حنان اويشا
اهتمام السريان الكلدان الاشوريين بالصحافة والكلمة المكتوبة يعكس روح التمدّن ورغبة اللحاق بركب التطور. فقد أدركوا مبكرا أهمية الصحافة في النهوض بمجتمعهم. وسبقوا كثيرا من شعوب المشرق في إصدار الصحف والمجلات. تجسد ذلك في ولادة اول صحيفة سريانية في مدينة أورميا في ايران وهي صحيفة (زهريرا دبهرا) وتعني (شعاع النور)، وذلك في 1/ تشرين الثاني/1849 وبالحرف السرياني وباللغة السريانية. واستمرت بالصدور حتى عام 1918 وبواقع اربع صفحات، حيث كانت تصدر في بداياتها شهرياً ثم اصبحت نصف شهرية وكانت تطبع اكثر من الف نسخة وتوزع في أكثر من 200 قرية، عمل في رئاسة تحريرها الدكتور بنيامين لاباري بمساعدة الاستاذ ميرزا شموئيل. وتناولت موضوعات تاريخية، ثقافية ودينية، بالاضافة الى تغطية الاخبار القومية والاقليمية والعالمية التي كانت تهم الشعب، كما أولت الصحيفة اهتماماً لبحث العلاقات القائمة بين الشعب الكلداني السرياني الاشوري وشعوب المنطقة. وعلى نضال الفقراء ضد الاغنياء، كما انها لعبت دوراً كبيراً ومهما في تكوين وترسيخ الادب السرياني المعاصر.
قراءة في العدد الاول
نظرة سريعة في الصفحة الاولى كفيلة بان توضح لنا علاقة الانسان الكلدواشوري السرياني بالثقافة والمعرفة.. فقد احتوت الصفحة على عنوان الصحيفة بارزاً بالسريانية وتحت العنوان مكتوب عبارة (حينئذ ينبلج كالصبح نورك) وهي اقتباس من احدى الايات الكريمة من الكتاب المقدس/ سفر اشعيا الاصحاح 8:58 مشبها بها اطلالة زهريرا دبهرا كالنور الوهاج الذي يخترق عتمة الظلام ليسجل ولادة جديدة لتنير درب الحق وتساهم في اعلاء ثقافة هذا الشعب بين الشعوب الاخرى.
ويتضح ايضا اهتمام الصحيفة وتشخيصها لمرض عضال انتشر وفتك بالكثيرين لابل بالعامة، وكأن الصحيفة جاءت لتعالج ذلك المرض الاجتماعي الخطير الا وهو الجهل والامية، رغم انهما كانا سمة غالبة ليس في الشعب السرياني فقط، وانما في عموم الشرق في زمن صدور الصحيفة منتصف القرن التاسع عشر، ويرى المحرر ان المفتاح لكل تطور هو الوعي والثقافة والانفتاح والاستنارة..
فقد جاءت افتتاحية العدد بعنوان (الثقافة ـ المدارس) تتحدث فيها عن اهمية المدارس كمؤسسات لها دور فعال في حياة الامم والشعوب التي توليها الاهتمام الاوفر. حيث ان غيابها يسبب خللا في بناء وحياة المجتمعات، وتؤكد الافتتاحية بان التعليم يؤدي الى خلق اجيال من شانها قيادة المجتمع والحاقه بركب التقدم الحضاري الذي يسود العالم فهو عصب الحياة للافراد والشعوب، يجدد العقل وينمي مواهب الانسان وقدراته الذاتية مثلما تحتاج الغرفة المظلمة الى النور هكذا تحتاج كل قرية اشورية الى مدارس تنير دروب ابنائها وتزرع فيها حب الله والارض والانسان ، فالثقافة مدرسة رصينة تستطيع من خلالها الامم تربية اجيال مثقفة وواعية .
#الذكرى 173 لميلاد الصحافة السريانية
#مجداً لاصحاب القلم الحر والكلمة الصادقة