زوعا اورغ/ اعلام البطريركية
مقابلة مع البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو
أجراها الصحفي الإيطالي: نيكولا غوري (Nicola Gori)
للرقيب الروماني (L’Osservatore Romano)، الصحيفة للرسمية للفاتيكان
حاضرة الفاتيكان، ٢٥ تموز ٢٠١٨
ترجمة الأب ريبوار عوديش باسه
إن الرسالة التي أوكلها قداسة البابا فرنسيس للكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك بابل للكلدان، ومن خلاله لكل الكنيسة الموجودة في العراق، تتمثل بتعزيز ثقافة الحوار والاحترام والسلام والحياة. وقد ركز البطريرك ساكو في سياق الحديث على عراقة كنيسة العراق قائلاً: “إن جذور الكنيسة في العراق تعود لفترة نشأة المسيحية، ولكنها اليوم على هذه الأرض تواجه خطر الزوال بسبب الاضطهاد”. رئيس الكنيسة الكلدانية البطريرك لويس روفائيل ساكو، الذي تمت ترقيته الى الكرامة الكاردينالية من قبل قداسة البابا فرنسيس في ٢٨ حزيران ٢٠١٨، ألقى الأضواء على المشاكل الكثيرة التي يواجهها مسيحيو العراق والآلام الكبيرة التي يتحملونها، وذلك خلال المقابلة التي أجرتها معه صحيفة الرقيب الروماني. وبالرغم من كل ذلك، يلتمس المرء في كلمات غبطة البطريرك الإيمان والرجاء بمستقبل أفضل للعراق بكل اعراقه واطيافه وأديانه. ومن الجدير بالذكر بأن البطريرك ساكو هو القائد الروحي لأكبر كنيسة شرقية موجودة في أرض إبراهيم. إن مقر البطريركية الكلدانية هو في بغداد، إلا أن البطريرك ساكو خدم ككاهن وكرئيس أساقفة ولفترات طويلة في كل من الموصل وكركوك. وقد احتل اسم هاتين المدينتين وللأسف تحمل عناوين الصحف العالميةاسمهما بسب الدمار الذي لحقهما والفظائع التي ارتكبت فيهما وفي مدن عراقية أخرى وذلك من قبل تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي. إن الكاردينال ساكو ألتمس طوال كل هذه المأساة اهتمام البابا فرنسيس الخاص بالكنائس الشرقية وبالقطيع الصغير الذي تمثله الجماعة المسيحية في الشرق الأوسط.
س: ماذا تعني لغبطتكم الدرجة الكاردينالية التي نلتموها من قداسة الحبر الأعظم وخاصة في سياق الوضع الراهن في منطقة الشرق الأوسط؟
ج: إن الوضع في هذه المنطقة معقد جداً وصعب للغاية، وذلك بسبب المشاكل الداخلية، وأبرزها: الصراع على السلطة والمال، والعقلية الطائفية، وبالأخص تدخل الدول المجاورة والبعيدة على حدٍ سواء، وتدخلها بالطبع هو في سبيل تحقيق مصالحها الخاصة. أما فيما يتعلق بترقيتي للكرامة الكاردينالية من قبل قداسة البابا فرنسيس، فإني أعتبر ذلك رسالة موكلة منه لي لتعزيز ثقافة الحوار والاحترام والسلام والحياة، والمساهمة في خلق أجواء كريمة وظروف ملائمة لكل شخص. وهذا ما يحاول قداسة البابا فرنسيس نفسه القيام به من دون توقف وعلى مستوى العالم بأسره.
س: ما هو مستقبل العراق بنظركم؟
ج: أعتقد أنه بعد التجربة المأساوية التي مرّ بها العراق والتي كانت مليئة بالمعاناة والألم، وبكل ما سببته من الضحايا والدمار طوال خمس عشرة سنة، قد تعلم الناس منها درساً. فاليوم، وبعد إجراء الانتخابات، يتحدث الجميع عن رغبته بحكومة مدنية عابرة للطائفية ومؤسسة على مبدأ المواطنة والعدالة والمساواة. أدرك جيدً بأن هذا الطموح ليس بالامر السهل، وبالتالي يحتاج الى الوقت الكافي وللعمل الدؤوب لتحقيقه. ولهذا، ينبغي علينا جميعاً المساهمة في تحقيقه. أني متأكدٌ من أن ثمة مستقبل أفضل قادمٌ للجميع بما فيهم المسيحيون.
س: مع ذلك، لا يزال نزوح المسيحيين من هذه الأراضي مستمرٌ. كيف يمكن معالجة ذلك؟
ج: ينبغي علينا وضع خطة وفق المعايير الحديثة لتأخذ كل جوانب الحياة بعين الاعتبار، ولا سيما الجانب الاجتماعي والثقافي والاقتصادي. يجب أن يكون هنالك رؤية واضحة وعميقة وشاملة بحيث تكون قادرة على تلبية احتياجات المرحلة الراهنة والمستقبلية. بهذه الطريقة فقط سيمكننا الخروج من حالة اليأس والهجرة، وسنكون قادرين على استعادة دورنا وحيويتنا. وهذه هي دعوتنا، لأن المسيح يدعونا الى ان نكون كمسيحيين في كل لحظة ملحاً وخميرة ونوراً.
س: بالإضافة إلى الهجرة للخارج، هناك أيضا مشكلة النازحين داخل القطر؟
ج. نعم، خاصة فيما يتعلق بالموصل وسهل نينوى، يجب علينا أن نضمن حياة كريمة للنازحين. فمن الضروري إعادة بناء منازلهم وتوفير فرص العمل لهم، وخاصة أن هؤلاء الناس لم يتلقوا الاهتمام اللازم لسنوات عديدة. يجب اتخاذ الإجراءات اللازمة لكي تُضمَن حقوقهم، كما ينبغي وذلك بإيجاد وسائل فعالة. إننا نطالب الحكومة العراقية باستمرار وإصرار بكل هذا، لأنهنانحن المسيحيين مواطنون مثل الآخرون، و وينبغي ان نتساوى في الحقوق مع الاخرين في هذه الأرض، لا بل تاريخياً هذه أرضنا.
س: الوضع الأسوأ الآن هو في البلد الجار سوريا حيث يعاني مواطنيه كثيراً بسبب الحرب. ما هي الأدوات التي ينبغي على المجتمع الدولي استخدامها لوقف الصراع الدائر هناك؟
ج: الحلول العسكرية ليست حلولاً، لا بل إنها تجعل الوضع أسوأً. هنالك حاجة ماسة لحوار مدني وشجاع. حقيقة، الامر يتطلب مساعدة السوريين على الجلوس معاً للتحاور ولبناء مستقبل أفضل.
س: نعود إلى الكنيسة الكلدانية المعروفة بتقاليدها الغنية، كونها مؤسسة من قبل مار توما الرسول. ما هي الأولويات الرعوية بالنسبة لها؟
ج: أقترح أن نركز اهتمامنا على موضوعين رئيسيين مترابطين ومتشابكين مع بعضهما، وهما: التعليم والانفتاح المسيحي، والخدمة بمحبة. بالنسبة للتعليم الكنسي الذي ينبغي أن يتلقاه المؤمنون في المجتمع الذي نعيش فيه، نحتاج إلى برامج مختلفة عن البرامج السابقة حيث ينبغي تجنب الوقوع بالسطحية والرتابة، والتركيز على ما هو ضروري للإنسان العراقي وللمسيحي كي يستطيع أن يعطي شهادة حقيقة لإيمانه في مجتمعه. فالإيمان هو علاقة حب وإخلاص، وعلاقة كهذه لا يمكن ان تكون سطحية ومنعزلة عن القلب. إن إيماننا هو في شخص يسوع المسيح الذي نحبه، ونتبعه بفرح، ورسالتنا تكمن في اعلان ما اختبرناه للآخرين، مثلما فعل تلميذا عماوس. وبما أننا بحاجة لتغذية روحية مستديمة لتقوية إيماننا ولتعميق جذورنا كمؤمنين في حياتنا اليومية، أعتقد أنه من الضروري تجديد طرق التعليم المسيحي والطقوس.
س: هل هناك حاجة ملحة فيما يخص التنشئة الإيمانية للإكليروس وللمسيحيين الراشدين في العمر؟
ج: أؤكد كثيراً على أن يكون بشكل خاص للكهنة والرهبان والراهبات روحانية عميقة. عانينا من عدم الاستقرار بسبب الحروب وهجرة العوائل. وبالتالي لدينا بعض الكهنة والراهبات الذين يريدون الالتحاق بعوائلهم. وهذا الهروب يدمر الكنيسة ويزيد من الفوضى. أتابع عن كثب وعن قرب كهنتنا وذلك من خلال الرسائل الرعوية والزيارات واللقاءات. وكل شهر تقريباً ألتقي بكهنة بغداد، ولدينا ثلاثة لقاءات كل عام لكافة الأساقفة والكهنة الكلدان في العراق. كل شيء يعتمد على تنشئة الإكليريكيين في المعاهد الكهنوتية، وعلى اختيار أساقفة أكفاء. إن ميزة الراعي ان يتحلى بالقيادة والرعاية كأب ومنشئ بحسب واقعنا. اليوم، والحمد لله، هنالك تقدم ووعي لمبدأ التضحية في سبيل إعلان الإنجيل وخدمة الإخوة.
س: هل مسكونية الدم، التي يتحدث عنها البابا دوماً، هي واقع حالي في بلدكم؟
ج: الشهادة بالدم كانت دوما موجودة في كنيستنا ولا تزال. إننا نرنم كل يوم، في صلوات الصباح والمساء، ترانيم لإكرام الشهداء. إنهم مثال لنا في الإخلاص وفي عيش المحبة غير المشروطة للمسيح. أعطت كنيستنا خلال السنوات العشر الأخيرة الكثير من الشهداء: أسقف، وبعض الكهنة وعدد كبير من المؤمنين. وبالجدير بالذكر بأن المسيحيين الذين قام تنظيم داعش الإرهابي بطردهم من ديارهم بسبب إيمانهم، والذين فاق عددهم 120 ألف نسمة، حينما أُجْبِروا على ترك كل شيء والخروج من بيوتهم وأراضهم فقط بملابسهم بسبب ايمانهم، رفضوا أن يتخلوا عن إيمانهم بالمسيح. اضطهدوا فقط لأنهم مسيحيون. هؤلاء بالنسبة لنا هم معترفون بالإيمان. ، لم ينكر أحد منهم ايمانه كي لا يخسر ما كان لديه. إن تضحياتهم وإخلاصهم وصبرهم فتحوا اليوم امامهم الطريق نحو العودة إلى أراضهم وبيوتهم وكنائسهم. يجب على المسيحيين الغربيين أن يتعلموا من هؤلاء الشهود.