1. Home
  2. /
  3. كلكامش يعود ثانية في...

كلكامش يعود ثانية في ( رحلة الخلود )….

إبراهيم برخو

رحلة الخلود ….الفيلم الذي طال إنتظاره من قبل أبناء شعبنا منذ الأعلان عن إنتاجه، وبدأ العمل به وإخراجه من قبل المخرج الشاب والطموح الفنان (فرانك كلبرت ) ، أثار العديد من التساؤلات التي لا حدود لها في الرؤية للمشاهد البسيط او حتى عند الذين يعملون في حقل السينما الوثائقية في النقد والتحليل، مما جعلني أن أدلو بدلوي في هذا المضمار، تحليلا بنويا للفيلم، واقفا عند أهم ما يميز هذا المنجز وفي هذه الفترة  من حياة أمتنا في خضم كل الأحداث التي عصفت بنا وبفكرنا وحياتنا كشعب حي ، ينهض من ركام الأحداث المأساوية ، وأن نستلهم من رموز والقيم الحضارية التي يتمتع بها شعبنا الآشوري والسير قدما نحو تحقيق الأهداف.

الفيلم يصنف ضمن قائمة الأفلام التوثيقية الروائية الطويلة ، الناقلة للحقيقة التي يعرفها القاصي والداني في مجتمعنا الآشوري، حيث يتعقب الفيلم دهاليز الأحداث التي ادت الى إلقاء   القبض على رواد الحركة القومية للشعب الآشوري في عصرنا الحديث  ( يوسف، يوبرت ، يوخنا) الثلاثي المقدس الذي بأستشهادهم على يد السلطة الغاشمة، أيقضت ضمير الأمة من سباتها. الأمر الذي قد يستغرب منه العديد من شاهد الفيلم ، هو عدم أيلاء المخرج الى أهمية كل التفاصيل الدقيقة في نضال الثلاثي المقدس، ولا الى الأهمية في أخذ المعلومات الدقيقة من أقرباء الشهداء وطرحها بشفافية دقيقة للمشاهد. ولكن علينا أن ننصف كاتب السيناريو والمخرج فليس بوسعهم الدخول في كل التفاصيل وحفر ذاكرة التاريخ لتعقب خطوات الواقع ليصنع منها مشاهد مؤثرة تبقى في مخيلة المشاهد وحصرها في فيلم مدته ساعة ونصف الساعة أو لساعتين متتاليتين ! … ومع ذلك يمكننا القول بان المخرج حاول جاهدا لأن يقترب من الحقيقة ليؤسس بذلك فهما واقعيا مقاربا لحقيقة الحدث مستعينا بالحوادث المغيبة وإعتبارها مصدرا مهما في التوثيق السينمائي، وأقتراب الثيمة السينمائية من الحدث بواقعية منتهية وليستمتع بها المشاهد بأحداث عقلانية و توضيفها كمشهد يؤثر في الفكر الفردي والجمعي للجمهور.من هنا كان لابد أن يبحث كاتب السيناريو عن حل في توظيف القضية المركزية في الأستشهاد ليخلق منها موضوعا ذو قيمة يشغل به وقت المشاهدين كالمواضيع الأكثر جدلا، أو المجهولة الأحداث والمثيرة في ذات الوقت .وليس بالضرورة ان يكون الموضوع المطروح في الفيلم أن يكون طبقا لوجهة نظر الكاتب او المخرج، أو طبقا للمعلومات التي استقاها من أقرباء للحدث 100% ، بل أن يراعي فيها القيمة في طرح التساؤل، المفاجأة ،والأقناع ثم التحدي مع الجمهور !

من هنا اصبح لزاما على كاتب السيناريو أن يعي ما هو المطلوب في طرح القضية ، لأن يربطها بالماضي البعيد، كأسطورة مثل (أسطورة ملحمة كلكامش ) وربطها بمعاني الخلود الذي ينشد لها شهداء أمتنا الآشورية المجيدة (يوسف ،يوبرت ،يوخنا)،لأحياء هذه المعاني العميقة في معنى الخلود بما يوازي مفاهيم العصر الحديث. حينها كان إبتداع شخصية وهمية للدخول في معترك الحدث، وهي شخصية أيشو الفنان الذي كان يحمل رسالة تعليم الموسيقى ، ليتحول اي بمعنى آخر أن تعلمه الحياة لأن يتحول الى رسول يوصل رسالة الى الأمة الآشورية التي لطالما أصبحت ضحية صراعات كونية لأقطاب السياسة وعلى أرضنا المقدسة أرض الرافدين . وكان اختيار الأسم أيشو موفقا أعطى بذلك نفحة إيمانية بتضحيات السيد المسيح وقبوله الموت من أجل أن يحيا الأخرين . حقا إنه ربط جدلي يستحق الثناء.

لذلك فليس من العجب أن يعيش مشاهد الفيلم حالة من الغرابة في الطرح، او حتى في تغيير المفهوم  الذي حمله منذ البدء باحداث الفليم. لذا فقد أنتبه العاملون في حقل السينما الى موضوع المعيارية في تلقي الجمهور للفلم الوثائقي ، ويتحكم في هذا المجال البيئة الفكرية، والوعي العام، الى جانب ما يحمله من التربية الأسرية مع عامل الزمن والذي يتحكم في ذائقة المشاهد ويرشدها وفق كل هذه المعطيات.

جدير بالذكر إن فيلم ( رحلة الخلود ) ليس كالأفلام الوثائقية القديمة بالأسود والأبيض ، او بدون صوت ، كي يوهم المشاهد بالأحداث وخداعهم وأيهامهم بمصداقية تاريخها.

الرمزية في فيلم ( رحلة الخلود )…

لا يخفى على المشاهد لفيلم ( رحلة الخلود) فان الرمزية كانت حاضرة وبقوة ولم تكن محسوسة من قبل المشاهد البسيط ،ولكن وضعت بصورة وأخرى للمشاهد ذو البصيرة الحاذقة، لأن غالبا ما تكون هذه الصورة الرمزية ممزوجة بفلسفة تحاكي قضية الأستشهاد وربطها جدليا لأعادة مفهوم الخلود وإسقاطها لا بل خلق أسطورة جديدة  موازية لمفهوم الخلود عند كلكامش، إذن هذا الأسقاط كان مهما ، أعطى للفيلم بعدا نفسيا وحورا فلسفيا بعدة زوايا مع الذات للمتلقي والمشاهد.

من خلال مشاهدتي للفيلم مرة واحدة، لم أتمكن من أقتفاء كل الأحداث، ولكن هناك حوارات شيقة أوقفتني منها حين يقول الشهيد يوسف توما،  ” ستظل أقدامنا فوق رؤوسكم ، ونحن على أعواد المشانق” إن العبرة ليست في الأستشهاد فقط بل يتعدى الى أبعد من ذلك وهو تعريض الجسد والروح للعذاب والخطر المحدق !… ولقد كان لصبر عوائل الشهداء الأثر البالغ في النفوس ، فكان من الأفضل أن ينتبه المخرج الى هذه المشاهد المؤلمة ، والتي حالت لسبب أو أخر لعدم الأنتباه لها، فقد تم أختصارها للمعاني الرمزية في معاني الكفاح والنضال من أجل الأمة عبر حوارات أخرى بين بطل الفيلم ايشو والممثل القدير سامي ياقو وحوارات أخرى.

ما أثارني من جهة صناعة الفيلم ، هي الموسيقية التصويرية فهي العنصر المهم والأستدلالي والأحساس بالمشهد، وهو من أهم عناصر الدعم في البناء الدرامي،وأداة قوية في تنشيط الأحساس بالمشهد الدرامي ، وللاسف كانت الموسيقية صوتها خافتا أو رتيبا ، وأحيانا لا وجود لها بالرغم من قوة المشهد . أما بالنسبة للمشهد العام فغالبا ما كانت الظلمة هي السائدة ، بل يجب أن يتخللها الصورة المضيئة والتي حتما تعني ببزوغ يوم جديد بعد المعاناة والأضطهادات.

وفي الختام ، هناك الكثير للكتابة عن هذا الفيلم، ومن عدة جوانب في المتن ، والوسائل الفنية، وعناصر الفلم الوثائقي وسر نجاح الأفلام من القصة المحكمة، الفنانين المشاركين ، ودور العرض وأوقاتها، الرصد المالي للأنتاج والى بقية الأمور التي تعمل على إنجاح الفيلم . عموما كان الفيلم جدير بالمشاهدة ، وبدورنا نشد على يد المخرج الشاب (فرانك كلبرت) ونتمنى له النجاح في الأفلام القادمة، وتجاوز العقبات التي تعيق تحقيق حلمه الشخصي ، وحلم أبناء شعبنا ألاشوري في نشر الوعي القومي لأسترداد حقوقنا المشروعة.

إبراهيم برخو

تورنتو /كندا

6 شباط 2023

خريج كلية الفنون الجميلة /جامعة الموصل

Posted in غير مصنف

zowaa.org

menu_en