زوعا اورغ/ وكالات
هل جفت أنهار بلاد ما بين النهرين؟ وهل تغيرت ملامح فينيسيا الشرق؟
أمضى قاسم سبعان علي السنوات الـ15 الماضية وهو يراقب أشجار بستانه الواقع في جنوبي العراق، ليرى ما إذا كانت قد ذبلت أو ماتت بسبب تسرب المياه المالحة إلى التربة الخصبة.
كانت مدينة البصرة تعرف في الماضي بـ”فينيسيا الشرق”، بسبب قنواتها المائية العذبة، ولا يزال العراق يعرف باسم “بلاد ما بين النهرين”، دجلة والفرات، لكن السدود المقامة أعالي النهرين في تركيا وسورية تسببت في انخفاض مستويات المياه في النهرين وروافدهما.
ومع قلة الأمطار الموسمية، نتج نقص حاد في المياه العذبة، ما سمح بتدفق الماء المالح من الخليج العربي ليمتد شمال ممر شط العرب -ملتقى نهري دجلة والفرات- الذي يعتمد عليه سكان مدينة البصرة، ويتسرب إلى الأراضي الزراعية.
والآن ذبلت وماتت أشجار التين والتفاح والنخيل في بستان قاسم الذي يقع في السيبة، بجنوب البصرة، وأصبحت مياه الشرب في الصنابير مالحة وملوثة، ولا يمكن استخدامها للطهي أو الغسيل.
“شعور مؤلم عندما ترى عمل السنين المضني وقد تسرب من بين أصابعك”، يقول قاسم.
ساهمت أزمة المياه إلى جانب أزمة الكهرباء المتواصلة في المنطقة الغنية بالنفط في خروج احتجاجات في البصرة ومحافظات جنوبية أخرى، إذ هاجم المتظاهرون الدوائر الحكومية ومقار الأحزاب السياسية وأضرموا النيران في بعضها.
أدى ارتفاع الملوحة في البصرة إلى إغلاق أنظمة تنقية المياه، وحول المناطق التي كانت خصبة في يوم من الأيام إلى صحراء، وماتت الأسماك والماشية.
وتذكر هذه المشاهد بتلك التي كانت سائدة خلال الحرب بين العراق وإيران في الثمانينيات، عندما أحرقت البساتين وامتلأت الأرض بالألغام، واضطر المزارعون إلى الفرار.
كانت السيبة، المنطقة التي يعيش فيها قاسم، في يوم من الأيام موطنا لأكثر من 65 ألف شخص كانوا يزرعون حوالي 120 فدانا من الأراضي الخصبة، لكنهم جميعهم تقريبا فروا أثناء الحرب.
وبعد دخول القوات الأميركية العراق عام 2003، عاد حوالي 18 ألفا، من بينهم قاسم وأخوته.
تعد الزراعة ثاني أكبر قطاع اقتصادي في العراق بعد النفط. لكن ثلث أراضي العراق فقط قابل للزراعة، بسبب نقص المياه وملوحة التربة وعدم الاستقرار السياسي، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة.
وفي السنوات الأخيرة، اضطر العراق إلى تقليل زراعة المحاصيل الحيوية مثل الأرز والقمح بسبب نقص المياه في الجنوب.
حاولت الحكومات العراقية التوصل إلى اتفاقيات مع جيران العراق حول تقاسم مياه نهري دجلة والفرات، وكلاهما ينبع من خارج حدوده، لكنها لم تحقق نجاحا يذكر.
تحوي المياه في بعض مناطق البصرة على حوالي 40 ألف مليغرام من المواد الصلبة الذائبة، وهو مقياس لنسبة الملوحة، مقارنة بالمستوى المقبول البالغ من 2400 إلى 2600، وفقا لعلاء البدران، نقيب المهندسين الزراعيين في البصرة.
يضيف البدران أن الملوحة قتلت أسماكا وماشية وتسببت في اختفاء 12 نوعا من الطيور من المنطقة.
أدت نسب الملوحة غير المسبوقة، إلى جانب نقص إمدادات المياه وأعمال استخراج النفط القريبة، إلى القضاء على 87 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة، والتي تبلغ مساحتها 20 ألف كيلومتر مربع.