إبراهيم برخو
إذا كان لكل أمة حاجة الى إستذكار رجالاتها، وكل ميدان لأستذكار ابطال ذلك الميدان، فأن أمتنا لها الحق في إستذكار مناقب الأبطال أمثال الرفيق المرحوم آشور سركون عضو المكتب السياسي للحركة الديمقراطية الآشورية، رئيس الجمعية الآشورية الخيرية ، الذي كتب مع رفاقه الذين عملوا معه حقبة من الزمن سفرا خالدا لهذه الأمة في العمل والتضحية.
كم جدير بنا نحن رفاقه الذين عملوا معه عن كثب ،أن يفتخروا به، وأن يخلدوا جزءا من هذا السفر الذي كان منارة للأشعاع ،وكشاهد عيان دون مزايدات حزبية ضيقة،بل لأن يشهدوا بوجدان والتزام بمسيرته في العمل القومي والوطني، وتصبح بذلك نقشا غائرا في الضمير الحي لأبناء شعبنا الصامد في أرض الوطن والمهجر.
كيف لي أن أكتب في رثاء رفيق درب وأنا كلي حزن على رحيله، قامة نضالية مثل المناضل آشور سركون ، تخنقتي العبارات في الصور الحاشدة والمحشوة حشوا في ذاكرتي المثقلة بهموم العصر. من أين ابدأ والشجن يصارعني متشعبا في الروح والعقل ،في كل منعطف لقضية شعبنا ، بدءأ من النضال السري في عهد الطغاة في تسعينيات القرن الماضي،وأنت شابا يافعا ،حاملا لأمل هذه الأمة موزعا لمنشورات الوعي السياسي بين طلاب جامعة الهندسة التكنلوجية ، متحديا بذلك الحديد والنار.
ليرشدني أحدكم يا سادتي، فلم أعد أعرف من أين أبدأ والى أين ينتهي بي السرد البطولي !
من أين أبدا ونحن في مرحلة ما بعد سقوط النظام، والأرهاب يعصف في كل مكان، الناس تخاف ظلها، شوراع يسكنها الأشباح، بيوتات صامتة صمت القبور،رن الهاتف المحمول عند الرفيق شموئيل شليمون وكان نداءا من احد الأصدقاء ويدعى وعد جان كان يعمل في منطقة (وادي عكاب) والذي كان يطلق عليه (وادي الموت)، حيث أشلاء القتلى من أبناء الموصل مرمية في كل مكان، وعن طريق الصدفة أكتشف هذا الصديق هوية أحد رفاقنا من أهالي قرية بليجاني يسقط شهيدا ويدعى سامي وكان مقاتلا في مقر بغداد للحركة كان يروم للألتحاق بعد أجازة قضاها في قريته بليجاني لينطلق من دهوك الى العاصمة بغداد مرورا بالموصل، وإذ يقع فريسة بيد الأوباش من تنظيم القاعدة والتي كانت تسرح وتمرح في ارجاء المدينة المنكوبة دوما، فما كان على الرفاق المرحوم آشور سركون والرفيق شموئيل شليمون والرفيق المقاتل نجيب كوركيس المسؤول العسكري للمقر، إلا التوجه الى وادي الموت، وألمجئ بالجثة الى المقر قبل أن يحل الظلام ،كي لا تنهش الكلاب جثته، وتم أرسال الجثة في اليوم التالي الى قريته مع الرفيق البطل نجيب كوركيس مركجيا ليدفن في قريته بليجاني ، لينقلنا هذا المشهد الى مشهد آخر، في حادثة سقوط أثنين من مقاتلينا الأبطال شهداءا ووقوع أثنين آخرين جرحى، جراء هجوم شرس شنته مفارز الأرهاب في منطقة حي الشهداء ،قبالة كنيسة مريم العذراء للكنيسة الشرقية القديمة، وهم يؤدون واجبهم البطولي في نشر الملصقات الخاصة بممثلي ابناء شعبنا في أنتخابات 15 ديسمبر / كانون الثاني 2005، حيث تلقى مقرنا مكالمة هاتفية بسقوط مفرزة من مقرنا ضحية الأرهاب في المنطقة، وتوجهنا مسرعين الى مكان الحادث وكان الرفاق الن زيا ،والرفيق آشور سركون ، وكنت أنا معهم نجوب المنطقة لحين الوصول الى مكان الحادث، نشد على جراحات الجرحى والدم يسيل وننقلهم للمستشفيات لنوقف النزيف والألم، وحمل الشهداء الى المقر لأجراء اللازم.وبعد أستتباب الأمن في بعض المناطق، ومن خلال نشاط الرفيق آشور سركون في عام 2006 كمعاونا للجمعية الخيرية الآشورية منذ 2004، حيث كان هناك سجل خاص بتنفيذ عددا من المشاريع الأروائية في بندوايا، ساقية نهلة، وساقية بروار ومشاريع خزانات الماء الصالحة للشرب في العديد من المناطق ، كيف لي أن أنسى مشاريع الصيدليات العديدة في سهل نينوى وفي القرى النائية في أقصى الشمال والمدعومة في العلاج وأجراء بعض العمليات الصغيرى مجانا، في بطانايا، تلسقف، القوش، الشيخان، برطلة وبخديدا، وحتى توفير بعض الأدوية لبعض الأمراض المزمنة وأمراض السرطان، التي كانت شحيحة حتى في المستشفيات الحكومية. أما بعد استلامة لمسؤولية الجمعية الآشورية الخيرية في العراق فالحديث طويل تبدأ مع معاناة شعبنا من جراء الهجرة القسرية في كل المحافظات، ولا سيما بعد أحداث داعش وما تمخض عنها من هجرة أبناء شعبنا من محافظة نينوى وسهل نينوى الشمالي والجنوبي وتسهيل أحتضانهم من قبل ابناء شعبنا في قرى نهلة، سرسنك، مانكيش،أينشكي ،بيباد ،بروار، ارادن، وقرى زاخو وحتى شرانش، وقرى وقصبات أربيل وعينكاوة ,اقامة مخيمات وتوزيع الأغطية والمفروشات لهم.
كيف لي أن أنسى فترة قدوم اعياد الميلاد وأعياد رأس السنة الميلادية وأعيادنا القومية ومشاركة الجمعية الآشورية الخيرية في بث الفرحة في نفوس الصغار والكبار وحتى رياض الأطفال.
كيف لي أن أنسى مشاركة الجمعية الخيرية الآشورية في توزيع القرطاسية، وتوفير الوقود للباصات وصرف مستحقات الطلاب والمعلمين والمحاضرين ، كي تستمر العملية التربوية والتعليم السرياني دون معقوات.
كيف لي أن انسى زيارة المرضى الراقدين ورفدهم ماديا ومعنويا ونخص بالذكر إثر جائحة كورونا ، والتي اجبرت الناس للتوقف عن العمل والحركة، وتستنفر الجمعية الآشورية الخيرية كل كوادرها للتحرك والى القرى النائية في توزيع الغذاء والدواءلكل المحتاجين. وأخيرا كان رفد العديد من القرى الحدودية بتصليح شبكات الماء والكهرباء وتشغيل المصابيح إذر قصف الطائرات التركية وأصابة بعض هذه القرى بالقذائف التي كانت تستهدف الجماعات المسلحة في المنطقة.
أما اليوم ونحن أمام كل هذا الأنجاز العظيم الذي قمت به ،نقف عاجزين برد الدين لك ،وأنت الفارس الذي سقط من صهوة جواده ، الذي لم يعرف السقوط أبدا. لم يثنيك الأعداء يوما ،ولكن أصبحت ضحية لمرض لعين تربص بك عن بعد ، ولم تشاهده . فلو كان هذا المرض رجلا، بالتأكيد كنت غلبته ! ولكن لا محال.
المشاهد والمناقب البطولية كثيرة،منها تجواله في دول العالم قاصدا الهيئات والمنظمات الدولية في أمريكا وأوربا والمهرجانات الدولة للشعوب الأصيلة ، لرفد ومساندة قضية شعبنا الصامد في الوطن.
لا يمكن حصر كل هذا الأنجاز في مقال مقتضب ، ولو سنحت الفرصة لأستذكارها فأن الكتب والمجلدات لا تكفي في إحتوائها.
نم قرير العين رفيقنا الغالي آشور سركون ، فرفاقك على الدرب سائرين .
تحية لمدرسة الحركة الديمقراطية الآشورية وفي ذكرى يوم ميلادها 42 ، وهي تنجب أبطالا امثال الرفيق المناضل آشور سركون .
إبراهيم برخو
12 نيسان 2021