عمانوئيل خوشابا
لا شك فيه بأن شعبنا الآشوري تعرض ومن خلال مسيرته التاريخية الحديثة لأبشع الويلات والمآسي من خلال حروب الابادة الجماعية و التطهير العرقي التي شنت عليه من قبل الانظمة السياسية الفاشية والعنصرية . مروراً بمذابح شعبنا عام 1843 في هكاري ومجازر الأبادة الجماعية سيفو عام 1915 ، تليها مذبحة سيميل عام 1933 ، ومذبحة صوريا عام 1969 واخيراً حرب الأبادة والتطهير العرقي الاخيرة التي شنتها داعش عام 2014على مناطق شعبنا في شمال العراق ومن ثم عاود حربه الشنعاء عام 2015 على ابناء شعبنا في مناطق الحسكة والخابور والقامشلي السورية .. ولاننسى ما خلفته ثورات الخريف العربي من دمار وقتل وتهجير من خلال الأنظمة السياسية السيئة الصيت ومن ثم ابتلاء المنطقة برمتها بالصراعات الأقليمية والدولية والتي بدورها القت ظلالها السلبي على ابناء شعبنا القاطن في مناطقه التاريخية ونخص منها العراق وسوريا.. لكننا نود هنا تسليط الضوء على احد المحطات المهمة التي عاشها شعبنا وبمرارة خلال مسيرته التاريخية، وسوف نحتفي بذكراها السنوية السابعة والثمانين هذه الأيام ، تلك الواقعة الأليمة التي عصفت على شعبنا في السابع من آب لعام 1933 في محافظة دهوك وتحديداً في منطقة سميل الواقعة في الشمال العراقي.
يمكن اعتبار مجزرة سيميل 1933 طبقاً للمعايير الدولية، واحدة من ابشع جرائم الحرب والأبادة ضد الأنسانية والتي حصدت الآلاف من االأرواح البريئة وهجر مئات الآلاف منهم ايضا وتم حرق وسلب ممتلكاتهم واحتلال قراهم، وبدون ذنب يذكر سوى أنها خرجت بثورة سلمية مطالبة بحقوقها المشروعة في العيش بكرامة وحرية في ارضها التاريخية بلاد مابين النهرين . بزغت ثورة سيميل كنتيجة حتمية لأفرازات المرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى وانهيار دول المحور ومن ثم سقوط النازية والأمبراطورية العثمانية، و بروز الوضع الجيوـ ديمغرافي السياسي الجديد وولادة دول فتية في الشرق الأوسط والعالم اجمع . حيث تفاعل شعبنا الآشوري حينها أسوة بباقي شعوب المنطقة المتفائلة في بادئ الأمر بالنظام العالمي الجديد المتخم بشعارات الحرية والمساواة والديمقراطبة وحق تقرير مصير الشعوب، لكن ثبت العكس بأن الشعوب التواقة للحرية قد خدعت بهذه الشعارات المستهلكة والمستوردة من خارج الحدود والقادمة من اوربا واميركا، حيث كشفت الحكومات والدول انيابها ونواياها السيئة الصيت من خلال صب جم غضبها على الشعوب المسالمة بأستخدام ابشع وسائل القتل والتدمير وانتهاك حقوق الأنسان امام انظارالعالم الذي لم يحرك ساكناً مستنكراً ومتدخلا لأيقاف حملة الأبادة وعملية التطهير العرقي هذه، سوى بعض البيانات المخجلة ، وان دلت فانها تدل على دعم دول الأنتداب للحكوالمحلية الحاكمة ،وذلك حفظاً على مصالحها الأقتصادية في مستعمراتها ومنها العراق…
ونحن واذ نحتفي هذه الآيام بهذه الذكرى الأليمة ، نود البيان بان هدفنا خلال هذه السطور ليس الدخول في الوصف المنهجي التاريخي لهذه المرحلة التراجيدية من تاريخ شعبنا المناضل .لكن بدورنا هنا نرغب في تسليط الضوء على دراسة واقعية ولو بالحد اليسير لأغلب المفاصل والعناصر السلبية والأيجابية لهذه المرحلة التاريخية ، وذلك لتثبيت بعض الأسس المنطقية والمعقولة البعيدة عن تأثير العواطف الجياشة والتي من خلالها تأخذ دورها الأيجابي في دعم المسيرة التحررية لشعبنا, في البداية نود الدخول في آلية اختيار تسمية هذه الذكرى بيوم الشهيد الآشوري ، علما بأن المسيرة التاريخية لشعبنا بكافة طوائفه حافل بالعديد من حملات الأبادة والتطهير العرقي وبوحشية اكبر من جريمة سيميل. واذا حاولنا قلب الأوراق التاريخية والبحث عن فكرة واساس والجهة التي تبنت هذه التسمية لهذا اليوم بالذات ، تبين الحقائق بأن صياغة واعلان هذا اليوم اي 7 آب يوم الشهيد الآشوري تم من قبل الأتحاد الآشوري العالمي في عام 1970 في ايران . والتي شهد حينها اعتماد الأول من نيسان كرأس للسنة الأشورية من كل عام ومن ثم تبني العلم القومي على يد المرحوم جورج اتانوس حينها. وهذا دليل بأن الأعلان عن هذا اليوم جديد نوعا ما على المسيرة التاريخية لشعبنا الآشوري !!! وهذا شئ طبيعي لأسباب بأن مرحلة النضوج القومي الفكري والأيدلوجي المتمثلة بتشكيل التنظيمات السياسية لشعبنا ولدت متأخرة نوعا ما, حيث ظهرت العديد من الأفكار السياسية والقومية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى, ولكن الصياغة الحقيقية لولادة احزابنا القومية من خلال وضع بصماتها الراسخة وتفاعله مع الساحة السياسية للبلدان التي تتواجد فيها ،كانت في بداية خمسينيات القرن الماضي وان اختلفت وتأثرت بطبيعة النظام السياسي من بلد الى آخر ومن ثم الخلفية الأجتماعية والأقتصادية التي تتميز بها شعوب المنطقة…
كما هو معروف فأن الحراك السياسي والفكري لأبناء شعبنا في ايران ، تميز بنهجه الأصلاحي والنخبوي والمتقوقع في منابر الأندية الأجتماعية والكنسية ، ولاغبار عليه فأن المؤسسات القومية والأجتماعية لأبناء شعبنا هناك كان لها الدور الأيجابي والكبير في بث الوعي القومي والثقافي ودفع المسيرة القومية للامام وذلك بفعل تواجد المؤسسات الثقافية العديدة للبعثات التبشيرية الأوربية في العديد من المدن الأيرانية ونخص منها مدينة اورمية . في الجانب الآخر يمكن ملاحظة تأثر مؤسسات شعبنا القومية بالكنيسة الشرقية، والتي غيرت ثوبها وتسميتها في اوائل سبعينيات القرن السابق الى ( الكنيسة الشرقية الآشورية) على يد البطريرك السابق المرحوم مار دنخا الرابع ( يعتبر هذا القرارخطأ استراتيجي وقعت فيه الكنيسة عندما الصقت الأسم القومي لشعبنا على الكنيسة وبذلك اعتبر هذا العمل من احد الأسباب التي ادت الى تشظي وتقوقع شعبنا الى عدد من الفرق و التسميات ، حيث سارت كنائس شعبنا الباقية على خطى الاولى وادخلت الصفة القومية على كنيستها وعبادها ) .. لذلك يمكن ملاحظة بأن الكنيسة الآشورية لها بصمة راسخة على التأثير وبقوة على مؤسساتنا القومية والأجتماعية في ايران، من خلال تبني يوم 7 آب يوم الشهيد الآشوري . هناك اسباب عديدة اخرى منها عدم التواصل الفكري والأجتماعي مابين ابناء شعبنا المتناثرين في عدد من الدول ، وعدم وجود دوائر التواصل الأجتماعي كما هي موجودة اليوم ، لذلك ادت الى ان الشعب الواحد المتناثر في دول عديدة كالعرق، ايران، سوريا، تركيا وغيرها قد تباين واختلف ثقافيا،جتماعياً،اقتصادياً من دولة لأخرى.
وعند القاء نظرة سريعة على واقع شعبنا المؤلم اليوم كنتيجة للظروف الذاتية والموضوعية الصعبة التي تمر عليه في هذه المرحلة ،اود ان اركز هنا على الظرف الذاتي الذي يمر بع شعبنا وذلك من ملاحظة غياب وانكماش عمل احزابنا ومؤسساتنا القومية وتسليم زمام المبادرة الى المؤسسة الروحية والتي ساعدتها الظروف الموضوعية في بروزها في هذه المرحلة الحساسة من واقع شعبنا المرير، لذلك نشاهد تقوقع شعبنا ودخوله في صراعات جانبية نحن بالغنى عنها والذي يتمثل بصراع المؤسسات الروحية المتبنية كل منها تسمية قومية معينة. وهذا مانشير اليه هنا بان الكنيسة الآشورية اعتمدت 7 آب يوم للشهيد الآشوري، والكنيسة السريانية اعتمدت يوم 15 حزيران لكل عام يوم الشهيد السرياني ، والكنائس الاخرى ايضا سوف تختار يوم شهيدها القومي وهذا دليل على ترسيخ مبدأ الأنشطار في جسد الأمة الواحدة.
ربما لنفس الأسباب وغيرها تبنت الكثير من مؤسساتنا و احزابنا القومية في البلدان الأخرى كالعراق وسوريا وغيرها هذا اليوم احتفاءاً بيوم الشهيد الآشوري ،ويمكن اعتباره نفس الخطأ الأستراتيجي التي وقعت فيه مؤسساتنا القومية في ايران . اود التنويه بانني من كلامي هذا لا احاول التنقيص من شأن هذه المرحلة التاريخية المؤلمة من واقع شعبنا المرير، لكني احاول تحليلها من وجهة النظر السياسية و ملاحظة تبعاتها ونتاجها السلبي على المسيرة القومية التحررية لشعبنا، بتبنيها يوم الشهيد الآشوري تحديداً في ذلك اليوم، والمعروف لدى المشاهد بأن اغلب الأرواح التي زهقت خلال هذه المذبحة هم من اتباع كنيسة المشرق وفي ضمن نطاق جغرافي معين. ومن هنا كان واجب علينا اختيار مرحلة اخرى من تاريخ شعبنا وتسميتها بيوم الشهيد الآشوري.
ومن هذا المنبر اضع الكرة في ساحة احزابنا ومؤسساتنا القومية،ونشد يايديهم من خلال القبول والأتفاق بتبني فكرة الأخذ بيوم 24 نيسان (ذكرى مجازر سيفو) يوم للشهيد الآشوري لعدد من الأسباب، منها :
ــ البعد السياسي لهذه الأبادة، حيث تفرز جميع الوقائع اخيراً بأن هذه القضية تم تدويلها واصبحت متداولة على المنابر الدولية ,وتصاعد عملية الأعتراف الدولي بها، منها اعتراف اكثر من 21 دولة واعتماد اكثر من 26 برلماناً دوليا على قرار بالأعتراف بهذه الأبادة الجماعية ، واعتراف بحدود 42 ولاية اميركية ، كذلك يوجد اكثر من 135 نصب تذكاري له. لذلك وجب على احزابنا ومؤسساتنا القومية استخدام هذه الورقة السياسية في دعم مسيرة شعبنا التحررية .
ـــ حجم الكارثة كان كبيرا ومدوياً ويعتبر وصمة عار على جبين الأنسانية بما حملته هذه الأبادة من مآسي واسعة وبشعة من جرائم القتل والتطهير العرقي التي شنته القوات النظامية للسلطنة العثمانية وبمساعدة بعض العشائر الكوردية والتي شنت على ضد الشعوب التواقة للحرية . حيث بلغ عدد ضحايا هذه المجزرة بالملايين منهم 1,5 ارمني، اكثر من 500000 آشوري و تقريباً 300000 يوناني .
ـــ اتساع الرقعة الجغرافية لمجازر سيفو 1915 حيث شملت مناطق شعبنا في غرب ايران اي منطقة اورمية وضواحيها ومناطق شعبنا في ديار بكر،هكاري ،طور عابدين وشمال العراق اليوم ومن ثم الأستيلاء وتدمير كافة القرى وممتلكات ابناء شعبنا ومن ثم نزوح وهجرة مئات الآلآف من ابناء شعبنا الى جنوب وطنه القومي في شمال بين النهرين آنذاك .
ـــ عامل مهم آخر يمكن التعويل عليه بأن يتبنى يوم 24 نيسان يوم الشهيد الآشوري وهو بأن ضحايا مجازر سيفو من ابناء شعبنا ، شمل جميع الطوائف المذهبية المنطوين تحت راية الكنيسة السريانية ، الكنيسة الشرقية ومن ثم الكلدانية وغيرهم .
عمانوئيل خوشابا
4 آب 2020
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن وجهة نظر الموقع