يوسف بِكتَاش، الضليع باللغة السريانية الفصحى، لأقضي ليلتي في كنيسة مار هرمزد الكلدانية .

دير مور آحو

مدينة ماردين

كنيسة مار هرمزد الكلدانية

من هناك، إنطلقنا في الصباح إلى قلعة زرزوان الأثرية (القرن ٢ إلى ٧ الميلادي، والتي هي في طور التنقيب من قبل فرق مختصة، وفيها كنيستان، الأولى محفورة في كهف وتعود لما بين قرني 3-7، وأخرى من القرن السادس الميلادي، ومعبد للديانة المثرائية من القرن الثاني الميلادي. كما وجد في القلعة بعض الكتابات الآرامية والسريانية، رغم أنها تصنف تاريخياً كإحدى القلاع الرومانية آنذاك.

قلعة زرزوان الأثرية

وفي طريقنا إلى آمد (ديار بكر)، مررنا بجانب الجسر الكبير الذي يسمى (كِشرو دَعسَر عَينوثيه – جسر ذو العشرة أعين، أي الذي تحته عشر فتحات) المطل على نهر دجلة، ويذكر بأن هذا الجسر له آلاف من السنين، وقد رمم في فترة مملكة إديسا / الرها (90 ميلادية)، ومن ثم رمم مرة أخرى في نهاية القرن الخامس بيد مطران منطقة آمد، ومرة أخرى في القرن الحادي عشر، ليسهل الوصول إلى الطرف الآخر من النهر الذي يوجد فيه دير الأربعين شهيد.

الجسر الكبير الذي يسمى (كِشرو دَعسَر عَينوثيه – جسر ذو العشرة أعين، أي الذي تحته عشر فتحات) المطل على نهر دجلة

وفي ديار بكر/آمد ، التقينا بجمعية ديار بكر للثقافة السريانية، والمعنية بتعليم الثقافة القومية للآشوريين السريان الذين أسلموا بالقوة ومن ثم أجبروا على نسيان هويتهم القومية واستبدالها بالكردية، خلال المذابح التي حدثت خلال الحرب الكونية الأولى على يد بعض العشائر الكردية وبدعم من الحكومة العثمانية، ضد الآشوريين والأرمن واليونانيين، ولكن كان هناك عشرات الآلاف من العوائل التي كانت تعلم أبنائها سراً بأنهم ليسوا أكراداً، بل جذورهم آشورية سريانية، وكانوا يوماً ما مسيحيين، واليوم، بعد أن جاءتهم الفرصة، اسسوا جمعية لهم رسمية مسجلة لدى الحكومة التركية، بدعم من أبناء شعبنا، وأصبحوا يقولون جهاراً وفخراً بأنهم آشوريين سريان، وديانتهم مسلمة، ويفتخرون بأنهم من سلالة أولى الحضارات. وعند وصولنا، إلتقينا بأولاد تلك العوائل، والذين تجمعوا في الجمعية من أجل تعلم لغة أجدادهم السريانية، كونهم لم يستطيعوا تعلمها ولا تحدثها بسبب الخوف الذي ما زال بعضه متوارثاً فيهم.

مدينة ديار بكر – آمد

جمعية ديار بكر للثقافة السريانية

وفي اليوم الأخير لي في ماردين، وقبل أن أعود أدراجي إلى ميديَت، زرنا متحف ماردين الرسمي، والذي يحوي آثار المنطقة، وأكثرها من الحضارة الآشورية، وبعد دخول المسيحية، من النقوش والأحجار وغيرها من مقتنيات هذا الشعب العريق.

لنمر في طريقنا إلى ميديَت بقرية (بنَي بيل – أبناء الإله بيل)، والتي بدورها أيضاً تحمل تاريخاً وافراً من البطولات والأحداث الأليمة، حيث كانت القرية خلال المذابح هدفاً للشيخ أحمد سليمان جزيري، الذي هاجمها، ولكن قاوموه أبناء القرية الأبطال من مغارة على الجبل تسمى (الحَبيس) ، والتي هي دير مور برصوم ولم يتمكن رجال الأغا أن يصلوا إلى العشرين رجل الموجودين هناك في الأعلى، بل إنتصروا على الآلاف من رجال الأغا، ومن ثم تمكنوا من الهرب إلى دير الزعفران، وهناك أيضاً دافعوا عن الدير. كان أهل القرية يتحدثون السريانية، ولكن قبل حوالي ٤ قرون، أجبرهم الوالي حينذاك على تحدث العربية، ومنذ حينها، يتحدثون بالعربية، ولكن طقوسهم ما زالت باللغة السريانية، ومازالوا محافضين على قريتهم الجميلة.

متحف ماردين الرسمي

قرية (بنَي بيل – أبناء الإله بيل)

مغارة (الحَبيس)

اهل قرية (بنَي بيل – أبناء الإله بيل)

مررنا بدير مور كابرييل الجميل العريق (نهاية القرن الرابع الميلادي)، والذي يحوي بين جدرانه العلم والمعرفة، وطلبة اللغة السريانية، والرهبان والراهبات الأجلاء، وجمال يجعله لا يخلي من السوّاح من مختلف أنحاء المنطقة والعالم، رغم الوباء المنتشر، ولكنه لم يمنعهم من القدوم والتمتع بجماله الخلاب، وتصميم بنائه وقدسيته .

دير مور كابرييل

بعدها مررنا بقرية ميدِن ، وفيها كنيسة مور يعقوب، وفيها حضرنا درس للغة السريانية للأطفال ، الذين أدخلوا البهجة في صميمي عندما كانوا يقرؤون دروسهم بطلاقة وحب وشغف، ثم بعد احتسائنا للقهوة مع معلمهم، توجهنا إلى بِسّورينو ، وكنيستها مور دودو التي يعود تاريخها إلى القرن السابع الميلادي، لنلتقي هناك بالأب صليبا إردين، بعد أن أكمل قدّاسه تحدث معنا عن تاريخ القرية، وكيف حمى رجالها أهلها والقرى المجاورة من بطش جيرانهم خلال المذابح في الحرب العالمية الأولى، بين الأسوار العالية لتلك الكنسية، ونجوا من المذبحة، ولكن بعد عدة سنوات، وطمأنة أهالي القرى بعد إعلان السلام بينهم وبين الأكراد والعثمانيين، عادوا إلى قراهم، وهناك هجم عليهم المجرمين لينهوا الكثير من القرى الآشورية السريانية عن بكرة أبيها. كما وحدثنا الأب صليبا عن القديس دودو الذي كان مطراناً في تكريت (العراق)، فظهر في حلم إبن خاله ليجلبه من تكريت إلى القرية، وعند وصولهم على مقربة من المقابر، كانت هناك جنازة أخرى لشاب من القرية، فصلّوا لـ”مور دودو”، وإذا بالشاب يقوم من الموت.

قرية ميدِن

درس للغة السريانية للأطفال في كنيسة مور يعقوب

قرية بِسّورينو

كنيسة مور دودو في بِسّورينو

أنهينا يومنا في قرية إستير ، وكنيستها (مور مَلكي)، التي يقال بأن اسم القرية مأخوذ من الآلهة عشتار، وهذه القرية، كما في أخواتها القرى الأخرى، قد عاد الكثير من أهلها من أوروبا ليعمروا بيوتهم، ويتجمعون فيها خلال أشهر الصيف والعطل في أوروبا.

قرية إستير

وفي يومي الأخير في منطقة طورعابدين، زرنا قرية زاز الراهبة مريم، التي فيها كنيسة مور ديمت التي بقيت فيها الراهبة مريم لوحدها بعد أن فارق الراهب يعقوب، الذي كان معها في الدير، الحياة سنة 2014 ، وهي حارسة الدير والقرية معاً، رغم أنها واجهت الكثير من المصاعب من قبل مختار المنطقة الكردي.

كنيسة مور ديمت في قرية زاز

الراهبة مريم

في نهاية مقالي، انشر صورة تحوي على عظام ضحايا من ابناء شعبنا الذين استشهدوا خلال المذابح ضد المسيحيين عامة، والآشوريين الكلدان السريان خاصة خلال الحرب الكونية الأولى، بأيدي بعض العشائر والأمراء الأكراد وبدعم العثمانيين في القرى الموجودة في جنوب تركيا، والتي زرتها خلال سفرتي، اعتذر لبشاعة المنظر، ولأسباب أمنية لن أذكر موقع المكان [189].

وأخيراً وليس آخراً، رسالتي لأبناء أمتي في الوطن وخاصة العراق، كما للذين في المهاجر، علينا أن نزيد العلاقات، ونقوي الجسور بين بعضنا البعض، ولا نجعل الحدود تفرقنا عن بعضنا، فماردين على بعد ساعتين فقط عن زاخو، ومركز محافظة هكاري يبعد ساعة فقط عن منطقة برور في الجانب العراقي، ومن نصيبين التي تقع في تركيا يمكنك رؤية بيث زالين (قامشلي) في سوريا بالعين المجردة، وتبعد حوالي الثلاث ساعات من دهوك، وأورميا في إيران تبعد أربع ساعات عن أربيل، لنقوي أواصرنا، فلم يبقى لنا سوى أحدنا الآخر، وهل لنا أفضل من أنفسنا لنكون سنداً لبعضنا.

ملاحظة: هناك الكثير من الأماكن، القرى وأسماء الأديرة والكنائس والقصص الطويلة في كل قرية، بل قصة لكل عائلة في القرى، من خلال هذه الزيارة، والزيارة الأولى لي قبل عام ونيف، ولكن مساحة مقالي سمحت لي أن أذكر ما موجود أعلاه فقط، ويمكن للقارئ الكريم أن يبحث بنفسه عن الأماكن هناك ومعرفة الكثير، وأكثر بزيارتهم لتلك المناطق.

* “مور” باللهجة الغربية هي نفسها “مار” في اللهجة الشرقية للغة السريانية، وتعني سيدي أو معلمي وتستعمل للقديسين، وللسيد المسيح عندما كان على الأرض.- المعلومات عن المنطقة في المقال هي من السيد إيليو إيليو، والدكتور نيكولاس أل جيلو، مشكوران على مرافقتهم لي وتزويدي بكل المعلومات الممكنة لديهم.

zowaa.org

menu_en