زوعا اورغ/ وكالات
باتت مشكلة التصحر في البلاد وزحف الكثبان الرملية تؤرق الحكومة العراقية والمختصين، في ضوء تنامي المؤشرات بشأن ذلك، في وقت حذر فيه مختصون من أن العام 2030 سيشهد دخول الرمال إلى شوارع المدن، في ظل ما أسموه “ضعف” التعاطي مع هذا الملف الخطير.
احصاءات الامم المتحدة، تحذر من أن العراق يفقد نحو 100 ألف دونم من الأراضي الصالحة للزراعة سنوياً، نتيجة التغير المناخي في العالم بشكل عام، والعراق من ضمن البلدان المتأثرة بهذا التغير، فضلاً عن الاستخدام الجائر للتربة واستخدام الأساليب القديمة في نظام الري الذي سبب تملّح التربة.
دول الجوار ترفع وتيرة استهلاكها المائي
المتحدث باسم وزارة الموارد المائية العراقية حاتم حميد، قال لشبكة رووداو الإعلامية اليوم الاثنين (12 نيسان 2021)، أن “التصحر والعواصف الغبارية والجفاف تشكل مشكلة كبيرة للعراق، لاسيما وأن الايرادات المائية القادمة من دول الجوار بدأت بالتناقص، بسبب تطوير المشاريع المائية في هذه البلدان، وبناء السدود المائية في تركيا وإيران وسوريا”.
يذكر أن سد إليسو هو سد اصطناعي تركي ضخم افتتح في شباط 2018 وبُدِأَ في ملء خزانه المائي في 1 حزيران 2018، وأقيم على نهر دجلة بالقرب من قرية إليسو وعلى طول الحدود من محافظة ماردين وشرناق في تركيا، وهو واحد من 22 سداً ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول والذي يهدف لتوليد الطاقة الهيدروليكية والتحكم في الفيضانات وتخزين المياه.
حميد أضاف أن “هذه الدول كانت في السابق تقيم مشاريعها مستهلكة كميات قليلة من المياه، وبالتالي كانت تأثيراتها على العراق قليلة، أما الآن فإن هذه الدول بدأت بتنفيذ خططها المائية الجديدة وفق احتياجاتها المتزايدة، واستهلاكها الآخذ بالارتفاع، والتي ربما تصل إلى الذروة قريباً”.
“العامل المهم الثاني في ارتفاع نسبة الجفاف والتصحر في العراق هو التغير المناخي الذي بدأ تأثيره على العالم والشرق الأوسط، والعراق أيضاً، منذ عام 1999″، حسب قوله، مردفاً أن “العراق مصنّف كخامس أكثر دولة من ناحية الهشاشة في التغيّرات المناخية”.
ولفت حميد إلى أن “من أسباب الجفاف وارتفاع نسبة التصحر في العراق أيضاً قلة الأمطار والإيرادات المائية الشحيحة، ونقص المساحات المزروعة داخل البلاد”، موضحاً أن “وزارة الموارد المائية أعدت دراسة ستراتيجية بهذا الصدد، ووضعت التحديات المحدقة بالبلاد أمامها ورسمت سياسة من الممكن أن تقوم بها الحكومة، مثل ترشيد استهلاك المياه، واستخدام تقنيات حديثة في ري الأراضي الزراعية”، منوهاً إلى أن “أكثر الاستهلاك للمياه يذهب صوب الجانب الزراعي، بينما بالمقابل تعد الخطوات الحكومية بهذا الصدد خجولة والتخصيصات اللازمة قليلة”.
أما بشأن أكثر المحافظات التي تتأثر بنقص الموارد المائية، أوضح المتحدث باسم وزارة الموارد المائية العراقية أن “كل المحافظات العراقية تتأثر بنقص الموارد المائية، ولاسيما ديالى التي تتأثر بنقص الإيرادات المائية القادمة من إيران”.
الاستعانة بطوق نباتي وتوليد الطاقة الكهربائية
من جانبه، قال الخبير الإقتصادي ناصر الكناني لشبكة رووداو الإعلامية اليوم الاثنين (12 نيسان 2021)، إن “العوامل التي تتسبب بالتصحر والجفاف في العراق كثيرة، منها ترك الأراضي من قبل المزارعين، وانتشار الكثبان الرملية المتحركة في مناطق البادية جنوب غربي العراق، بين محافظتي البصرة والمثنى، فضلاً عن مشاكل كثيرة أخرى”.
يشار إلى أن الأراضي الصحراوية في محافظة المثنى تشغل مساحة 90 بالمائة من مساحة المحافظة، التي تشغل 11 بالمائة من مساحة العراق.
الكناني لفت إلى أن “العراق بحاجة إلى زرع هذه المنطقة أو الاستفادة منها من خلال توليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، كما ينبغي أيضاً تحسين عامل البيئة فيها ووضع طوق نباتي من الأشجار المعمرة في تلك المناطق”.
سد الجزرة “القاتل” يهدد بجفاف العراق
بدوره، قال الخبير الزراعي عادل المختار لشبكة رووداو الإعلامية اليوم الاثنين (12 نيسان 2021)، أن “العراق يواجه مشكلة كبيرة من ناحية نقص مناسيب المياه من دول الجوار، وقد يشكل مأساة في حال قامت تركيا ببناء سد (الجزرة القاتل) والذي سيؤدي إلى قتل نهر دجلة، وكذلك بلوغ تأثيراته على نهر الفرات أيضاً، لاسيما وأنه يأخذ في بعض الأحيان احتياجاته من نهر دجلة”.
يشار إلى أن تركيا قامت ببناء سد “الجزرة” الذي يعتبر مكملاً لسد اليسو، ويعد أكثر خطورة وتأثيراً علـى مستقبل العراق المائي والبيئي والزراعي، فهو يقع الى جنوب سد اليسو بمسافة (35) كم وعلى مسافة (4) كم شمال مدينـة الجزرة قرب الحدود السورية، ويبلغ حجم الخزن الكلي للسد (1,2) مليون متر مكعب، وتبلغ قدرة محطته الكهرومائية (240) ميكاواط.
الغرض من هذا المشروع هو إنتاج الطاقة الكهربائية وارواء الأراضي الزراعية وتحويل قسم كبير من الأراضي الديمية (500) الف دونم الى أراض اروائية، حيث سيتم تحويل جميع المياه إلى اراضي هذا المشروع قبل عبورها الحدود الدولية (التركية – العراقية) وسوف يؤدي إلى انعكاسات خطرة على بيئة العراق وحرمان الكثير من السكان القاطنين على ضفاف النهر حتى من امدادات مياه الشرب.
المختار رأى ضرورة “إعادة الحكومة النظر في السياسة الزراعية المتبعة حالياً، وفق هذه المعطيات”، مضيفاً أن “العراق يواجه مشكلة التصحر في أراضٍ كبيرة من مساحته، وقد خرجت فعلياً من الخدمة”.
أما بخصوص الدعوات من قبل بعض المختصين بشأن مواجهة التصحر من خلال حفر الآبار، أبدى المختار معارضته لهذه الرؤية، عازياً سبب ذلك إلى أن “هذه الآبار تعد احتياطياً مائياً للأجيال المقبلة، أما نحن فلدينا الحقوق المائية التي يجب أن تداعي بها الحكومة العراقية”.
وبشأن كميات المياه الجوفية في العراق، ذكر المختار أنها تقدر بنحو 11 مليار متر مكعب، أي بقدر سد الموصل.
وحول المياه المتجددة، قال إنها “توجد في الصحراء الغربية، ومن الممكن استخدامها عبر الآبار الارتوازية وعليها صمامات تسحب المياه المتجددة فقط”، مشيراً إلى “وجود حلول لمعالجة التصحر والجفاف في العراق، لكنها يجب أن تكون عملية ومنطقية”.
“الصحراء الغربية مقسمة إلى 12 قطاعاً، واحدة من هذه القطاعات صخرية، تنقع لتربية الدواجن وبالتالي تحقيق انتاج اقتصادي إذا تم التعامل معه باسلوب علمي صحيح”، وفقاً للمختار، الذي حذّر من أنه “في حال لم يغير العراق اسلوبه في الزراعة الكبيرة المتعلقة بالحنطة والشعير وانخفاض انتاجية الدونم، فإنه سيواجه مخاطر كبيرة نتيجة الخطط العشوائية التي تواجهنا خلال 5 – 10 سنوات”.
أما بشأن كميات المياه الموجودة في البلاد، أوضح المختار أنها “غير كافية لملء السدود حالياً، فهذه السدود قادرة على استيعاب نحو 100 مليار متر مكعب، بينما الكميات الموجودة لا تصل إلى 50 بالمائة منها”، مبيّناً أن “واحدة من المشاكل هي عدم تنظيف الأنهار وتعميقها، فضلاً عن عدم وضع مبازل لمواجهة السيول القادمة من دول الجوار”.
وبخصوص تأثير سدود دول الجوار، قال إن “سد اليسو حالياً بدأ بالعمل لتوليد الطاقة الكهربائية، وتأتي منه بعض الكميات إلى العراق، بينما يعد سد الجزرة اروائي للأراضي الزراعية، فاي مياه قادمة من تركيا يحجزها هذا السد ويرسلها لأجل سقي الأراضي الزراعية”.