في الذكرى العاشرة لرحيل عالم الآثار الآشورية الدكتور دوني جورج
رمــوســـــنـــا مــتـاحــــــفٌ
لطيف پولا
سأحملُ مَـعاولي وأحفرُ في الـبلادِ
لأسمعَ صوتَ أُمّي من الأرضِ إذْ ينــادي
قد رحلتم وتركتم أشلاءَنا يا أولادي
للـغـُربانِ وغـَلاًت حـقولِـنـــا للـــــــجرادِ
فيا لكِ من قـَفـْراءٍ باطنها حضاراتٌ
ازدهارُها مُــرَوٍعٌ لايــروقُ لــلأعــادي
فصودرت كنوزُها وقـُطِعت جذورُها
لعلـّها لا تُعيدَ اخضرارهــا في البــــلادِ
وحُكمت بالإعدامِ ثم الحَرْقِ والإخلاءِ
لتغدوَ مُســتوطَـَنا للــوحوشِ والأوغـــادِ
قد خُلقت للظلامِ وأدمـَنـَت على الشوكِ
والعاقولِ، لا ترتاحُ من الفردوسِ والأورادِ
فقـُرْ عينا يا شهيدُ حيث كنتَ بعضُ الموتِ
أولــى من الـعيشِ بين العـُملاءِ والـفـسادِ
قد زرعتَ بالإصرارِ رغم المَحـْلِ والجفافِ
سنسقيها بالدموعِ والـــــــدماءِ للحصادِ
ما مـِن عِـقـْرٍ تحت الثرى قد خُلـِقَ للعطاءِ
فـيه نبضٌ للحياةِ يٌمنعُ بــالإسـتـبدادِ
رُموسـُنا وقد غدت جـميعـُها متاحفاً
ومَن رامَ منها النورَ كان الموتُ بالمرصادِ
هُم يخشونَ عظامـَنا أن تعودَ مشاعلا
تـَستــفـزُ خـفـافيشا تـشبـثـت بالــجـَـمــادِ
فـَنـَبشـوا وسلبـوا وحطمـوا ماتبقى
وجرحنا يستصرخُ دونَ آسٍ وضَـــمادِ
فلا من حَـول، لا قوةٌ لنا اليوم وأهلـُنا
رقدوا دونَ يقظةٍ تحت وطأةِ الآمــادِ
أ نحمدُ ؟ أم نـَذمُ واعظـَنا ذاك الذي
قد حرّمَ على الشعبِ فِعلَ السيفِ والزِنادِ؟
أرادونا كالخرسانِ كالعميانِ كالشـَحّاذِ
بلا أرضٍ بلا أسمِ بلا لونِ أو رمادي!
والآثارُ شهاداتٌ خالداتٌ لــلأبــدِ
تـُعـَــززُ لـلـتاريخِ بـيانـاتِ الـمَشاهـــدِ
كيف تخفى شـمس الحقِ يا جاهلٌ بالغُربالِ
تـــنكرُها، تـُنعـِتـُها بذاكَ العهدِ البائدِ؟!
وسألــتُ أحــدَهـم إشــتــهــرَ بالـدَجـَلِ :
هل يجدرُ طلي الحقِ بالباطلِ؟ قال: عادي!
ألا ترى الدنيا كيف تتحنى وترقصُ
لسـمـسارِ مُشعـوذٍ إشْـتــَهـَر في الـنـوادي ؟!!
ومن كان ذا وفاءٍ وصادقا في النيّاتِ
لايــكذبُ ، لا يــركعُ ، يُــتًــهَم بالإلــــــحادِ!
وكلما فاضَ الشوقُ ونـَلـْهـَجُ بالأمجادِ
لا ننجو مـِن سهمِ الغدرِ وأحابيلِ الـنـُـقادِ
و(دوني جورج) قد نذرَ كلً العمرِ يخدمهم
ويسكنُ المتاحفَ كالـرهبانِ كالـزُهّادِ
لا تبكوهُ فقد أعطى كالشموعِ حياتـَه
واتركوه مُــستريحا يتهنـّى بــالرُقادِ
قد قـُـتِلنا الف مرّةٍ في الماضي وقد عُدنا
ســـيُـقـتلُ كلُ أمرؤ يتغنى بالأجدادِ
فإن كنا نشكو اليومَ من الضعفِ والفـَراقِ
فلا زلنا في الإبداعِ خيرَ الناسِ والعِبادِ
بسبب الإنشقاقِ والجـُحودِ والنـِفاق
إنحدرنا كالكرةِ من الــقِـمّـةِ الى الــــوادي
هُم يخشون وحدتنا كاللصوصِ تسللوا
وشعبـُنا مُـنهمكٌ بالتسطير والمِـــدادِ !
فقد هوى( ايساكيلا) و(لاماسو) رهنَ القيدِ
حتى الشمسُ توَشـّحت بالدماءِ والســوادِ
تنصّلَ راعِ الضأنِ عن الخرافِ وأدبرَ
لا يبالي بالثـُغاءِ وتناسى عهدَ الــفادي
قد كسر حسامه وحمل صليبه
وتـرك خرافـَه مُــحـتـَـلــِما بالـميعادِ!
فهنيئا للذئابِ لحومنا!، للجمالِ
مراعينا! وعبيدٌ وجواري من الأولادِ !
فما نفعُ الشعبِ له ؟ وما قيمة الوطن؟
وجـيـبُه كالـمِحلبِ تــدرً فـيه الأيـادي !
البسوهُ تاجَ الذلٍ وصولجانا من القـَصبِ
وقد دسّوا له السمّ في الشرابِ وفي الزادِ
مَن يوقـِظُ حمورابي، نبونائيدَ، وآشورَ ؟
تبعثرَ قطيعُهم في البراري والوِهــــــــادِ
تقاعسَ رُعاتـُهم وناحوم يـَتـَشـــــَفـًى
بأُمّـــــةٍ قد ثـُكـلت بـبـنيها، بالأمجـــــادِ
فإن كنتَ قد بكيتَ بعينيكَ للأجدادِ
أما انـــــا كل يـــــومٍ سأبكيهم بفؤادي
وانشدُ للـــــوحدةِ والسلامِ والــــــوئامِ
والـــعالــم كــغابةِ مـَليـــئــةٍ بالأضــــدادِ
يغدو الكونُ على الحرِ قبرا إذا اُستـُعبـِدَ
وقد يرى القبرَ أسمى في الأرجاءِ والأبعادِ
نحن نحيا لكي نـُحي من قد مات في الحياةِ
وغيرُنا قد يحسبُ الموتَ دربا للجهــادِ
صليـبـُنا على الكتفِ يراعـُنا في الأيادي
ونـــحـــمـلُ أقدارَنا بلا حامٍ بلا زادِ
لا نخشى مِن قولِ الحقِ من أفاعِ وآسادِ
مَـنْ يحملُ رسالةً يُـبـَـشّـرُ بعـِنادِ
إذا كنتَ ذا ضميرِ ووجدانٍ ولبيبا
كيف تـُفتي على قتلِ تاريخكَ بحيــادِ؟!