فواد الكنجي
في يوم الشهيد الأشوري؛ لنا معه وقفة تاريخية تتجدد عبر الزمن؛ نستذكر من ضحوا بأرواحهم الطاهرة من اجل قضايا الأمة عبر حقبة مريرة مرت على الأمة؛ حيث تم استهداف الأشوريين استهدافا مباشرا من قبل أعداء محليين وإقليميين ودوليين، فرغم الماسي التي ذاقتها الأمة الأشورية في العصر الحديث والمعاصر؛ وطيلة عقود من استبداد أنظمة المنطقة وشوفينيتها ودكتاتوريتها وما شاهدتها من صراعات دولية وإقليمية ومحلية وما ترتب على الأمة الأشوري من تردي أوضاعهم؛ حيث الهزائم والانكسارات والهجرة والنزوح و قتل الآلاف والتشرد في المخيمات هنا وهناك والقهر وافتقار الإنسان، وفي خضم هذه الظروف المريرة والقاسية تعرضت مسيرة نضال الأشوريين المتسلحين بإيمان وبفكر قومي إلى معانات عبر جميع مراحل التاريخ؛ ومنذ سقوط إمبراطوريتهم في عام 612 قبل الميلاد والى يومنا هذا؛ ورغم كل ذلك لم يحدوا عن النضال والكفاح ولم تكسر إرادتهم رغم كل الضغوطات التي حاول الأعداء – في هذا المواقع أو ذاك – كسرها ولكن لم تنكسر؛ وظلت إرادتهم أقوى واصلب من اجل تحقيق أهدافهم، بل تمسكوا بثواب وروح الانتماء القومي معتبرين ذلك رافدا حقيقيا لمسيرة كفاحهم فحملوه كأساس لمشروع النهضة مثبتين وجودهم عبر جميع المراحل التي مروا بها؛ و بأنهم متواصلون في بناء فكرهم القومي الأصيل والمتجدد والكفاح والنضال من اجل اعتراف الأخر بمطالبهم و بحقوقهم المشروعة في حق تقرير المصير؛ ليعبروا بهذا الإصرار.. وهذا الكفاح.. وهذا النضال عن أصالة هذه الأمة ومجدها وحضارتها الخالدة.
فرغم كل تعقيدات ظروف المنطقة وما تراكمت على امتداد عقود الاستبداد المضادة لتطلعات الأمة الأشورية؛ ضل الكفاح والنضال والاستبسال والشهادة وإصرار الأحرار سبيلا لتجاوز ذلك وكمنفذ لصيرورة روح الانتماء القومي للأمة في تقرير المصير وصياغة مستقبلهم رافضين أي إقصاء أو تهميش أو وصاية أو من أي اندفاع أو تدخل لإطراف شوفينية والعمل باسم الأمة؛ وذلك بتعرية كل ما يحيط من التباسات لتشويه وتحويل مسار الكفاح والنضال إلى أيديولوجية مشوهة ومغلقة وبعيدة عن بعدها الإنساني والحضاري.
فدم الشهداء لن يجف – مهما طال بنا الزمن – من فوق رايات التي نحملها ونحن ماضون في مسيرتهم بكل معاني التي حملوه ومضوا في طريق النضال والكفاح فسقطوا من اجلها شهداء أبرار، نعم نحن ماضون قدما كخيار قومي غني بعمقه الروحي والحضاري وبدونه يكون إحياء الأمل صعبا في التحرر والإخلاص والحرية والتغير؛ وهذا هو طريق الذي نتجه نحوه ونوجه أجيالنا لمواجهة التحديات بالتعاضد والوحدة والتكافل وبكل استحقاقاتنا القومية والحضارية .
ولن تتحقق أهدافنا في الحرية وحق تقرير المصير إلا من خلال تمسكنا بثوابت الفكر القومي والتمسك بهويتنا القومية باعتبارها القوة الحقيقة لمواجهة كل التحديات التي تواجه الأمة والتي يتطلب منا إن نشد العزم في مسيرة النضال والكفاح كما عزموا شهدائنا عزيمتهم فيها فسقطوا شهداء وهم يرفعون رايات قوميتهم عالية من اجل أن ترفع بقامات أبناء الأمة، فهمم الرجال لن تحد عن هذا المسير؛ مسير الكفاح والنضال ونشر الوعي القومي بين صفوف الشعب ليأخذ حقوقه المسلوبة ومكانته بين الأمم والشعوب المحبة للحرية والسلام .
فالأمة الأشورية منذ سقوط دولتهم في 612 ق.م، تعرضت إلى هجمات بربرية وحشية شرسة؛ عبر الإبادة الجماعية والتهجير ألقسري والنزوح الجماعي، ولكن أقسى إبادة تعرضوا عليها كان مابين عام 1841 – 1848 وهي من اخطر مراحل التي عصفت بالأمة الأشورية؛ حيث كانت بداية للمجازر بحقهم وسميت في حينها بالمجازر (الحميدية) نسبة إلى الحاكم العثماني (عبد الحميد الثاني) الذي عرف بكرهه وحقده على الأشوريين المسيحيين بل على المسيحيين بصورة عامة، وقد قام بزرع الفتن وإثارة القبائل الكردية ليهاجموا المسيحيين من الأشوريين والأرمن واليونانيين.
ففي بلاد مابين النهرين سادت آنذاك صراعات من اجل احتلال أراضي الأشوريين ولم يكن لهم سبيلا في تحقيق هذا الهدف إلا من خلال ارتكاب أبشع واعنف مجازر ومذابح ضدهم؛ فقام احد زعماء الأكراد وهو (بدر خان بك) بدعم من الأتراك والذي كان تابعا لدولة العثمانية حيث اقترف أولى المذابح الجماعية في التاريخ الحديث؛ حيث توفرت له فرصة ذهبية إثناء فترة فرض الأتراك لحكمهم المباشر على بلاد مابين النهرين (العراق) لإحداث التغير الديموغرافي في المنطقة والسيطرة على ما تبقى من المناطق الجبلية لـ(بلاد أشور) التي ظلت مستقلة حتى ذلك الحين، لذلك اعتبرت هذه الفترة فترة عصيبة في تاريخ الأشوريين؛ إذ في هذه الفترة تحديدا غير الكثير من ديموغرافية مناطقهم في شمال العراق، وقد ولعب بهذا التغير عدة أطراف مختلفة, كان على رأسها العثمانيون وأعوانهم من القبائل الكردية والمبشرون الأوربيون والأمريكان, الذين كانوا بالأساس مجاميع من الجواسيس لبلدانهم والذين تمظهروا بأنهم أتوا إلى المنطقة لمساعدة الأشوريين والأرمن؛ ولكن غايتهم الحقيقية كانت هي للقضاء على الإمبراطورية العثمانية وتفتيت أوصالها, مقابل وعود كاذبة بحماية المسيحيين في الشرقِ من العثمانيين.
فمنذ سنة 1831 شهدت بلاد مابين النهرين (العراق) حضورا عسكريا وسياسيا (عثمانيا) ومن جهة أخرى حضورا (غربيا) وبأشكال متعددة, لتصبح بلاد مابين النهرين(العراق) ساحةَ صراعٍ عثمانية – غربية؛ لعب فيها الجواسيس دور المبشرين بالإضافة لوعودهم الكاذبة بحماية الأشوريين من العثمانيين وبإقامة حكم ذاتي لهم في شمال العراق في مناطق حضارتهم القديمة، ومن خلال تفاقم الصراعات بين هذه الإطراف وقع الأشوريين ضحية هذه المؤامرات لترتكب بحقهم أبشع جرائم الإبادة والمجازر والمذابح التي ارتكبت بحقهم من قبل السلطات العثمانية، وما مذابح (بدرخان بك) 1841- 1848 في زمن السلطان (عبد الحميد الثاني) والذي لقب بـ(السلطان الدموي) لأنه ارتكب مجازر رهيبة لا تعد ولا تحصى بحق الأشوريين والأرمن واليونان، وأكثر مجاز وحشية هي التي ارتكبها باسم (مجازر ديار بكر) والتي حدثت في ولاية (ديار بكر) ضمن الدولة العثمانية بين عامي 1894- 1896 وهي سلسة من المجاز ضمن ما تسمى بـ(الحميدية) التي استهدفت الأشوريين والأرمن، وقد اتخذ هذا الجزار منحى معادي للمسيحيين بشكل عام بانتقالها إلى ولاية (ديار بكر) وريفها ومناطقِ (طور عابدين) التي شكل الأشوريين أغلب مسيحييها وتم إبانها حرق العديد من قراهم ويقدر عدد القتلى من الأشوريين ما بين سبعين ألف ومائة ألاف أشوري.
وقد عاش الأشوريين (في بلاد مابين النهرين) تحت حكم الإمبراطورية العثمانية وهي فترة كانت من اقسي وأصعب السنوات وما تلتها من بعد، فقد عرفوا الأتراك من خلال الشعوب التي تسلطوا عليها بالقسوة وانعدام الرحمة ومعاداتهم للأديان والقوميات الأخرى، وما سياسة التتريك التي مارسوها إلا نموذجا للإعمال العنصرية وإقصاء الآخرين ليستمر هذا المسلسل وهذا المنهج الدموي بحق الأشوريين والآخرين، فما بين عام 1914 و 1918 أبان الحرب الكونية الأولى، عادوا الأتراك العثمانيين مجددا بشن حملة وحشية بحق الأشوريين والأرمن واليونان؛ حيث تم إبادة أكثر من ثمانمائة إلف أشوري في تركيا؛ ونزوح وهجرة إضعاف هذا العدد إلى روسيا وإيران؛ ليعود (الانكليز) يستكملوا جرائمهم ضد النازحين الأشوريين ولكن بشكل أخر؛ حيث تم في موقع يسمى بموقع (صخرة به ستون) في إيران آب عام 1918؛ و(صخرة به ستون) موقع جبلي داخل الأراضي الإيرانية بالقرب من الحدود العراق الشرقية وعلى الطريق بين همدان – كرمنشاه، حيث يقدر عدد الأشوريين الذين تم تصفيتهم من قبل الانكليز هناك؛ وهم أساسا كانوا قد هربوا من مذابح في تركيا وتحديدا من منطقة (حكاري) بعد أن رفضوا هؤلاء المقاتلين التطوع في جيش (ليفي) التابع للقوات البريطانية بمنطقة (همدان)، فاخذوا هؤلاء الأشوريين إلى معتقل (به ستون) كأسرى؛ ثم جرى فصلهم وعزلهم عن عوائلهم حيث تركوا في العراء تحت حراسة مشددة ليتم استغلالهم كعمال سخرة والقيام بإعمال شاقة مضنية لساعات طويلة تحت لظى الشمس الحارقة في تسوية الأراضي وتمهيد الطرق وكسر وحمل الصخور والأحجار في المناطق الجبلية الوعرة؛ واستخدموا كذلك لنقل قضبان حديدية لسكك القطار بقصد إجهادهم وإنهاكهم وإيقاع أقصى الأذى والضرر بهم للتخلص من اكبر عدد منهم بعد إن رفضوا التطوع في الجيش البريطاني، فلاقى أغلبيتهم وبما تجاوزا عن( 1500 ) مقاتلا اعزل حتفهم هناك تحت وطأة انتشار الإمراض والأوبئة وسوء التغذية؛ وكثير من المصدر تذكر بان في كل يوم كان (60) أشوريا يلاقي حتفه؛ وهنالك وقائع كثيرة مؤذية بتاريخ الإنسان الأشوري يصعب حصرها في اسطر قلائل هنا، وأضاف إلى ما تم من كسر وتدمير وتحطيم إرادة الأشوريين بقوة السلاح هناك ومن قتل ألاف الأشوريين في تركيا وإيران؛ وإضافة إلى ذلك تم قتل أيضا إلى جانبهم أكثر من مليوني ونصف مليون ارمني باعتبارهم مسيحيين كسواهم من الأشوريين المسيحيين في تركيا.
ولم ينتهي مسلسل الإبادة بحق الأشوريين؛ إذ تم قتل وإبادة جماعية مجددا وبما يزيد عن خمسمائة إلف أشوري وهذه المرة على يد قوات الجيش للمملكة العراقية عام 1933 في موقع مدينة (سميل) شمال العراق؛ وسميت تلك المذبحة بـ( بمذبحة سميل) بكون الجيش الملكي جمع الأشوريين بعد محاصرتهم في موقع هذه المدينة – وفق علم ودراية وخطة ومباركة بريطانية، وتم تنفيذ حكم الإعدام الجماعي رميا بالرصاص؛ دون تميز بين طفل وامرأة وشيخ ومقاتل وعاجز، لحين صدرت أوامر من ملك العراق آنذاك بوقف المذابح وقتل الأشوريين، حيث تمخضت عن هذه المذبحة الإجرامية إبادة جماعية لآلاف الأشوريين وهم عزل والتي حدثت في (السابع من اب عام 1933)عبر إصدار مرسوم ملكي أمر الجيش والشعب العراقي بسابقة خطيرة ليس لها مثيل في التاريخ المعاصر، بقتل جميع أشوري العراق ومصادرة ممتلكاتهم؛ فاتخذوا القوميين الأشوريين من هذا اليوم باعتباره ( يوم الشهيد الأشوري)، ليصادف ذكرى هذه الجريمة بحق شعب اعزل طالب بحقوقه وحقه في تقرير المصير على أراضي إبائهم وأجدادهم و حضارتهم الأشورية، فـ(مذبحة سميل) ستبقى رمزا تاريخيا لجميع شهداء الأمة الأشورية على مر العصور.
وعن هذا اليوم الخالد (يوم الشهيد الأشوري) الذي يتم تخليده كل عام يأتي من اجل بنيان الأمة وهويتها، ومن اجل إعلاء شانها وحاضرها ومستقبلها وتاريخها، ومن اجل ترسيخ هوية الأمة في ضمير الشعب الأشوري، لتكون طموحاته وقدرته وصموده ارسخ في مواجهة التحديات وسبيلا للوصول إلى أهداف الأمة في حق تقرير المصير والحرية؛ لان الأعداء ما يزالوا يتربصون بمقدرات الأمة ويشنون مؤامرات خبيثة باستهداف أي مشروع لنهضة الأشوريين؛ في وقت الذي تدرك الأمة مخاطر التي تواجهها والإرهاصات التي تمر عليها؛ كونها مشبعة بهواجس في كيفية إثبات وجودها وصون هويتها والدفاع بكل الوسائل المتاحة لإحداث تغيير في واقع الأمة؛ من اجل تفجير طاقاتها الوطنية و القومية لتحقيق أهدافها والخلاص من الاستعباد والاستبداد والهجرة والنزوح وعدم الاستقرار؛ بعد أن استوعبت الأمة الأشورية من صفحات الماضية دروسا قاسية ومريرة؛ تكون نافذة الاختزال كل الإرهاصات من اجل إحداث تغير نوعي في مسيرة نهضتها؛ لتكون قادرة على تحمل مسؤولياتها الوطنية والقومية؛ وهذا لا يأتي إلا عبر تنسيق الجهد والتعاون والتقارب وفق رؤية ثورية خارج اطر التقليدية والابتعاد عن الأنا النرجسية والمناكفات والسجال الغير المجدي بين أفراد الشعب وإطراف القيادات والساسة، لان طريق النضال والتضحية لا يتم إلا عبر تعبئة أبناء الأمة بمستلزمات الكفاح والنضال والتوافق والانخراط في صفوفها والتحدي؛ وكل وفق ظروفه وإمكانياته وقدراته وموقعه الاجتماعي والعلمي والثقافي؛ ليكون لهم أدوارا بناءة في ربط الفكر بمسألة التحرر والنهضة الوطنية والقومية لكي يتم التحرك الاجتماعي المطلوب على الأرض المواجهة وإيقاف نزيف الأمة، لان مرتكزات المشروع القومي لنهضة الأمة؛ من اللغة والثقافة لا أساس لها – رغم أهميتها – ما لم تقابلها شعور بالانتماء والتضحية والنضال وتسخيرها من اجل تعزيز هذه الروابط في نفوس أبناء الأمة من اجل بث التوعية باتجاه قضياهم المصيرية في حق الوجود وتقرير المصير؛ وهذا لا يتم ما لم يتم تزكية البعد القومي كمحور أساسي لكل ممارسات اليومية؛ سواء على مستوى الأنشطة الثقافية أو الاجتماعية أو السياسية أو أي نشاط أخر، لان لأي حراك جماهيري؛ مطلوب منه إن يتجه بتوجهات ثورية في إيقاظ الوعي القومي على كل أنشطة الحياة وتعبئة الحراك باتجاه قضياهم المصيرية، فان كانت الفترة ألتي تم تنفيذ اكبر جرائم الإبادة الجماعية بحق الأمة الأشورية وخاصة للفترة ما بين 1848 و1933 بكل إرهاصات المرحلة التي مرت على الأمة الأشورية إلا إن الأفكار القومي لاقت قبولا واسعا لدى أفراد الأمة ليتبنوا مشاريع الثوار والأحرار في الكفاح والنضال من اجل حق تقرير المصير؛ راسمين بذلك ملامح نهضتهم في تحريك قضيتهم في المحافل الدولية وفي نفس الوقت كشفوا كل أوراق وأساليب القمعية التي مارستها الدول الامبريالية والتي حاولوا قهر مقدرات الأمة في النهضة والتحرير من سلطة الأعداء وتحركاتهم القمعية ضد أرادة الشعب الأشوري فنفذ أبشع جرائم الإبادة بحقهم بغية مصادرة إرادتهم وحقوقهم؛ ولأكنهم فشلوا إمام صمود الشعب الأشوري؛ رغم تجاهل الأمم الحرة نداءات الشعب الذي رزخ تحت جرائم الإبادة الجماعية والقتل والذبح والنزوح والتشرد، لذلك اعتمد الشعب على قوته في صمود والكفاح ومواجهة الأعداء بكل شجاعة وبسالة وضربوا بصمودهم مثالا يحتذى في ظل ظروف دولية وعربية صعبة رغم فداحة الخسائر وعدد الشهداء التي قدمها الشعب الأشوري في تلك السنوات المرة وراحوا ضحية ضغوط استعمارية وتحالفات دولية أجهضت مطالبهم العادلة وخلقت في داخل الأمة – بعد أن تهاوت قوتهم عبر أجواء من انقسامات التي أدت إلى زعزعة تماسك الأمة وأمنها في المنطقة نتيجة تدخلات خارجية في شؤونها – فكان النتيجة في محصلتها الأخيرة مزيدا من إرهاصات و مزيدا من الإحداث الدموية بما يحسب لها وعليها؛ وكان أخرها ما حدث للأمة الأشورية بعد عام 2003 في العراق و سوريا من أحداث دموية أبشع قسوة من أحداث عام 1848 وأحداث أبان الحرب العالمة الأولى للفترة 1914 و 1918 و أحداث عام 1933 ليعاد سيناريو تلك الإحداث بعد مائة عام في العراق وسوريا حيث الاستهداف عن الهوية؛ فتم اكبر نزوح جماعي في التاريخ الأشوريين المعاصر؛ بعد أن تكالبت وتكاثفت عمليات القتل والخطف والتهديد وإجبارهم على النزوح والهجرة من قبل الإرهابيين ممن حمل أفكار تكفيرية متطرفة ضد الأشوريين المسيحيين؛ لتخلو اغلب محافظات العراق كانت ذات يوم عامرة بسكانها الأشوريين كما حدثت في بغداد والبصرة وديالى والانبار والعماره وبابل وكركوك وموصل؛ لتتوج جريمة (الإرهابيين) بعد أن اجتاحت دولتهم المسماة بـ(الدولة الإسلامية الداعشية) مدينة موصل وسهل نينوى ليتم ترحيل كل الأشوريين من المدينة وتم مصادرة ممتلكاتهم، ولم يكتفوا بذلك فحسب بل قاموا هؤلاء الإرهابيين بتجريف مقابرهم وكنائسهم ومواقع الآثار لحضارتهم الأشورية ودمروا اغلب تلك المواقع التي وقعت تحت سيطرتهم والتي ترجع إلى ما يزيد عن سبعة ألاف سنة، وهذه الجريمة تركت مضمونا عميقا للاحتقان الجماهير ليس على مستوى أبناء الأمة الأشورية فحسب بل على مستوى دول العالم والشعوب الحرة؛ رافضين الجرائم المتواصلة التي ترتكب ضد الأشوريين – أبناء العراق وسوريا الاصلاء – طول فترة تزيد عن قرن كامل دون حل؛ وهذا الرفض الجماهيري الأشوري والعربي والدولي، الشريف؛ وبكل طبقاتهم الاجتماعية والثقافية والسياسية لأساليب القمع والاضطهاد ولاستبداد ومصادرة الحريات والحقوق؛ شكلت نكسة حقيقة في وجود الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التي وقفت تتفرج على المشهد الأشوري ومأساتهم دون أن تبادر بفعل شيء لانقاد الشعب الأشوري، بقدر ما قاموا بزيادة معاناتهم معانات في وقت الذي كان من المفروض الوقوف إلى جانبهم وحمايتهم وتسليحهم من اجل الدفاع عن أنفسهم والمحافظة على ممتلكاتهم والبقاء والصمود في مواقع أراضيهم؛ ولكن جرت الرياح بغير ما تشتهي السفن؛ إذ تخلوا عنهم في ذروة محنتهم؛ وكما فعلوها إثناء الحرب الكونية الأولى وإحداث 1933 حين تخلو عن كل وعود التي وعدو الأشوريين بإقامة حكم ذاتي لهم في شمال العراق اثر دخلوهم كحلفاء مع المعسكر البريطاني والروسي، وتركوهم تحت رحمة رصاص الأعداء والإرهابيين، ليكون خيار الأشوريين في مدينة الموصل وسهل نينوى النزوح والهجرة إلى دول الجوار؛ لتطرح الأمم المتحدة ودول الغربية مبادرة لحملهم إلى توطينهم في دول الشتات بدلا من إقامة منطقة عازلة لهم تمنع أي تعرض لها في قلب مناطق وجودهم في سهل نينوى والمثلث الأشوري؛ ولكن لم يفعلوها كما لم يفعلوا بما وعدوا في إعقاب الحرب العالمية الأولى وما بعدها، ما مهدت أرضية خصبة للإرهابيين لتعزيز وجودهم في مناطق الأشوريين التي خلت من سكانها؛ في وقت الذي يطالب الأشوريين تامين مواقع تواجدهم الأصلية للعودة الآمنة إليها؛ ولكن لحد إعداد هذه النص لا يوجد أي مؤشر لعودة الأشوريين إلى مناطقهم وتعويضهم بما تم مصادرته وتدميره وحرقه من قبل الإرهابيين والسكان المحليين، ومع كل هذه المأساة وصفحات النزوح والهجرة وويلات التي ذاقها الأشوريين لم يركنوا إلى اليأس بل واصلوا مسيرة الكفاح والنضال وهم اشد إصرار وتمسكا بحقوقهم المشروعة في حق تقرير المصير ومتابعة نضالهم والعمل من اجل تحقيق حلم العودة والحكم الذاتي.
فاليوم إن يحتفل الأشوريين في كل بقاء المعمورة بـ(يوم الشهيد الأشوري) إنما يأتي من قيم الأصلة ورح الانتماء القومي الذي يعزز في نفوسهم؛ مجددين العهد بمواصلة مسيرتهم؛ مسيرة التي ضحوا بأنفسهم من اجل قضايا الأمة؛ فيواصلون العمل على توحيد و رص الصفوف من اجل النهوض القومي مطالبين الجماهير الأشورية والساسة والمفكرون والمثقفين لم شملهم وإظهار وحدتهم ليكون قادرين لقيادة الأمة نحو تحولات مستقبلية مشرقة ومشرفة بتاريخهم وتاريخ حضارتهم؛ وبكل ما يحمله الحاضر من تحديدات، ليتم رسم ملامح الفترة القادمة لتصحيح مسار الأمة يرفع من شانها وعزتها وبما يمكن الأمة من مواجهة التحديات وبانطلاق إيديولوجي ثوري من اجل مستقبل مشرقا للأمة وحريتها وأمنها وكرامتها رغم ما يواجه واقعها المعاصر من ظروف قاسية وصعبة مع قوى الإرهاب والتكفيريين وأدواتها في المنطقة.
فالحراك الأشوري يجب إن يكون حراكا اجتماعيا وسياسيا وثقافيا وبتنوع إيديولوجي؛ ليكون مثل هكذا تحالف مصدر للقوة وليس مصدر تشرذم وانقسام، ووفق هذا التعدد والتنوع يكون توزيع الأدوار كل وفقد قدراته؛ لان في التحالف والتنوع – حتما – ستكون خلفه رؤى مختلفة فكريا وايدولوجيا لرسم إبعاد النهضة من كل أوجهها وأبعادها بما يوسع البناء الداخلي ويحمل مسؤوليته التاريخية لمواجهة تحديات المرحلة ووقوف في وجه القوى المعادية، ليفهم انتماء الأمة لماضيها وحاضرها وفق هذا السياق لتدعيم الوجود القومي وصيانة هويته الحضارية، وهذه الصيانة لا تتم إلا بالتفاعل والحوار واحترام مواقع ومكانة الآخرين والسعي إلى بناء مرتكزات مشتركة مستمدة من ارض الواقع وتعبر عن هموم وآمال وآلام وطموحات ألأمة، ليتم بهذا المفهوم بلورة مفهوم جديد أكثر حداثة للهوية الأمة الأشورية في هذا العصر.
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن وجهة نظر الموقع