1. Home
  2. /
  3. اراء
  4. /
  5. مقالات
  6. /
  7. ثلاثة محاور في ذكرى...

ثلاثة محاور في ذكرى إستشهاد البطريرك مار بنيامين شمعون امير شهداء الأمة والكنيسـة (أذار 1918- أذار2025)

 

توطئة:

——

للحق أقول، كلما تمر ذكرى إستشهاد الشهيد التاريخي – المعاصر البطريرك مار بنيامين شمعون لا أجد في قمة أولويات أفكاري وإلتزاماتي القومية إلا أن أتذكر هذا الإستشهاد الأسطوري ببضعة كلمات، وهو أقل القليل الذي يمكن أن نقدمه لشهدائنا الخالدون لتاريخنا الغابر وأيضا المعاصر. فإستشهاد البطريرك مار بنيامين، ليس حالة فردية فقط، بل هي رمز بطولي أسطوري لجميع شهداء الأمة والكنيسة طيلة التاريخ المديد لأمتنا الآشورية ولكنيستنا المشرقية المقدسة. وللحق أقول أيضا، بأنني أنحني وأرفع قبعتي لكل أبناء أمتي الذين يشاركونني هذه المشاعر والأفكار بهذا الخصوص ويكتبون عن عظمة وأسطورية بطولة البطريرك مار بنيامين وإستشهاده. وبالنظر لكون ما كتب وقيل عن الشهيد غزير بالمعلومات المفصلة، فعندما أحاول أن أكتب بعض السطور عن هذه المناسبة أجد نفسي أحياناً بأنني أكرر ما كتب عن الموضوع، لذلك أتردد عن الكتابة تجنباً للتكرار الممل. ولكن من جانب آخر ينتابني نوع من شعور بالذنب في إغفال هذه المناسبة التاريخية. وحتى أحرر نفسي من هذا الذنب، أحاول البحث والتقصي عن ما هو جديد في هذا الموضوع. من هذا المنطلق كتبت هذه السطور محاولا طرحها وبشكل مختصر ومن زوايا متعددة وجوانب مختلفة للشهيد البطريرك وعبر ثلاثة محاور. وقد تكون غير مطروحة في السابق وبشكل مفصل، وهي: أولا:  نظام ناطر كرسي في الكنيسة. و ثانيا: علاقة البطريرك الشهيد بالجنرال أغا بطرس. و ثالثا: جريمة إغتيال الشهيد من قبل الكلب المسعور سمكو.

أولا: البطريرك الشهيد ونظام ناطر كرسي:

———————–

نظام ناطر كرسي، معروف بشكل واسع بين مؤمني كنيسة المشرق الآشورية وحتى الكنائس الأخرى ولا حاجة للتطرق إليه. لكن الذي نرغب فيه هو بيان تسنم البطريرك الشهيد سدة البطريركية في الكنيسة طبقا لهذا النظام ومن ثم رأيه وتوجاته نحوه بعد ذلك. كان عمه البطريرك مار روئيل شمعون مريضاً وطريح فراش الموت فقام في الخامس عشر من شهر آذار 1903 برسامة أبن أخيه مار بنيامين من درجة شماس إنجيلي إلى مطرابوليت ليصبح ناطر كرسي ومؤهلاً لإعتلاء سدة البطريركية بعد وفاة  عمه البطريرك حسب التقليد المتبع. أي أنه تم ترقية الشهيد من رتبة الشماس إلى رتبة المطربوليت من دون التدرج في الرتب الأخرى أو تم أختزالها في نفس المراسيم. وفي الثالث والعشرين من شهر آذار من نفس العام توفي البطريرك مار روئيل. وبعد بضعة أيام، وتحديداً في الثاني عشر من شهر نيسان،  وبحدود 20 يوما، تم تكليل مار بنيامين في كنيسة مار شليطا في قوجانس بطريركاً على كنيسة المشرق الآشورية ولم يكن عمره قد تجاوز الستة عشر عاماً. هناك نوع من الغموض والتجاهل في هذه المسألة، أو بالأحرى تتجنب الكنيسة عن التطرق إلى موضوع رسامة الشهيد كبطريرك للكنيسة خلفا لعمه البطريرك مار روئيل، وهو الحدث الذي شكل منعطفا حادا في حياة وسيرة البطريرك الشهيد من جهة وفي مصير كنيسة المشرق الآشورية من جهة أخرى.

فقبل رسامة مار بنيامين شمعون بأيام قليلة لكرسي البطريرك، وهناك إحتمال كبير وليس مؤكد، بأنه لم يكن منذوراً (إنقطاع الأم عن أكل اللحم أثناء فترة الحمل ثم بعد الولادة ينذر نفسه بالإمتناع عن أكل اللحم ليكون ناطر كرسي)، في الوقت الذي كان المطران مار أوراهام، من نفس العائلة وأبن القس يوسف شقيق السيد نمرود أفندي، عميد فرع العائلة الشمعونية، له الأرجحية بسبب درجته الكهنوتية العالية ومن المحتمل كان هو ناطر كرسي حسب التقليد المتبع في الكنيسة. ففي الوقت الذي كان نمرود أفندي والمطران أوراهم في الموصل يجتمعون مع البطريرك الكلداني مار عمانوئيل يوسف توما في الموصل، وبسبب التوجهات والميول الكاثوليكية للسيد نمرود أفندي ومار أورهام وعائلتهم وخوفاً من التحول إلى الكاثوليكية عند توليه كرسي البطريركية، تم وبعجالة رسامة مار بنيامين من درجة شماس إنجيلي إلى مطرابوليت ثم إلى البطريرك، أي بالطريقة التي تعرف في علم السياسة بـ “حرق المراحل” للوصول إلى الهدف المراد ومن دون إتباع الخطوات المتبعة أو المراحل المطلوبة. ثم جاء مقتل السيد نمرود أفندي ومعظم أفراد عائلته من قبل بعض المسلحين من القبائل الآشورية المستقلة وإختفاء المطران مار أوراهم في ظروف غامضة أودت بحياته، كلها عوامل تراجيدية مؤسفة أثرت في العائلة البطريركية وبالأخص في مار بنيامين الذي كان قد يكون وجد في نظام ناطر كرسي سببا للصراع داخل العائلة الواحدة وأدى ذلك إلى مأساة كبيرة للعائلة وللكنيسة والأمة أيضا. صحيح هو أنه كان لهذا الفعل، أي رسامة الشهيد مار بنيامين كبطريرك بدلا من مار أوراهم، نتائج مأساوية تراجيدية إلا أنه من جهة أخرى كان له مبرر لأن لولا رسامته كبطريرك بدلا من المطران مار أوراهم لكانت كنيسة المشرق قد أختفت وأندمجت مع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، أو أقل الإيمان لكان مصير الكنيسة إنشقاق آخر يزيد من مأساوية الإنشقاق السابق.

فمن المؤكد بأن هذا الحادث المأساوي كان له تأثير كبير ومباشر على البطريرك الشهيد في مسألة تولي كرسي البطريرك بحسب نظام ناطر كرسي، هذا ناهيك عن الظروف الموضوعية التي ظهر في تلك الفترة من أنفتاح على العالم الخارجي وبداية إنتشار الأفكار الحديثة فيما يخص الحداثة والتطور في المجال الفكري والثقافي وإنتشار مفاهيم جديد في المنطقة فيما يخص الفكر القومي وتحرر الشعوب والسعي نحو الإستقلال من المظالم والتخلص من المأساة التي فرضت على الشعوب الصغير الخاضعة للأمبراطورية العثمانية والفارسية. وهي الظروف التي من المؤكد كان لها تأثير مباشر على البطريرك الشهيد ليضع كنيسته وأمته في المقام الأول من إهتماماته. فكل هذه الظروف الموضوعية والفكرية التي أكدت الإنفتاح الفكري للبطريرك الشهيد نحو مستقبل كنيسته وأمته، أثرت عليه فأبدى رغبة شديد لإلغاء نظام ناطر كرسي في الكنيسة.

ففي موسوعة بطاركة الشرق – تاريخ وحضور، إعداد جان دارك أبي ياغي، منشورات تيلي لوميار، بيروت – لبنان، 2019، جاء ما يلي عن البطريرك الشهيد: “… زاد البطريرك من تعليمه اللاهوتي والكنسي ومن الإطلاع على العلاقات الدولية وبما كان يتطلبه موقعه من مسؤوليات في ذلك الظرف الصعب الذي مرت به الكنيسة وشعبها والمنطقة جميعاً… أمتازت شخصيته بالمحبة والتواضع ونكران الذات، قوبل بالإحترام والإكرام من أبناء شعبه ومن مختلف الكنائس والحكومات….. توجه نحو إعتماد الكفاءة في إختيار المسؤوليات الأسقفية، وبذلك كان يهيْ لإلغاء التوريث لزوال مبرراته …. ففرضت عليه ظروف ما قبل الحرب العالمية الأولى وخلالها ومذابح الإبادة التي أعلنها الأتراك ضد المسيحيين أن يتولى القيادة السياسية لشعبه وأن يتعامل مع أمور ومواقف سياسية وعسكرية” ص178.. وعلى نفس المنوال، يؤكد الكاتب المعروف يوول وردا في كتابه المعنون:

(The Flickering of Light of Asia – The Assyrian Nation and Church) الذي طبع عام 1924 وأعيد طبعه عام 1990 في شيكاغو، والذي عاش معاناة تلك الفترة بالقول بأن البطريرك الشهيد منع أحد أبناء أخيه من أن يكرس وأن يكون ورثياً له، لا بل كانت رغبته بأن يكون البطريرك مختاراً من قبل الرعية ومعيناً من قبل الكنيسة، ليس هذا فحسب بل كانت رغبته أيضا أن يكون إختيار المطارنة والأساقفة من قبل أبناء الكنيسة وليس عن طريق الوراثة. ص 138. غير أن الظروف الماحقة التي مرة على الآشوريين أثناء الحرب الكونية الأولى ومن ثم إستشهاد البطريرك جعل أمر التخلي عن هذا النظام العتيد صعباً وغير ممكناً في مثل تلك الظروف ومن ثم اللجوء إلى نظام جديد في إختيار البطريرك. لذلك عندما أنتقل أمير الشهداء إلى عالم الخلود لم يكن هناك أي شخص آشـوري، سواء الذين خلفوه في كرسي البطريركية أو في قيادة  الأمة يستطيع أن يحل مكانه ويجمع أبناء الشعب تحت قيادة موحدة. كان وبحق آخر قائد آشوري كنسي وقومي قادر على جمع شمل الآشوريين وأبناء طائفته تحت لواء قيادته التي لم تكن في يوم من الأيام قيادة منفردة أو متسلطة. فقد عرف عنه بأن معظم القرارات التي أتخذها تمت بعد التشاور والتباحث مع زعماء العشائر “ماليك”،  الذين كانوا يشاركونه في مجلسه باعتبارهم أعضاء في المجلس القيادي للأمة. من هذا المنطلق يقول المؤرخ الكبير الشماس كوركيس بنيامين أشيتا في كتابه ( رؤساء الآشوريين في القرن العشرين) المكتوب باللغة الآشورية “بأنه لو لم يكن الآشوريون قد فقدوا مار بنياميــن في تلك الفترة لربما كانت مسيرة تاريخ أمتنا قد تطورت بشكل آخر، ومن دون أدنى شك كانت ستكون بشكل احسن مما هو عليه الآن لأنه بالتأكيد ما كان يسمح للانتهازيين أن يلعبوا لعبتهــم كما فعلوا بعد الحرب العالمية الأولى وكما يفعلون اليوم” (ص25).

لهذا نرى بأن فترة توليه كرسي البطريركية وحتى إستشهاده لم يكن له ناطر كرسي من نفس العائلة، وأيضا لم يكن لأخيه مار بولس الذي تولى كرسي البطريريك عام 1918 بعد إستشهاد أخيه مار بنيامين ناطر كرسي ولا للبطريرك مار شمعون إيشاي الذي تولى كرسي البطريركية عام 1920 بعد وفاة عمه البطريرك مار بولس. فلم يكن لكليهما ناطر كرسي ومن المحتمل بأنهما لم يكونا منذورين. وحتى بالنسبة لتكريس مار شمعون إيشاي كبطريرك للكنيسة في عام 1920 في مخيم بعقوبة، كان هناك رفضا شديداً من قبل عائلته وخاصة والدته السيدة أستر، وطالبوا وبشدة أن يتم إختيار البطريرك من غير عائلتهم. غير أن العقلية العشائرية التي كانت تتحكم في المجتمع الآشوري من جهة وظروف التهجير والتشرد في مخيم بعقوبة من جهة أخرى، كانت عوامل فاعلة وإجبارية في إستمرار إختيار البطريرك من نفس العائلة.

وهذا يؤكد وبشكل قاطع رغبة الكنيسة في التخلي عن نظام ناطر كرسي  وبشكل فعلي وإن لم يكن بشكل رسمي، ولكن أستمر في نفس العائلة حتى وفاة البطريرك مار شمعون إيشاي عام 1975 وذلك بسبب الظروف المأساوية التي مرت بها الكنيسة والأمة منذ عام 1918 التي لم يكن بالإمكان إقرار وتعيين بطريرك من خارج العائلة. فأستمر إنتقال الكرسي البطريركي في نفس العائلة طبقا لنظام ناطر كرسي وذلك ضماناً لإستمرار الكنيسة والأمة في أحلك الظروف وأقساها حتى عام 1975. وقد قيل عن لسان مار شمعون إيشاي بأنه بعض أساقفة الكنيسة تقدموا إليه وطلبوا منه تعيين ناطر كرسي لهم غير أنه رفض طلبهم مؤكداً زوال أسباب هذا النظام وعلى الكنيسة إعتماد الأساليب العصرية في إختيار الأساقفة من قبل المجمع السنهادوسي وليس عن طريق نظام ناطر كرسي. وتأكيدا على أبطال هذا النظام في الكنيسة، فمن المعروف بأن الشماس باول بيت مطران كان ناطر كرسي لعمه القديس مار يوسف خنانيشو مطربوليت العراق غير أنه، كشخص مثقف وحضاري ومتعلم يحب كنيسته وأمته الآشورية ومعروف لي شخصياً، رفض أن يتولى كرسي المطرانية بعد إنتقال عمه إلى الأخدار السماوية لأنه كان يعرف جيداً بأن نظام ناطر كرسي هو من مقتنيات التاريخ ولا يتلائم مع العصر الحالي. فجاء إختيار مار كوركيس الثالث صليو مطرانا للعراق من دون نظام ناطر كرسي ومن خارج عائلة أبونا البطريركية، وهو أول بطريرك يختار من أبناء أحدى العشائر الآشورية المستقلة. كل هذا يؤكد بأن هذا النظام كان قد إلغي في عهد البطريرك الشهيد إلا أنه بسبب ظروف موضوعية ماحقة لم تتاح للكنيسة الفرصة لتطبيقه إلا بعد إستقرار الأوضاع وإختيار قداسة البطريرك مار دنخا الرابع، رحمه الله، لسدة البطريركية عام 1975.

ثانيا: علاقة البطريرك الشهيد بالجنرال أغا بطرس:

—————————-

الميزة الفريدة والعظيمة التي تميز بها البطريرك الشهيد، هي أعطاء أهمية قصوى للمسائل القومية والإهتمام بها وربما أكثر مما كان مع المسائل الكنسية والدينية. وذلك ليس بسبب كونه بطريركا فحسب بل لكونه قائدا للأمة الآشورية أيضا. فكان مدركا كل الإدراك بالعلاقة العضوية التي تربط بين كنيسته المشرقية وأمته الآشورية. وقمة هذه الميزة الفريد للبطريرك الشهيد كانت تتمثل في قدرته على إدراك الظروف الموضوعية لفهم هذه العلاقة العضوية وتقدير كل جانب من جابنها الكنسي والقومي وبالتالي تقييم أهمية هذا الجانب على الآخر ضمن ظروف معينة ومن دون الإخلال بموازين الترابط العضوي بين الجانبين الكنسي والقومي. وبعبارة أوضح، كانت المسائل القومية وفي ظروف معينة يستوجبها الوقوف إلى جانبها عابرا لكل الفوارق الطائفية التي أنتشرت في تلك الفترة بين أبناء أمته الآشورية، والذي أصبح بحق وحقيقة زعيماً قومياً مثلما كان زعيماً كنسياً. وهو الأمر الذي جعل معظم رواد الفكر القومي الآشوري والمثقفين القوميين الآشوريين المنتمين إلى الكنائس الأخرى، الكاثوليكية والبروتستانتية والأرثوذكسية، خاصة في منطقة أورمي أن يجدوا فيه قائدهم القومي للحركة القومية الآشورية الناشئة ومن بينهم الجنرال أغا بطرس.

لقد عرف عن مار بنيامين بحساسية شديدة ومفرطة تجاه المبشرين من الكنائس الغربية الكاثوليكية والبروتستانتية، وهي مسألة طبيعية لرجل مسؤول يتربع على كرسي البطريركية. فكان يشاهد بألم ويتحسس بمرارة نهش المبشرين أوصال كنيسته ورعيته الصغيرة من دون أن يستطيع عمل شيء أو يوقف نشاطهم الذي تطاول حتى بيت البطريرك نفسه خاصة عندما أعتنق أبناء عمومته وعلى رأسهم نمرود أفندي وأبنه أخيه مار أوراهم المذهب الكاثوليكي. ولكن مع كل هذا، كان للعامل القومي لديه اعتباراً أساسياً وفوق جميع الاعتبارات عندما تكون المسألة متعلقة بتقرير مصير شعبه. من هذا المنطلق لم تمنع كاثوليكية أغا بطرس من أن يجعله قائداً عسكرياً مقرباً إليه يعتمده في معظم مهماته القومية والعسكرية وأن يكون له مكانة متميزة عنده. أو كما يقول الكاتب يول وردا في كتابه أعلاه بأن أغا بطرس وقف خلف البطريرك في جميع الأوقات والمعارك، فكان وبإتفاق عام معروفا كمارشال للقوات الآشورية. ص.100 وما بعدها. فكان أغا بطرس أخلص الرجال للبطريرك الشهيد مار بنيامين وأقربهم إليه وكان يعتمده في معظم الحملات العسكرية والحروب التي قادها آغا بطرس ضد القوات العثمانية والفارسية والعشائر الكردية المعادية ولم يبين أي معاداة أو مخالفة للبطريرك الشهيد ولا لعائلته. فكان يوقع رسائله المرسلة إلى البطريرك دائما بعبارة “مطيع البطريرك مار شمعون”. وحتى بعد إستشهاد البطريرك، أستمرت علاقة الجنرال أغا بطرس حميمة مع البطريرك الذي خلف الشهيد ومع العائلة البطريركية ولم يدعو إلى قيادة منفردة عن توجهات العائلة البطريركية ولا حاول القيام بمشاريع قومية متعارضة مع تطلعات البطريرك وعائلته ولا إلى إنتزاع القيادة القومية من البطريرك أو عائلته.

غير أن عوامل عديد تدخلت في طبيعة هذه العلاقة الحميمة التي كانت قائمة بين الشهيد والجنرال وبدأت تتحول إلى نوع من التناقض والتعارض بين أغا بطرس والعائلة البطريركية، منها: (1) كان إستشهاد البطريرك مار بنيامين وغيابه عن الساحة القومية عاملا مؤثراً جداً ليس على المستوى الشخصي لأغا بطرس بل على مستوى الأمة والكنيسة كلها. فغياب البطريرك الشهيد كقائد فذ مقبولا ومدعوما من جميع أبناء الأمة والكنيسة وفي ظروف عصيبة ومأساوية خلفتها الحرب الكونية الأولى لم يكن بالإمكان ظهور أو إيجاد قائد يحل محله، غير ظهور أغا بطرس على السطح السياسي القومي الآشوري وهو الأمر الذي لم ترتاح له العائلة البطريركية ومن خلفها الإنكليز. (2) كان إختيار مار بولس، الشقيق الأصغر للبطريك الشهيد، عام 1918 كبطريرك قد جاء ضمن ظروف من التشرد والضياع والذي لم يكن متهيئا بذلك المستوى الفكري والقيادي مثلما كان شقيقه الشهيد. لهذا السبب برزت العائلة البطريركية، خاصة عمته سورمه خانم على مستوى القيادة أكثر فأكثر وأن تتولى شؤون الكنيسة والأمة ومدعومة من الإنكليز، وهي شخصية لم تكن في وفاق ووئام مع إغا بطرس. (3) تعاظم دور الإنكليز في العراق وإزدياد تأثيرهم المباشر والفاعل على الآشوريين خاصة بعد الحرب الكونية الأولى. فكان وضعهم المأساوي في مخيم بعقوبة وما أعقب ذلك من عدم الإستقرار والتشرد والضياع كلها عوامل ساعدت الإنكليز على إستغلالها لتحقيق مشاريعها في العراق. فكان الإنكليز يجدون في إغا بطرس عامل خطير في إعاقة مشاريعهم السياسية في العراق وضمان إستمرار هيمنتهم على العائلة البطريركية وتحديدا على سورمه خانم التي أصبح لها قرار الأمر والنهي في شؤون الآشوريين خاصة بعد إختيار مار شمعون إيشاي كبطريرك للكنيسة وهو طفل لم يتجاوز الثانية عشر من عمره. (4) ولأجل تحقيق الإنكليز مآربهم وإزاحة إغا بطرس من قيادة الساحة القومية الآشورية وتضخيم الجفاء والعداء بينه وبين العائلة البطريركية، بدأوا ببث ونشر دعايات عنه للإساءة إلى سمعته مستغلين خلفيته الشخصية وإنتماءه الكاثوليكي وذلك عن طريق حبك قصص كاذبة وملفقة عنه لغرض أزاحته من المكانة المرموقة التي أحتلها عند الآشوريين. فالأرشيف الروسي يشير إلى “أن أول ذكر لأسم أغا بطرس يعود إلى عام 1909 في برقية بعثها مستشار الأمبراطور الروسي إلى وزارة الخارجية بتاريخ 30 من شهر مايس من نفس العام يذكر فيها بأن السلطات البريطانية عرضت مكافاة عن كل من يدلي بمعلومات عن أغا بطرس والذي أعتبرته شخصا مطلوبا لمحاكمته بسبب إختلاسه المستمر وأنه رجل زائف جدا وعميل لتركيا في أورمي وأنه دائم الإختلاس وله تأثير قوي على القنصل التركي العام في تبريز” ويتابع مستشار الأمبراطور الروسي قوله في برقيته “أني أعتقد   بأن – العميل التركي – في أورمي طالما هو مختلس ومطلوب من السلطات البريطانية، عليه يجب العمل لمغادرته أورمي. المرجع :

MELTHA – The Word, Proceedings of the Assyrian Public & Political Bulletin, Moscow, Russia, issues No. 1-10, 1994 until 2000, P. 89.

وفي السنوات اللاحقة لإستشهاد البطريرك وبروز قيادة أغا بطرس على السطح السياسي، تعاظمت الإشاعات البريطانية المغرضة ضد أغا بطرس فبدأوا بإشاعة بأنه “أـبن الأرملة”، كما كانوا ينعتوه، ويروجون عنه بأنه لا ينتمي إلى طبقة أو فئة زعماء العشائر “ماليك” وأن غرضه الأساسي هو أزاحة البطريرك وعائلته من زعامة الأمة لكي يحتل هو مكانتهم. ولغرض التخلص منه، تمكن البريطانيون من إستغلال الطموحات القومية لأغا بطرس فشجعوه وسانده بالمال والسلاح لحملة تنظيم قوات آشورية والزحف نحو الشمال لإستراجاع الأراضي الأشورية في أورمي وحيكاري. وهي الحملة التي كانت بوادر فشلها بادية منذ البداية، فوقع أغا بطرس في فخها والتي كانت نتيجتها إلقاء لوم الفشل على أغا بطرس وبالتالي التخلص منه عن طريق نفيه إلى فرنسا.

فلو نظرنا، نظرة موضوعية وحقيقية، إلى تاريخ علاقة أغا بطرس بكنيسة المشرق الآشورية، نرى بأنه بالرغم من كاثوليكيتة والإشاعات البريطانية المغرضة ضده وجفاء علاقته مع العائلة البطريركية، فأنه بقى أغا بطرس وفياً ومخلصا لبطريرك الكنيسة وللعائلة البطريركية حتى بعد إستشهاد البطريرك مار بنيامين. فلم يعارضها أو وقف بالضد منها. ففي كل محاولات البطريرك مار شمعون إيشاي للمطالبة بالحقوق القومية الآشورية، عبر أغا بطرس عن إستعداده للمساعدة وهو في المنفى. وأثناء تصاعد وتائر الحركة القومية في العراق في الثلث الأول من القرن العشرين وإصطدامها بالسياسة البريطانية والعراقية، أبدى أغا بطرس رغبة جامحة للرجوع إلى العراق والوقوف إلى جانب أخوته في النضال القومي. ففي المنفى، كانت فرنسا بمثابة سجن كبير له يعيق نضاله القومي ويبعده عن ساحة المعركة الذي كان بطلها الحقيقي. لهذا لم يهدأ للسكينة والراحة خاصة بعد انكشاف نوايا الإنكليز في منح العراق الاستقلال السياسي عام 1932 وتهيئته لاكتساب عضوية عصبة الأمم من دون إيجاد حل منصف للمسألة الآشورية أو تقييد الحكومة العراقية بقيود وقوانين أو إلزامها بحماية الأقليات ومنهم الآشوريين. لذلك حاول جنرال الأمة جلً جهده العودة إلى بيت نهرين واللحاق برفاق النضال القومي للحركة القومية الآشورية التي كانت قد بدأ بوادرها بالتبلور وتصاعد عنفوانها من جهة، وزيادة سعير حقد النخبة العراقية الحاكمة للانتقام من الآشوريين وسحق مطالبهم بالطرق العسكرية الفاشية من جهة أخرى.

أدرك الإنكليز والنخبة العراقية الحاكمة جدية وخطورة وجود أغا بطرس على أرض العراق  وبين الآشوريين في تلك الفترة الحرجة وما سيكون له من تأثير في تنظيم أو توجيه وقيادة الحركة بالشكل الذي قد يؤثر على مشاريع بريطانيا في العراق. وقد تجلى خوف وخشية بريطانيا من أغا بطرس في رفض القنصلية البريطانية في مدينة بوردو الفرنسية منح الفيزا والسماح له بالعودة إلى العراق. وعندما أحس الإنكليز والحكومة العراقية إصرار أغا بطرس وبكل السبل والطرق للعودة إلى بيت نهرين واللحاق بالحركة القومية الآشورية المتصاعدة، حاولوا اللجوء إلى أبخس الوسائل وأرذلها لمنعه من ذلك. فعندما أنهار جنرال الأمة في شارع عام بوسط مدينة تولوز الفرنسية في الثاني من شباط من عام 1932، وهو عائدا من القنصلية البريطانية، ومات وبشكل مفاجئ من دون وجود أعراض مرضية مسبقة وضمن ظروف غامضة ومثيرة للتساؤل عن سبب وفاته في هذه الفترة الحرجة والحساسة. عندذاك توجت أصابع الاتهام إلى الحكومة العراقية والإنكليز وبعض أعوانهم من الآشوريين لتقول بأنه تم تدبير أمر تسميمه وقتله بهدف إسكات صوته ومحو صورته من التاريخ القومي الآشوري ومن قلوب الآشوريين والتخلص منه في مرحلة وصلت ذروة المؤامرة في تقليص وسحق تأثير الوجود الآشوري في العراق إلى مراحلها التنفيذية النهائية. وهذا ما تم تنفيذه فعلاً في عام 1933 في مذبحة  سميل وما أعقبها من مأساة سياسية واجتماعية واقتصادية أثرت بشكل عميق على مسار تطور الحركة القومية الآشورية وأفرزت نتائج سلبية على المجتمع الآشوري وتواصلت لفترات لاحقة. وأخيرا، نقول حقاً بأنه من المؤسف أن تترسب بعض السياسات البريطانية اللئيمة تجاه زعماء الأمة الآشورية، أمثال جنرال الأمة أغا بطرس والمفكر الشهيد فريدون أتورايا، تترسب في عقلية وسلوكيات بعض رجال الدين والعشائريين في بناء أفكارهم ومواقفهم السلبية تجاه هؤلاء الشهداء الأبطال.

ثالثا: ما وراء أغتيال الشهيد البطريرك مار بنيامين:

—————————-

تراجيديا إغتيال البطريرك الشهيد، معروفة ومفصلة في الكثير من الكتب والبحوث وأبحر الكثير من كتابنا الأفاضل ومثقفي امتنا والمنصفين لكلمة الحق في موضوع إغتيال البطريرك من قبل المجرم والكلب المسعور سمكو الشيكاكي عام 1918. لكن الذي نرغب فيه هنا، وبهذه المناسبة أن نستكشف لغز أو بالأحرى، أكثر من لغز في هذا الموضوع. وقبل هذا، نطرح المثال التالي: عند إغتيال أي شخص ما، أول التحقيقات في معرفة المجرم هو البحث عن المستفيد من إغتيال وإختفاء هذا الشخص من الوجود. وهكذا الأمر في موضوع إغتيال البطريرك الشهيد. فمن الضروري أن نعرف من كان المستفيد من إغتياله والتخلص منه. ليس بالأمر الصعب أن نقول بأن الأتراك العثمانيين والفرس الإيرانيين وبعض القبائل الكردية كانوا المستفيدين من إغتيال البطريرك، والأكثر المستفيدين منهم كانوا الإنكليز. فعلم الرغم من كون هؤلاء جميعاً مستفيدون من التخلص من البطريرك الشهيد، إلا أن طبيعة أو نوعية الإستفادة هذه تختلف من جهة إلى أخرى وكذلك تختلف الأسباب الكامنة من وراء إغتيال البطريرك. فإذا كان إصرار البطريرك الشهيد على مطالبته بحقوق شعبه القومية والكنسية وإستقلالية قراراته في ضمان الأمن والسلام لأبناء  شعبه والتي كانت في تعارض وتصادم مع السياسات الإستبدادية للنظام العثماني والفارسي ومع أذنابهم من بعض العشائر الكردية المتطرفة، فأن الأمر كان يختلف كليا مع السياسة البريطانية في تلك المنطقة.

ولكن مع الإختلاف في هذا الأمر إلا أنه كانت المصالح الفارسية والتركية والكردية والإنكليزية كلها قد التقت واجتمعت في نقطة واحدة، وهي لا يمكن كسر شوكة الآشوريين وسحق صمودهم وإصرارهم على استرجاع حقوقهم المفقودة إلا بالقضاء على زعيمهم مار بنيامين والتخلص منه خاصة بعد أن فشلت المحاولات الأخرى في إغراء الشهيد بوعود وإمتيازات كاذبة لإلقاء السلاح والتنازل عن مطالبه القومية. أدرك الشهيد مار بنيامين منذ البداية بأنه قائد شعب صغير لا حولة له ولا قوة، يعيش في مناطق عاصية محاطة بالشعوب المعادية المتعصبة دينياً وقومياً إضافة إلى كونه شعب لا يرتبط لا عقائدياً، أقصد كنسياً كالكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس، ولا قومياً بالشعوب والدول الأخرى لكي تساعده وتستجيب لحمايته عند تعرضه للاعتداء. لهذا الأسباب وبفعل ذكائه وفطنته السياسية، وجد في العامل الموضوعي الجيوبولوتيكي سبباً رئيسياً للتحالف مع روسيا باعتبارها أقرب الدول العظمى التي يمكن أن توفر المساعدة والحماية للشعب الآشوري في المنطقة بإعتبارها الساحة الخلفية لخلاص الآشوريين. في حين كان يؤمن بأن الدول الأوروبية الأخرى البعيدة كبريطانيا وفرنسا فإنها بمجرد أن تحقيق مصالحها الخاصة في المنطقة سوف تترك الآشوريين يلاقون مصيرهم المحتوك. وهذا ما حدث فعلا في العراق وفي الجزيرة السورية.

ومن الملاحظ بأن هذا العامل الموضوعي الجغرافي في التحالف مع روسيا تتبين أهميته من خلال عدم تأثره بالمبادئ السياسية والفكرية الشيوعية للثورة البلشفية في روسيا، خاصة عندما ندرك بأن مار بنيامين أستمر التراسل مع لينين زعيم الثورة البلشفية في روسيا في أكتوبر عام 1917 وبقية زعماء وقادة الروس البلاشفة من أجل ضمان التحالف معها ضد العدو المشترك. وهو الأمر الذي كان يثير مخاوف الأعداء الفرس والأتراك وبعض القبائل الكردية المتطرفة. وكانت بريطانيا أكثر المتخوفين من سياسة تقارب الآشوريين مع الروس لأن ذلك سوف يحبط سياستها في إستغلال الآشوريين لتحقيق مصالحها في المنطقة. وهنا من الجدير بالذكر بأن علاقة الشهيد البطريرك بالمفكر الشهيد فريد أتوريا ليست كما ترويها بعض الجهات المعادية للبطريرك والمفكر. بل هناك دلائل ووثائق محفوظة في الآرشيف الروسي تؤكد توافق تطلعات كلا الشهيدين في المسائل القومية والسياسية. وحتى الرسالة التي نشرت بأسم البطريرك الشهيد في إدانة الآشوريين الذين نشروا “بيان أورمي او مانفيستو أورمي” – كانوا فريدون آتورايا و بنيامين أرسانس وبابا فيرهاد –  في إقامة كيان أشوري مستقل في مناطقهم التاريخية تبين فيما بعد بأن البطريرك الشهيد لم يكن علما بها، بل الإحتمال الكبير كانت مزورة وأستخدم ختم البطريرك عليها. وأيضا تأكد فيما بعد بأن الرسالة التي عنونت بأسم الشهيد فريدون آتورايا إلى السلطات البريطانية طالباً مساعدتها لإقامة كيان آشوري مستقل والتي وصلت إلى  أيادي الإستخبارات السوفياتية الشيوعية، والتي كانت سبباٌ لإعدامه من قبل السلطات الستالينية بتهمة التجسس لصالح بريطانيا، تأكد فيما بعد بأنها كان من تدبير بعض الآشوريين من أعوان الإنكليز، وأسمائهم مذكورة في الآرشيف الروسي، ونتحفظ ذكرنا لعدم وجود الضرورة لها.

كل هذه المسائل السياسية والجيوبولتيكية للبطريرك الشهيد نحو تحالفه مع روسيا، كانت بالنسبة لبريطانيا مصدرا خطيرا في إرباك استراتجيتها في المنطقة، لذلك أصبح موضوع التخلص من البطريرك الشهيد أمرا ضروريا. فوجدت السلطات البريطانية في الجاسوس الكابتن جورج كريسي من المخابرات البريطانية مفكراً ومخططاً لرسم خطة التخلص من البطريرك الشهيد وفي الكلب المسعور سمكو أداة طيعة لتحقيق هذا الهدف. تصف مسز كيت براون، زوجة القس المبشر دبليو إتش براون من بعثة أساقفة كانتربري الإنكليكانية، سمكو، بقولها: “أن سمكو هو عبدي وينفذ ما أمره به، وهو معني أكثر بالنهب على الطرق الكبيرة، وليس في رأس هذا المتوحش أفكارا أخرى” (ذكر في الكتاب المعنون (عند منابع دجلة مع الآشوريين والأكراد، تأليف: سي. فيغين، ترجمة: د. محمد البندر – رحمة الله – من منشورات دار سركون للنشر، سودرتاليا، السويد، 2003، ص. 192). أما بالنسبة للكابتن البريطاني كريسي من المخابرات البريطانية، فهو معروف بسجله الأسود تجاه الآشوريين والوعود الكاذبة التي منحها لهم والمأساة التي حلت بهم من جراء إجرامه بحق الآشوريين ودوره في التخطيط لإغتيال البطريرك الشهيد وما أعقبها من فواجع وتشريد ومجاعات وأمراض فتاكة أثرت تأثيرا عميقا في نفسية الآشوريين وترتبت عليها نتائج وخيمة على الحركة القومية الآشورية وعلى مصالحهم القومية في موطنهم التاريخي.

وتمثل دور الجاسوس غريسي في إستمرار حث وتشجيع البطريرك الشهيد لتلبية دعوة الكلب المسعور سمكو للقاء به، حيث يذكر البطريرك الأسبق مار شمعون إيشاي – رحمة الله – في تقريره المقدم لمؤتمر الأمن الدولي المنعقد في سان فرانسيسكو بتاريخ 7 مايس عام 1945، بأن الجاسوس كابتن غريسي لعب دورا رئيسياً في الإصرار على البطريرك الشهيد للقاء المجرم سمكو وإقناعه لقبول دعوته للإجتماع به (ص 3). لأن إزاحة الشهيد من القيادة الآشورية أمر مهم لمصلحة بريطانيا بعد أن وجدت في رغبة الشهيد التحالف والتقارب مع روسيا. والأكثر من هذا، يذكر المفكر الكبير ديفيد بيرلي بهذا الخصوص بأنه قرأ تقرير خطير لآشوري من الطائفة السريانية الأرثوذكسية “آشوري يعقوبي” الذي كان يعمل مع البريطانيين منذ عام 1915، يذكر فيه بأن ضابط بريطاني قال لسمكو “أنظر يا سمكو، مار شمعون، ويقصد ما رنيامين، يجب أن يموت وعليك قتله… وتابع قوله، فهذا من مصلحتك وإلا فهو سوف يستغل الفرصة للتخلص منك” (ذكر في الكتاب أدناه).

David B. Perley, A collection of Writings on Assyrians, Edited by Tomas Beth-Abdallah, Nineveh Press, Netherlands, 2016, p. 410.

ولا نعرف من كان هذا الضابط البريطاني غريسي أم غيره، فأسمه لم يذكر ربما بسبب السرية القصوى للتقرير.

هناك تفصيل كثيرة عن هذه المواضيع في كتابنا المعنون (أخطاء شائعة في التاريخ الآشوري) الذي سينشره النادي الثقافي الآشوري في عنكاوه – أربائيلو أثناء الإحتفالات بعيد رأس السنة الآشورية القادمة في نيسان 2025. فترقبوه

على العموم، ونحن في خاتمة موضوع إستشهاد البطريرك مار بينامين، نود أن نذكر بعض الألغاز في هذه المسألة المهمة والمؤثرةعلى الجميع وتثير حولها الكثير من الشكوك، منها:

أولا: كان الجنرال أغا بطرس، كما سبق وأن ذكرنا الضراع القوي الضارب للبطريرك ويقف معه في كل معاركه ونضاله. كان له شكوك حول نية المجرم سمكو من لقاء البطريرك، ويقال بأنه طلب من البطريرك الشهيد تجاهل دعوة المجرم وعدم الذهاب للقاء به. هنا هو التسائل واللغز، لماذا لم يرافق أغا بطرس البطريرك الشهيد وهو القائد الفذ والمقرب له… هل الإنكليز كانوا، وعلى رأسهم الجاسوس غريسي، يعتقدون بأن خطة إغتيال البطريرك ستفشل إذا رافقه أغا بطرس من خلال توفير الحماية له وإنقاذه.

ثانيا: رافق البطريرك الشهيد في مهمته للقاء المجرم سمكو 150 مقال آشوري وعلى رأسهم قائدان من حاشية العائلة البطريركية وهما شقيق البطريرك داود أفندي، قائد القوات الآشورية، ودانيال ماليك إسماعيل من زعماء عشيرة تياري العليا والمرافق الشخصي للبطريرك. وتذكر التقارير بأنه أثناء العملية الغادرة لإغتيال البطريرك قُتل جميع المرافقين للشهيد غير أن ستة أشخاص فقط نجوا من عملية الإغتيال ومن بينهم داود أفندي ودانيال ماليك إسماعيل الذان تمكنا من الخلاص لتبليغ خبر الفاجعة للآشوريين وللعائلة البطريركية. السؤال المحير واللغز هو كيف أستطاع كلا القائدين داود أفندي والمرافق دانيال ومن بين 150 مقابل آشوري من النجاة وتجنب إطلاق النار الكثيف من الأكراد وهما كقائدان للبطريك كانوا بجانبه أو بالقرب منه ولكن تمكنوا من النجاة في حين أصيبت رصاصات الغدر البطريرك؟

ثالثا: تذكر التقارير بأن الأكراد من زمرة الكلب المسعور سمكو مثلوا بحثت البطريرك وحتى أنهم قطعوا أصبع يده لأخذ محبس البطريركية وتركت جثته في العراء لحين تمكن الآشوريين بعد دحر قوات المجرم سمكو والوصول إلى مكان الاغتيال في منطقة كونشهر من إنتشال جثة الشهيد ودفنه في كنيسة أرمنية في المنطقة. السؤال المحير واللغز، هو بأنه لحد هذا اليوم ومنذ فترة طويلة لم يتمكن الآشوريون من معرفة مكان دفن الشهيد. أليس هذا أمرا مثيراً للتسائل في الوقت الذين دفن الشهيد من قبل الآشوريين ويقال بأن دانيال ماليك إسماعيل لعب دوراً في إنتشال جثة البطريرك ودفنها في الكنيسة الأرمنية. أرجو المعذرة من القراء الكرام بأن يسمحوا لي أن أستخدم نظرية المؤامرة في هذا الصدد وأقول بأن هناك أيادي خبيثة لعبت دورا في إخفاء جثة الشهيد لكي لا يكون مكان دفنه مزاراً قومياً ورمزاً للإستشهاد الآشوري وهي نفس الحالة في إختفاء جثة المفكر الشهيد فريدون أتورايا في عدم إمكانية العثور على مكان دفه في تبليسي – جورجيا رغم محاولات البحث عنه ولكن من دون جدوى.

وعلى العموم لقد سبق وأستشهدنا بمقولة ربنا يسوع المسيح عندما قال في أنجيل متي “لا تخافون من الذين يقتلونكم لأنهم لا يستطيعون قبل روحك. هذا نقول، صحيح المجرم سمكو ومن لف لفه تمكون من قتل البطريرك الشهيد ولكن هيهات أن يتمكوا قتل روحه الخالدة التي تسري في عقولنا وأرواحنا وتوفر أكسير الحياة لحركتنا القومية.

مات واستشهد البطريرك  مار بنياميــن ولكن بقـى وســتبقى روحه مدى الدهــر حية خالدة في ضمائــر كل الآشـوريين الشرفاء… فالجبناء يموتون كل يوم والأبطال يبقون خالدون مع خلود الأمة الآشورية.

zowaa.org

menu_en