شوكت توسا
لستُ هنا للمفاضلة بين بلداتنا العزيزة, كلها جميله باهلها ولكل منها خصوصيه تستحق الاعتزازبها .
ألقوش بلده نينويه جذورها ضاربه في اعماق التاريخ, ومن اسفار ميامينها تعلمت الاجيال كيف تختط حاضرا يليق بمكانتها التي وُصفت تارة بروميه الثانية واخرى بموسكو الثانية, ولو تفحصنا بواعث هذا الوصف ,سنجد بأن السر في صمودها حباً للحرية, دون ذلك ما استطاعت بلدة بهذا الحجم ان تتبوء موقعا مرموقا في سجل النضال ضد الظلم , فكان جزاؤها الإضطهاد والتهميش دائما, مع ذلك ظلت عصيه لم يتطأطأ رأسها امام ماكنة الظالم .
تراكم هذا الارث الانساني , جعل منها حقلا مكثارا في انتاج عقول العلم والسياسة تتحدى به الاخرين في سباق نيل شرف دعم المنادين بالحرية, اتذكر جيدا زغاريد اهالي القوش في فجر ثورة الرابع عشر من تموز 1958, وأتذكر ايضا ابتهاجهم بمبادرة الزعيم عبد الكريم قاسم في استقبال المرحوم ملا مصطفى عائدا من منفاه الى العراق عزيزا مكرما , وحين دارت عقارب الزمن دورتها الهوجاء في شباط عام 1963,دُفنت الآمال وخابت الاحلام, فكانت حصة البلدة في هذه الانتكاسة اعتقال وتعذيب المئات من ابنائها واعدام اخرين بسبب مواقفهم السياسية الوطنية.
المعروف عن اهالي البلدة خلو افكارهم وسلوكهم من اي عنصرية او كراهية انما رد المثل بالمثل كان ديدنهم , لذلك لم يجد ابناؤها ما يمنعهم من مناصرة الحركة الكردية المسلحة على اعتبارها تحرريه, فقدموا ما استطاعوا من دعم وتضحيات, ناهيك عن البطش الذي مارسته الأنظمة القمعية بحق البلدة وسكانها بسبب ثقافتهم الفكرية التي دعتهم لمؤازرة الحركة المسلحة.
القصد من إستذكار ومضات مضيئة كالتي في اعلاه ,هو تذكير المسؤولين العراقيين والاكراد منهم على وجه الخصوص, بمشهد غير مألوف باتت تشهده بلدة القوش وبقية البلدات بشكل متكرر خلال سنوات ما بعد زوال نظام صدام حسين, وبسبب هذا التكرار والاصرار تاهت علينا الموازين التي كنا نعتمدها في اتخاذ المواقف, لم نعد نعرف اليوم اين اضحت تلك الشعارات التي كانت تُرفع استنكارا لسياسة حكومة صدام والذين سبقوه , ولم نعد نفهم متى وكيف يجازى الانسان على مواقفه النبيله! انه بحق مشهد مؤسف ومخيّب عندما يكون مُخرجه هو ذاته الذي اصطف معه شعبنا وناصره يوم ضيقه , نحن نتحدث عن مشهد يستهجنه كل صاحب ضمير ومبدأ, خاصة حين يعرف بأن شبابنا كانوا يساقون الى دوائر امن صدام وزنزاناته لنيل عقاب مواقفهم المؤيدة للحركة الكردية , واليوم سبحان مغير الاحوال, يساق شبابنا الى دوائر الاساييش لانهم عبروا عن رأيهم بوقفة سلميه احتجاجا على اجراءات وممارسات مرفوضه, وفي مناسبه اخرى قام الاساييش بالاعتداء بالضرب على مدير ناحيه احبه اهالي القوش, وهناك من الأمثلة الكثير مما يؤكد بان الخيبة شئنا ام ابينا تتعاظم عندما ينتاب المرء شعورا بالندم على موقف اتخذه لمساندة المنادين بالديمقراطية ثم يصبح اليوم هدفا للديمقراطيين!!…..
الجميع يعلم بان عراقنا يمر في ظرف صعب مع غياب سلطة وطنية تعالج مشاكل الناس , لكن ذلك لا يعطي الحق لمن يمتلك قوة الانقضاض على من لا يمتلكها , عذرا , ان كان هذا مكسب الشعب من دعم نضالات نصف قرن, فإن شعارات الحرية والديمقراطية لم تكن سوى حبرا على ورق لا علاقة لها بحقوق الشعب ولا بتطوير اوضاعه, انما فرض الارادات الحزبية الضيقة حتى لو تتطلب الامر ترهيب أهل الدار الآمنين واصحابه التاريخيين الذين دفعوا الثمن غاليا حبا للحرية و رفضا للوصايات , هذا الاسلوب لن يخدم احدا اطلاقا, اهل الدار أناس متحضرون علّمتهم المآسي كيف يديروا شؤونهم بأنفسهم في حال غياب الدولة وسلطاتها ,أنا أتساءل متعجباً , لماذا نطالب باعطاء اهل سنجار حق حماية انفسهم , بينما يُغض الطرف عن تطبيق ذلك في القوش وبقية بلدات سهل نينوى التي لولا صراعات الاحزاب فيما بينها على بسط النفوذ لما ترك مئات الالوف اماكنهم ولما تم أغتصاب الاف العذارى السنجاريات وقتل و تهجير اهاليهم .
اتمنى على المسؤولين الأكراد التوقف هنيهة والتمعن في نظرتهم الى سكان مناطق سهل نينوى وطريقة التعامل مع أناس كانت لهم وقفات وطنيه مشرّفه بوجه الحاكم الظالم بحثا عن حياة تليق بهم لا لكي يتم التعامل معهم كبضاعه نحجزها و نغيّر مناشئها ونتلاعب بتاريخها كما تقتضي حاجة احزابنا, احترام المناضل لنضاله يتجسد في احترام ارادة الاوفياء المضحين والمحبين لأرضهم, يشجعهم على تحقيق خياراتهم التي فيها الخير للجميع . شعب موجود على ارضه لالاف السنين , يشعر اليوم بالقمع والتهميش من قبل الديمقراطيين !!.
الوطن والشعب من وراء القصد