زوعا اورغ/ وكالات
مع بداية العام الدراسي هذا العام، تجددت الخلافات في محافظة الحسكة، حول المدارس والمنهاج التعليمي الذي تفرضه (الإدارة الذاتية) التابعة لميليشيات (قوات سوريا الديمقراطية)، مع اتساع الرفض المجتمعي لهذه الإدارة التي أقدمت على إغلاق المدارس الكنسية الخاصة في الحسكة، قبل عدة أيام.
قطاع التعليم في محافظة الحسكة نال نصيبه من ويلات الحرب، ولكن الصدامات الأخيرة في مدن محافظة الحسكة، بين المدنيين وسلطات (الإدارة الذاتية)، كشفت أزمة حقيقية بدأت تتفاقم في المحافظة بسبب ازدواجية السلطة، حيث يتواجد النظام بمؤسساته الخدمية والأمنية، وتتواجد (قسد) بشكلها العسكري والخدمي أيضًا. وعلى الرغم من التنسيق الكبير بين الطرفين، فإن التعليم برز كنقطة خلاف يدفع ثمنَها أبناء المحافظة.
بدأت (الإدارة الذاتية) إدارةَ المدارس التي تقع ضمن مناطق سيطرتها، عن طريق فرض كوادر جديدة من الموالين لها، وفرض منهاج تعليمي يختلف عن مناهج النظام، وقد تعرّض لكثير من النقد، بسبب ضعف المادة العلمية وضعف الكوادر، إضافة إلى أنه لم ينل الاعتراف الرسمي من أي جهة محلية، أو دولية؛ ما يهدد مستقبل عشرات آلاف الطلاب.
أبو عادل، أحد المواطنين السوريين الأكراد من حي (قناة السويس) في القامشلي، تحدث إلى (جيرون) عن معاناته قائلًا: “لدي طفلة في الصف الرابع، وطفل آخر سيكون في الصف الأول هذا العام، سلطات الأمر الواقع تمنُعنا من اختيار المدرسة التي نريد، وتجبرنا على ارتياد مدارسهم. في العام الماضي، تمكنت بصعوبة من التسجيل في مدرسة ريفية تقع تحت سيطرة النظام، لكن ذلك كان مكلفًا جدًا لنا، بسبب ارتفاع أسعار المواصلات”.
معاناة (أبو عادل) يمكن تعميمها على آلاف الأسر في المحافظة، حيث شهد حي (غويران) في مدينة الحسكة، العام الماضي، صدامات وتظاهرات رافضة لفرض مناهج الإدارة، ولكن (قسد) واجهتها بإطلاق النار، واعتقال عشرات الطلاب وذويهم، وعدد من المعلمين، ثم تجددت الاحتجاجات هذا العام، بعد قرار إغلاق المدارس الخاصة التابعة للكنائس، ولكن دون التوصل إلى حل مرضٍ، على الرغم من تدخل وساطات من رجال دين ووجهاء.
من ناحية أخرى، اضطر عدد كبير من معلمي المنطقة إلى الالتحاق بمدارس الإدارة، هربًا من النظام، أو طمعًا في الراتب، بسبب ظروف المعيشة، كحال كمال العلو، وهو معلم في إحدى المدارس التابعة لـ (الإدارة الذاتية)، حيث قال لـ (جيرون): “قبلت مضطرًا الانضمام إلى المدارس الخاضعة لـ (الإدارة الذاتية)، فقد كنت مدرسًا لمادة الرياضيات في المدارس الحكومية، لكن منذ عام 2016 تم فصلي من العمل بكل بساطة، لعدم التحاقي بالخدمة العسكرية الاحتياطية”.
أضاف العلو: “هنالك مغريات تمنحها (الإدارة الذاتية) لاستقطاب المدرسين، منها الراتب الذي يعادل ضعف الراتب الذي يتلقاه المدرّس في المدارس التابعة للنظام، حيث يصل إلى مبلغ 70 ألف ليرة تقريبًا، وتأمين صحي يشمل العائلة. وفي المقابل، يُطلب منا المشاركة في جميع أنشطة ومسيرات الحزب، وحضور الاجتماعات الدورية حتى في العطلة الصيفية. وكل من يتقاعس، أو يتذمر، يكون مصيره الفصل، والسجن أحيانًا. وكما أن الطالب ضحية، أصبح المعلم، أيضًا، ضحية”.
يرفض الأهالي مناهج (الإدارة الذاتية)، بسبب ما تحمله من أفكار أيديولوجية تروج لـ (حزب الاتحاد الديمقراطي) الكردي، حيث تستبدل تمجيد نظام البعث والأسدين، بتمجيد للحزب وفكر الأمة الديمقراطية، وزعيم حزب (العمال الكردستاني): عبد الله أوجلان.
كما قامت (قسد) مؤخرًا بتغيير أسماء مدارس عربية، حيث تسيطر الميليشيات على نحو 2000 مدرسة في المحافظة، وأجبرت عددًا كبيرًا من المعلمين على ترك مدارسهم، بسبب تهديد النظام بقطع رواتبهم إن عملوا مع (الإدارة الذاتية)؛ ما أدى إلى ضعف الكادر التعليمي. وقررت الإدارة مؤخرًا إغلاق المدارس التابعة للكنائس التي يبلغ عددها 12 مدرسة كان أهالي المحافظة يلجؤون إليها هربًا من مناهج (الإدارة الذاتية).
وبعد قرار إغلاق المدارس التابعة للكنائس؛ نزل مئات الأهالي إلى الشارع في تظاهرة احتجاجية على القرار، فواجهتهم دوريات (قسد) بإطلاق الرصاص الحي. ولم يفوت النظام الفرصة لاستغلال هذه الحوادث، من خلال إبراز نفسه “حاميًا للأقليات”، حيث استغلت وسائل إعلامه الحادثة. كما هدد النظام بإغلاق كليات (جامعة الفرات) الحكومية في الحسكة؛ ما يهدد مصير آلاف الطلاب من أبناء المحافظة.
داود داود، نائب مسؤول المكتب السياسي في (المنظمة الأثورية الديمقراطية)، أكد في حديث إلى (جيرون) أن هذه “المدارس الخاصة التابعة للكنائس مرخصة من قبل الدولة السورية منذ عام 1935، وأن تمويلها ذاتي، وهي مدارس غير ربحية، وشرط ترخيصها أن تدرس المناهج الرسمية للدولة، مع بعض الساعات لتعليم اللغة السريانية”.
أضاف داود: “(الإدارة الذاتية) هذا العام أصرت على تنفيذ القرار، بمؤازرة ميليشياتها المسلحة، لكن القرار جوبه أيضًا بالرفض والتظاهر والاحتجاج من قبل المجتمع في القامشلي. وبمواقف وبيانات من قبل معظم القوى، لأسباب تتعلق بعدم قانونية وشرعية هذه المناهج، وعدم وجود أي اعتراف محلي، أو إقليمي، أو دولي، بها، وكذلك فرضها بطريقة قسرية، وهذا يتعارض مع مبدأ ديمقراطية التعليم الوارد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”.
هذه المضايقات على المدارس يراها كثير من الأهالي والناشطين محاولةً لتهجير من بقي من أهالي المحافظة من الرافضين لسياسات (قسد). وهذا ما يؤكده أبو عادل، حيث قال: “لقد فكرت جديًا في السفر فقط من أجل تعليم أبنائي، لكن ضيق ذات اليد حال دون ذلك. كثيرون ممن يعانون في تعليم أبنائهم بدؤوا يستعدّون للهجرة من أجل مستقبل أطفالهم”.
لا حلول واضحة في الأفق لهذه المشكلة، لكن داود يقترح أن “أفضل السبل لحلها هي الوسائل السلمية للتعبير عن الموقف، والأخذ بعين الاعتبار الرأي العام، والبحث عن حلول توافقية ديمقراطية. اليوم، توجد مشكلة ازدواجية في السلطة في الحسكة، والمواطن يدفع ضريبة هذه الازدواجية، والحل الأنسب لمسألة التعليم -ضمن ظرف الأمر الواقع القائم حاليًا- هو ترك حرية التعلم لجميع أبناء المجتمع، بكل مكوناته، وبالمنهاج الذي يختارونه من دون قسر أو فرض”.
وينتظر المدنيون في المحافظة حلولًا تنقذهم من هذا التحكم في مصيرهم، ومستقبل أبنائهم، من قبل سلطات الأمر الواقع المتمثلة في (قسد) ونظام الأسد، متسائلين عن جدوى الخلاف في موضوع التعليم بين الجانبين، في ظل تنسيق أمني وسياسي علني، ليدفع المدني فقط ثمنَ هذه السياسات التي تهدف إلى تهجيره من أرضه.