زوعا اورغ/ وكالات
نجح الحراك الجارف للقوى الشعبية والمدنية والسياسية والحقوقية، في إحباط تمرير القانون الجديد للمحكمة الاتحادية في البرلمان العراقي، الذي قدمته قوى الإسلام السياسي، لتؤكد تحديها لإرادة الشعب وتمسكها بمصالحها والأجندات الإقليمية المتعارضة مع مصلحة البلد.
وقد جاء قرار البرلمان التخلي عن قانون المحكمة الاتحادية الجديد، والتوجه إلى تعديل القانون المعمول به حاليا، وذلك بعد فشل القوى الشيعية في حشد ثلثي أصوات النواب، وهو العدد المطلوب لتمرير القانون الجديد المثير للجدل، عقب انسحاب نواب الكتلة الكردية والأقليات ونواب آخرين، مما اضطرها للقبول بالخيار الآخر، وهو تعديل القانون الحالي الذي يحتاج أغلبية بسيطة.
واعتبر العراقيون ان القانون الجديد (المرفوض) أخطر ضربة للانسجام والتوافق المجتمعي والاعتدال في العراق، حيث سعت أحزاب الإسلام السياسي بقوة، لفرض المحاصصة الطائفية في أهم مؤسسة قانونية في الدولة العراقية، بما يؤدي إلى تعميق الانقسامات في المجتمع، وذلك لتتمكن تلك القوى، من مواصلة برامجها وأهدافها الطائفية وتعزيز تمسكها بالسلطة والدولة، من خلال جعل المحكمة الاتحادية تحت نفوذها، إضافة إلى تنفيذ أجندات خارجية. لذا تركزت الاعتراضات على عدم وجود مبرر لزج رجال الدين في عمل المحكمة التي يحدد الدستور انها تراعي مصالح كل العراقيين دون انحياز.
وازاء إصرار قوى الإسلام السياسي الطائفية، على تمرير القانون، فقد قاطع ممثلو الأقليات من الكرد والمسيحيين والإيزيدين والصابئة، جلسات مجلس النواب المخصصة لمناقشة القانون، وذلك احتجاجا على تهميشهم وفرض المحاصصة الطائفية في قانون المحكمة الاتحادية.
وكشف رئيس كتلة الرافدين النيابية يونادم كنا، «ان المقاطعة تعود إلى ان دور خبراء الفقه الإسلامي في المحكمة، يتناقض مع المادة 88 من الدستور، وان هناك مخاوف من تبعات ذلك على مدنية الدولة، اضافة إلى مساع لفرض القانون عبر التوافقات والمحاصصة الطائفية والقومية».
فيما أكدت النائبة ريحان حنا ايوب، على رفض «تحويل العراق إلى دولة مذهبية» مشددة ان «هذا التشريع سيغير مجرى العملية الديمقراطية في البلاد من دولة مدنية إلى دولة دينية وتحويل النظام السياسي فيها إلى نظام ديني».
ولم يكن نواب المكونات وحدهم من رفض قانون المحكمة، بل شارك نواب أكراد وممثلو التيار المدني والنقابات الحقوقية، بقوة في ذلك، للتعبير عن مخاوفهم والمخاطر المترتبة على القانون.
أما تنسيقيات تظاهرات تشرين، فانها رفضت وأدانت ربط المحكمة الاتحادية بالمحاصصة الطائفية، مع القناعة بان القانون هو أحد مساعي أحزاب السلطة لاجهاض مطالب انتفاضة تشرين التي كان في مقدمتها الحفاظ على الدولة المدنية وتعزيز الديمقراطية الحقيقية. وقد نظمت التنسيقيات، تظاهرات ووقفات احتجاج في عدة محافظات وأصدرت بيانات الإدانة لمساعي أحزاب الفساد والفشل و»طبخاتهم الفاسدة» للبقاء في السلطة عبر قوانين وإجراءات منها قانون المحكمة الاتحادية.
وعموما فإن العراقيين، عبروا عن الارتياح لرفض القانون الجديد الذي يعزز سطوة الإسلام السياسي، عبر تصريحات وبيانات وتغريدات في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ومنها قول النائب ظافر العاني في تغريدة، «شكرا لكل الأحرار من العراقيين الذين رفضوا تحويل العراق إلى قندهار أخرى أو ولاية فقيه بنسخة عراقية». فيما بارك نقيب المحامين العراقيين ضياء السعدي، للعراقيين انتصارهم برفض القانون الجديد، مؤكدا على ان اشراك غير القضاة بإصدار الأحكام والقرارات القضائية تحت عناوين خبراء وفقهاء أو أي مسمى آخر، يعد انتهاكا لسلطة القضاء المستقل. كما انتشرت التعليقات الساخرة للمفارقة بأن تقديم القانون الجديد يأتي بعد أيام من زيارة بابا الفاتيكان للعراق، وادعاء الحكومة والبرلمان أمامه حرصهم على التوافق والمصالحة واحترام حقوق كافة مكونات الشعب العراقي.
والحقيقة ان عدة أشهر من مناقشة القانون الجديد في البرلمان، حولت قاعاته وغرفه، إلى ساحة معارك وتهديدات وابتزاز ومساومات بين القوى السياسية المتنفذة والمعارضين، ولم يكن مستغربا عودة القوى المتنفذة في البرلمان إلى أساليب الترغيب والترهيب لإسكات معارضي القانون المذكور ومحاولة تمريره.
وانسجاما مع ذلك الأسلوب، فإن القوى الشيعية طرحت قانون المحكمة الاتحادية وميزانية 2021 معا في مجلس النواب، لمساومة الأحزاب الكردية بتمرير فقرة حصة الإقليم من الميزانية، مقابل عدم اعتراضها على بعض بنود قانون المحكمة. وهذا ما كشف عنه عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني سيروان حسن، الذي أعلن رفض حزبه ربط قانون الموازنة بقانون المحكمة الاتحادية، مؤكدا ان «هناك جهات سياسية تحاول ابتزاز الكرد». وكان إصرار الأحزاب الكردية على تعديل بعض فقرات قانون المحكمة، يهدف لمنع تمرير أي قانون لا يريده القادة الأكراد.
ولا شك ان الحراك الفعال للعراقيين، على كافة المجالات الشعبية والقانونية والسياسية، ضد إقرار قانون المحكمة الاتحادية الجديد، مرده ادراك مخاطر تمرير ذلك القانون، اضافة إلى أهداف متعددة، منها محاولة إنقاذ الدولة المدنية من براثن أحزاب الإسلام السياسي، ولايقاف محاولاتها تعميق الانقسامات في المجتمع العراقي، وعرقلة إصرار تلك الأحزاب على فرض رؤية مكون معين على كل مكونات المجتمع، إضافة إلى منع استنساخ تجارب خارجية عقيمة، ومع القناعة بان فشل قوى الإسلام السياسي في تمرير قانون المحكمة الاتحادية الآن، لن يكون آخر جولة لها لفرض رؤيتها على المجتمع، بل ستواصل نهجها ومحاولاتها مستقبلا في هذا الصدد، كونها جزءا من أجنداتها المحلية والإقليمية.