زوعا اورغ/ وكالات
أصدر مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك الرسالة الرعوية الحادية عشرة لمناسبة عيد العنصرة 2018 تحت عنوان “مسيحيو الشرق اليوم: مخاوف وآمال” تطرقوا من خلالها لعدد من القضايا التي تواجه الشرق بشكل عام والمسيحيين بشكل خاص. وعلى غير العادة لمثل هكذا رسائل رعوية، فقد غلب عليها الطابع السياسي أكثر من الطابع الديني الرعوي، في ملاحظة لافته للأنظار. وإن دلت لغة الرسالة وموضوعاتها على شيء فإنها تدل على إستشعار رؤساء الكنائس بالخطر الحقيقي والتحديات غير المألوفة التي تواجه المجتمعات والدول الشرقية بمن فيها المسيحيين بصفتهم جزء أصيل ومكون أساسي وفعال في تلك المجتمعات. وما لفت إنتباهي وانا أقرأ الرساله أنها رسالة غير عاديه وتتحدث بلغة قويه، جريئة غير معهودة، وتتطرق إلى قضايا حساسة جدا، وتأخذ مواقف واضحة وثابته وحاسمه لا ريب فيها أو مواربه.
الأمر الذي دفعني للكتابه في محتواها وكلي أمل أن تصل إلى أكبر عدد ممكن من القراء لأهمية إطلاع أبناء شعبنا على ما جاء فيها. ويمكن فتح حوار مسؤول على كافة المستويات فيما يتعلق ببعض المباديء والأفكار التي تطرقت إليها الرسالة وتحويلها إلى برنامج عمل يتم تبنيها من قبل المؤسسات ذات العلاقة. وإنني لن أقوم بتحليل معاني الرسالة وتفسير ما جاء فيها وإنما سأنقل أهم ما جاء بها بكل حرفية ودون أي تحريف أو تغيير في الكلمات المستخدمة من قبل كاتب الرسالة الأصلي.
ففي المقدمة، تطرقت الرسالة إلى الدافع الرئيسي لكتابة هذه الرسالة والمتمثلة في ” أننا نرى (بطاركة الشرق) الكثير من بلداننا تتعرض للدمار والموت، بسبب سياسات عالمية، لها رؤيتها السياسية والإقتصادية والإستراتيجية لخلق شرق أوسط جديد” وتابع كاتبوا الرسالة في المقدمة ” كلنا، مسيحيين ومسلمين، نقتل ونهجر، في العراق وسوريا وفلسطين وليبيا واليمن. ولم يبقى بلد عربي يعرف السلام أو الإستقرار”. فالدافع من الرسالة واضح، والذي يتمثل بإيجاد حلول مشتركة للواقع الذي وصلت إليه بلداننا من دمار وخراب بسبب السياسات الغربية المنحازه للإحتلال الإسرائيلي.
وفي الفصل الأول من الرسالة، وجه البطاركة رسالة محبة وتضامن وشحذ همم للمؤمنين المسيحيين أبناء الشرق ودعوهم إلى مزيد من الصلاة والصبر والإتحاد والوحدة لمواجهة الظروف والتحديات غير الإعتيادية الغريبة على شرقنا العزيز الذي عاش أهله بكل مكوناتهم وأصولهم وأعراقعم ودياناتهم وطوائفهم بكل محبة وتضامن عجيب.
أما في الفصل الثاني من الرسالة، فقد وجه البطاركة رسالة واضحة وحاسمة للمواطنين (على إختلاف إنتمائاتهم العرقية والدينية) والحكام على حد سواء. فللقيادة السياسية وجه البطاركة رسالتهم كما يلي: “ما زال فينا فقر وفساد وتقييد حريات وطائفية وحروب، كل ذلك يجب ألا يكون. ومهما كان الوضع معقدا، الشر والفساد يجب أن يزولا”. وتابع كاتبوا الرسالة “لعلَ الدين على كثرته هو الغائب؟ في الشرق، الجميع، المسيحيون والمسلمون والدروز، مؤمنون، أو متمسكون بإنتمائهم إلى جماعاتهم المؤمنة. الدين كثير، ولكن قد يكون الله غائباً”. ويتابعون “إن بلداننا ومجتمعاتنا حيث يكثر المال والفقر معا، بحاجة إلى أكثر من هذا، بحاجة إلى عدالة إجتماعية وإلى إقتصاد عادل يضمن حياة كريمة لكل إنسان”. فقد دعت الرسالة الحكام إلى الإصغاء إلى صوت الفقراء وصوت المظلومين وإعطاء مزيدا من الحرية للشعوب. كما وطالبت الرسالة القيادات السياسية إلى الإستقلال عن الجهات الخارجيه والوقوف أمام الضغوطات والمختطات الخارجية التي لا تريد سوى النيل من إستقلالنا وحريتنا وكرامتنا الإنسانية. متابعين “نريد قيادات سياسية قوية تستمد قوتها من شعبها، لأنها تحترم حريته وكرامته فتكون قوية أمام القوى الخارجية، وفي وجه الضغوط العالمية، والدول الكبرى التي تدعي تغيير وجه الشرق الأوسط كما تشاء”. وقد دعا البطاركة إلى بناء الدولة المدنية القوية التي تحترم مواطنيها وتحترم التنوع الديني والعرقي والثقافي بين أبناء الوطن الواحد لأن في الوحدة القائمة على العدل والمساواة والحرية قوة جبارة قادرة على مواجة الغرب ومختطاته الإستعمارية القائمة على تفتيت المنطقة إلى دويلات وجماعات دينية أو عرقية متناحرة. وقد دعا البطاركة المسيحيين والمسلمين والدروز إلى ضرورة تعلم العيش المشترك وتربية الأجيال القادمة على هذا العيش إنطلاقا من الإرث الديني والثقافي الذي ورثناه عن أجدادنا بالعمل والعيش المشترك وبناء دولنا ومجتمعاتنا القوية. ولم ينسى البطاركة في رسالتهم أيضا رجال الدين المسيحيين والمسلمين والدروز وأهمية دورهم إما في نشر الخلاف والفرقة بين أبناء الشعب الواحد أو بناء الثقة والمحبة والعمل المشترك وإحترام الآخر كما هو لبناء الدولة المدنية المنشودة.
أما في الفصل الثالث فإن البطاركة يوجهون رسالتهم إلى صانعي السياسة في الغرب، إذ يتهمونهم بشكل واضح وصريح بوقوفهم وراء ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط من دمار وحروب لتحقيق أهداف ومآرب تخدم مصالحهم الإقتصادية والسياسية والإستراتيجية على حساب المنطقة وشعوبها. ولا يخفي البطاركة إمتعاضهم من السياسة الغربية التي تريد مصلحة إسرائيل أيضا على حساب العدل والسلام للشعب الفلسطيني الذي لا يزال يرزح تحت أطول وأعتى إحتلال في العصر الحديث. وقد عبر البطاركة عن إستيائهم وغضبهم من هذه السياسة الغربية إتجاه بلداننا في الشرق عندما وجهوا إتهاما واضحا وصريحا لهم بزرع الإرهاب في المنطقة من خلال أدواتهم التي صنعوها قائلين: ” ولد الإرهاب إذ لجأ صانعو السياسة أنفسهم في الغرب إلى أداة تنفيذ فعالة لتغيير وجه الشرق، فأوجدوا داعش بمواد بشرية محلية من عندنا، بما في النفوس من سوء فهم لدينهم. بعبارة أخرى ضربوا الناس في تدينهم. وفي هذا الدمار قال الكثيرون وصانعو القرار في الغرب: المسلمون المتطرفون قتلوا المسيحيين وقضو على المسيحية في الشرق. نعم الظاهر هو هذا، أما القاتل الحقيقي فهو أصحاب القرار في الغرب وحلفائهم في المنطقة الذين يريدون خلق شرق أوسط جديد يخدم مصالحهم. فالخطر الذي يهددنا ليس أن الله شاء لنا أن نعيش مسلمين ومسيحيين معا، بل الخطر هو الغرب السياسي الذي يحسب أنه يجوز له، لضمان مصالحه، أن يدمر شعوبنا ويعيد تنظيمها كما يشاء”.
ولم ينس البطاركة في رسالتهم أيضا فلسطين. حيث إتهموا بشكل واضح وصريح الغرب السياسي بالتآمر على فلسطين والفلسطينيين بدعمهم المستمر لإسرائيل وعمل كل ما يمكن عمله لضمان أمن ومصلحة إسرائيل بالبقاء، ضاربين عرض الحائط مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه الذي شرد منها بالقوة لذلك وجه البطاركة نداء إلى الغرب قائلين: ” أما إسرائيل التي تريد وتريدون أن تبقى، فبقاؤها مشروط بشرط واحد بسيط، وهو ألا يكون بقاؤها على حساب بقاء الشعب الفلسطيني. ونؤكد أن إعادة الحقوق للشعب الفلسطيني هو باب الخلاص والبقاء لإسرائيل، وشرط ضروري لسلام حقيقي في المنطقة كلها”.
أما خاتمة الرسالة، فقد أكد البطاركة على هوية المسيحيين في المنطقة وهي الهوية العربية وهوية البلدان التي يتواجدون فيها، وأنهم والمسلمون والدروز يشكلون شعوب تلك المنطقة، عاشوا فيها ولا يزالون بكل محبه وترابط يشكلون المجتمع العربي الواحد الموحد. وأكد البطاركة أن مستقبل المسيحيين في المنطقة ليست قضية مسيحية وإنما قضية المنطقة كلها بما فيها المسلمون والدروز. وقد دعا البطاركة المسيحيين وإخوانهم المسلمين والدروز للوقوف صفا واحدا موحدا في مواجهة الغرب السياسي وإسرائيل لإفشال مختطاتهم بتغيير الشرق الأوسط وبناء شرقهم كما هم يريدون وليس كما يريد لهم الغرب وإسرائيل.
وفي الختام فإنني أدعو المهتمين للإطلاع على الرسالة كاملة من مصدرها الأصلي لأنه لا يمكن الحكم على ما جاء من إقتباسات أعلاه بمعزل عن كامل النص قبل الإقتباس أو بعده لتكتمل الصورة وتتضح ما قصد به كاتبوا الرسالة أصلا. لأن المعاني يمكن أن تتغير عند قراءة النص كاملا. وفي كل الأحوال فإن الهدف من الإقتباس هو نقل بعض ما جاء في الرسالة بإختصار لإتاحة الفرصة أمام من لم يستطع الوصول إلى النص الكامل من الإطلاع على أهم ما جاء فيها من مباديء ومواقف وحلول للقضايا المطروحة.