زوعا اورغ/إعلام البطريركية
أناب غبطة أبينا البطريرك مار لويس روفائيل ساكو الكلي الطوبى الأبوين ميسر بهنام ونشأت توزا لحضور المؤتمر العلمي الخامس الذي أنعقد برعاية سماحة السيد مقتدى الصدر صباح الخميس 8 آذار 2018 بالنجف تحت شعار” السيدة فاطمة الزهراء – عنوان الوحدة الإسلامية”.
حضره رئيس مجلس النواب، الدكتور سليم الجبوري وممثلين عنكل من فخامة السيد رئيس الجمهورية ودولة رئيس الوزراء
وأدناه نص كلمة غبطته التي قرأها الأب ميسر بهنام وحظيت بالتصفيق من قبل الحضور:
كلمة البطريرك ساكو
في البداية أود ان اُحيي سماحة السيد مقتدى الصدر على دعوته الكريمة، وأشد على أيدي منظمي المؤتمر العلمي الخامس تحت شعار” السيدة فاطمة الزهراء- عنوان الوحدة الإسلامية” إنه حدث علمي مميز يؤكد على الرابطة الدينية بين المسلمين لتوحيدهم، وعلى أهمية علاقة المحبة مع اخوتكم في البشرية والوطن بدليل دعوتكم السمحة لنا، كمشاركين ومتكلمين.
يعود عمق جذور العلاقات المسيحية – الإسلامية الى فجر الإسلام. فالعلاقة بأهل البيت كانت قبل الإسلام وبعده. وقد إقترن رسول الاسلام بالسيدة خديجة، التي كانت نصرانية على أحد المذاهب المسيحية وأنجبت له البنات، ومنهن السيدة فاطمة الزهراء زوجة الخليفة الإمام علي بن ابي طالب، صاحب كتاب” نهج البلاغة” الذائع الصيت، وام الإمامين الحسن والحسين. كما ان قس مكة المعروف، الورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قُصيّ هو إبن عم السيدة خديجة، ولربما لهذا السبب تعبرّ الآية القرآنية عن طبيعة هذه العلاقة مع المسيحيين بقولها: “وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ” (المائدة 82)، فضلا عن نصوص قرآنية أخرى تعطى المكانة المرموقة للمسيح وأمه مريم العذراء مما يؤكد أن الرسول محمد وعائلته والسيدة فاطمة الزهراء والصحابة منذ أول صدر الإسلام لم يكونوا غرباء عن البيئة الدينية في مكة والمدينة والمنطقة.
من جهة أخرى، أود أن اُشير الى رحلات نبي الاسلام الى الشام لحمل تجارة السيدة خديجة ومروره الدائم في الاديرة المزروعة في سوريا وتعرَّفه على صلواتهم وشعائرهم الدينية. وقصة الراهب في السيرة النبوية لابن هشام ، واستقبال النجاشي للمسلمين الهاربين من اضطهاد قريش ولقاء الرسول مع مسيحيي نجران والسماح لهم بالصلاة في بيته، ولا ننسى حادثة استشهاد الامام الحسين وكيف دافع عنه جون المسيحي ووهب بن حبّاب الكلبي وزوجته اللذان استشهدا معه.
إذاً ثمة نقاط تقارب عديدة بين المسيحيين والمسلمين إستندت الى أساس انساني وايماني وروحي ووطني. علاقات قامت على الاخوّة والتعاون والأخلاق وليس على التطرف والكراهية كما يروِّج بعض المتشددين.
كما اُشير الى ما قدمه مسيحيو سوريا وفلسطين وبلاد ما بين النهرين ومصر (الذين كانوا يشكلون الغالبية العظمىفي هذه البلدان آنذاك) للمسلمين عند قدومهم، ففتحوا أمامهم مدارسهم وأديرتهم ومستشفياتهم؛ كذلك اذكر في مجال العلاقات هذه إسهام النُخَب المسيحية في الدولة الاموية ثم العباسية من مترجمين وأطباء وعلماء بيت الحكمة… إسوةً بما قدمه ويقدمه المسيحيون في العراق الحديث لبلدهم ومواطنيهم والانسانية، بكل محبة وإخلاص.
الإسلام تعاطى إيجابيا مع المسيحية وثمة مواقف مضيئة وادوار في الماضي والحاضر عديدة كدور المرجعية الموقرة في أعقاب تهجير المسيحيين من الموصل وبلدات سهل نينوى من قِبَل تنظيم داعش الإرهابي.
وما هذا المؤتمر بشعاره “السيدة فاطمة الزهراء- عنوان الوحدة الإسلامية”، إلاّ دعوة للعودة الى القيم الدينية المشتركة، والجذور الإنسانية، وتراثنا الثقافي الوطني الواحد، والتربية على العيش المشترك من خلال التعليم الديني والاجتماعي في إطار الاخوّة والمساواة بعيداً عن السِجال والتطرف والعنف. يقول السيد المسيح في الانجيل الطاهر: ” انتم كلكم اخوة” متى 23/9″ كما جاء في الآية القرآنية الكريمة: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا” (الحجرات 13)، أي بما يفسّر: ليعرف بعضكم بعضا ولتتعاملوا فيما بينكم بالمعروف.
ان ما يجمع المسيحيين والمسلمين على صعيد الايمان والأخلاق والخبرات الروحية والتصوّفية غير قليل كما ان الاختلاف والتباين هما امر طبيعي، فالاختلاف لا ينبغي ان يثير الفتنة والتباعد والعداء، بل يحتم علينا الاعتماد على مباديء الانفتاح والتسامح والمعرفة الدقيقة والموضوعية بالديانات والاحترام المتبادل وتنظيم حوارات صادقة ومحاضرات على اختلاف اوجهها لبناء الثقة وترسيخ العلاقات بين المسيحين والمسلمين لحمل هموم المواطنين وإيجاد أجوبة موحدة لمشاكل معاصرة اجتماعية واخلاقية مطروحة عليهم. وهنا لابد أن اشيد بدور المرجعية الموقرة والنخبة النيرة الملتفة حولها ودور سماحة السيد مقتدى في تبني النظام المدني.
و في الختام اسأل الله تعالى ان يوفقكم في مسعاكم وان يمنح بلادنا السلام والأمان لتعود تنعم بالخير والتقدم والازدهار.