زوعا اورغ/ وكالات
يسترجع العراقيون في يوم العاشر من حزيران الذكر السابعة لسيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل، وفرار قوات الأمن في استعراض مذهل للقوة ضد حكومة بغداد التي يقودها الشيعة، بزعامة رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي.
كيف سقطت الموصل؟
داهم نحو ألفين من عناصر “داعش” الموصل من جزئها الجنوبي، عازمين على إسقاطها والعبور إلى مناطق تكريت، التي تقع على امتدادها وصولا إلى سامراء، حيث مرقد العسكريين أحد مزارات الشيعة، لكنهم فشلوا بسبب رفض الأهالي التنظيم، وتلقيهم الدعم السريع من بغداد.
وتمكنت مجموعات “داعش” من السيطرة على الموصل، بسبب قدرة المباغتة والاستيلاء على أسلحة الجيش الذي فقد القيادة والسيطرة والتمركز، وهروب مقاتليه، الذين شعروا أن الحاضنة المدنية كلها تعمل ضدهم، مع ضم “داعش” أعدادا من العناصر باقتحام سجن (بادوش) في الموصل، الذي يضم أكثر من 3400 موقوف وسجين، كذلك توقع الجيش أن يقوم الطيران بمهاجمة قوات التنظيم التي دخلت المدينة، وجعلت سكانها دروعا بشرية، وعدم مقاومتهم الدواعش يرجع ذلك إلى التذمر والنقمة الشعبية التي عاشاها اهل الموصل جراء رداءة التعامل الحكومي مع الشعب، وعدم أهلية القيادات العسكرية في نينوى على التعامل بحكمة، كما أكد ذلك وزير الدفاع الأسبق خالد العبيدي، وهو من ضباط الجيش البارزين من الموصل”.
تعهدت الولايات المتحدة، التي سحبت قواتها قبل عامين ونصف العام، بمساعدة القادة العراقيين في “صد هذا العدوان” حيث طلبت حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي من البرلمان إعلان حالة الطوارئ التي من شأنها أن تمنحه، صلاحيات غير عادية لمعالجة الأزمة.
لكن يبدو أن المعركة قد انتهت، وقام رجال الشرطة بالتخلص من الزي الرسمي والأسلحة ويهربون من مدينة يرفرف فيها الآن علم داعش الأسود فوق المباني الحكومية.
وقال عقيد في مركز قيادة عسكري محلي لوكالة رويترز، “لقد فقدنا الموصل هذا الصباح، تركت قوات الجيش والشرطة مواقعها وإرهابيو داعش يسيطرون بالكامل”،إنه “انهيار كامل لقوات الأمن”.
زمن داعش وتساقط المدن
عاشت الموصل وحواضرها أسوأ حقبة في تاريخها المعاصر، وهي ترى تكسير تماثيل الحضارة الآشورية، وتدمير متحف نينوى الغني بأهم حقبة من تاريخ البلاد هي الآشورية، بدعاوى ساذجة، ثم عمد “داعش” إلى المتاجرة بالآثار مع عصابات دولية نقلت نفائس حضارة العراق القديم، تقدّر بأكثر من عشرين ألف قطعة متحفية، ونقلت خزائن النمرود ومقابرها الذهبية إلى العالم، في سابقة نبش آثار لم يشهدها التاريخ بدأت من تحطيم المتحف العراقي إلى مدن نينوى، مع بيع الناس في سوق النخاسة في سابقة أيضاً لم يعشها الشعب في تاريخه”.
تعددت الأسباب والنتيجة سقوط الموصل
دار سجال طويل حول إشكالية سقوط الموصل لم تظهر وقائعه الحقيقية حتى الآن، فلم يصدر تقرير جدي حتى الآن عن هذه الواقعة التاريخية التي كان من المفروض ان تحيل أسماء نافذة إلى المحاكمات، وإيقاع أشد العقوبات لتهاونها، لا سيما الطرف الحكومي المسؤول والقوات العراقية المرابطة والمسؤولة عن القاطع، والمؤلفة من قوات دجلة المسؤولة عن قاطع عمليات نينوى، والفرقة 12 “جيش”، التي هربت عناصرها.
حرب غير نظامية
خلف “داعش” أفدح الضرر في الموصل، بعد أن حول سكانها إلى دروع بشرية في أثناء عمليات الجيش العراقي وفصائل متطوعة تحت مسميات شتى، بمؤازرة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وكما أكدت الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق، أنها اتخذت كل الإجراءات التي تحول دون دمار المدينة، لتخفيف الأعباء عن سكانها، وتقليل أعداد الضحايا المدنيين الذين يسوقهم “داعش” إلى حتوفهم، فما أن دخل الجيش المدينة إلا واتضح حجم الخراب، وما فعلته ملايين القذائف التي جعلت من الموصل بانوراما من الخراب، الذي لم تواجهه في تاريخها السحيق، إذ هدمت مئذنتها الحدباء التاريخية رمز المدينة وعنوانها.
نتائج كارثية بعد داعش
نتائج وخيمة تعرض لها الشعب العراقي، وأهل نينوى تحديدا، نتيجة تدمير مدنهم، لا سيما الموصل الحدباء التي يطلق عليها “أم الربيعين” لروعة جوها واعتداله، ونتيجة محصلات لما جرى من احتلال ومعارك طالتها، فهي محافظة تمثل العالم القديم المتعدد القوميات والطوائف والأديان، فيها أقدم المساجد والمآذن والكنائس والأديرة التي أضحت في زمن الدواعش ملاجئ المشردين والمهجرين والأقليات التي وجدت نفسها في أتون حرب لا تقوى عليها، وتناقصت أعداد المسيحيين إلى ربع السكان، السريان الذين عاشوا قرونا متحابين مع المسلمين، وهاجر الإيزيديون والشبك.
لم يكن سقوط الموصل بنظر عموم الشعب العراقي إلا مؤامرة كبرى، حين يستعيدون ذكراها السابعة من دون إجابات تشفي غليلهم، فقد تعدى سقوطها ثلاث محافظات أخرى ذات غالبية سنية، هي الأنبار وتكريت واجزاء من كركوك وديالى، في استهداف واضح لجغرافية المكونات، فأولى المدن التي اُستهدفت كانت تلعفر والطوز وآمرلي وسواها.
وسجل زعماء الجيش، الذين يقودهم الجنرال مهدي الغراوي، أسرع انهيار في تاريخ القوات النظامية المؤلّفة من ثلاثة فرق من الجيش وألوية من الشرطة يقدر عددهم بنحو 50 ألف مسلح، وتركوا أسلحة ثقيلة وخفيفة بعشرات المليارات من الدولارات، و400 مليون دولار (كاش) وضع “داعش” يدها عليها في أثناء مداهمة المصارف الحكومية في الموصل، كل ذلك يبعث على الأسئلة المحيرة.
تساؤلات لم تجب عنها الحكومات
لم يجر تحقيق منصف وعادل ومهني وشامل حول سقوط الموصل، إنصافاً لعشرات الآلاف من الضحايا والسبايا من النساء، لا سيما الإيزيديات اللاتي باعهن “داعش” في سوق النخاسة، وكما تقول نادية مراد، إحدى الإيزيديات اللاتي وقعن في قبضة التنظيم الحائزة جائزة نوبل للسلام، “ما زلت وكثير غيري من مئات الضحايا اللواتي ساقهن السبي الداعشي إلى المجهول، وبعضهن أمهات يحملن أطفالا، في مأساة لم يعاقب المتسببون على فعلتهم”.
سقطت الموصل بلغز واستعيدت بلغز أكبر
وانتهت المعركة كما بدأت غامضة، إذ تلاشى قتلى “داعش”، وغابت جثث الآلاف منهم، ممن قدّرتهم الحكومة بأكثر من ثلاثين ألف داعشي اختفوا بين أنقاض الموصل وقصباتها، وظلت المدينة حتى اليوم أشباحا، يلفها الدمار وخراب بيوت أهلها وهجرة سكانها الأصليين، وما زال شبح “داعش” يؤرق سكانها العائدين إلى بقايا مدينة، يدفعهم الحنين إلى المكان، الذين عاهدهم رئيس الوزراء الكاظمي في أول زيارة له للموصل أن سقوط المدينة “لن يتكرر”.