حميد الموسوي
للوهلة الاولى سيتبادر الى اذهان معظم القراء باني تحولت من موقع الهجوم الى موقع الدفاع عن الحكومة لسبب او لآخر ، والحقيقة انه هجوم من نوع آخر . نعم انا مؤيد لعملية التغيير السياسي والاطاحة بسلطة التوحش الدكتاتوري ومقابرها الجماعية، واعدام الناس على الشك والظن والشبهة ، وابادتها معارضيها بالغازات الكيماوية والقنابل العنقودية ،واعدام منتقديها باحواض (التيزاب ) او تلغيم اجساد الضحايا او سقيهم مادة البنزين واطلاق النار عليهم ، وصلم اذان الهاربين من حروبها ووشم جبابهم بالنار والحديد ،وتخريبها العراق بحروبها العبثية وسياساتها الهوجاء ،وتبديد الثروة الوطنية في ملذاتها وحاشياتها وهباتها للاعلام الماجور والشخصيات المبتذلة وشيوخ التسعين ،واساليبها اللا اخلاقية في تكميم الافواه واهانة واحتقار العراقي وجعله خادما لمن هب ودب ..
نعم لهذه الاسباب ولغيرها انا مستميت دفاعا عن عملية التغيير مع ما شابها من فوضى واضطراب وخبط والتباس .. وما صاحبها من امور تعتبر تحصيل حاصل وتداعيات وافرازات لكل عملية تغيير . لكني لم اهادن المفسدين الجدد لحظة واحدة ،بل انبريت سيفا مشرعا بوجههم دون استثناء و في جميع مفاصل الحكومة والبرلمان ومجالس المحافظات والمجالس المحلية ، وبلا هوادة كوني غير مرتبط بمؤسسة ارتزق منها فتفرض علي سياساتها واجنداتها واخضع قانعا او مكرها حفاظا على رزقي هذا اولا، ولم انتم لأي حزب سابق او لاحق ثانيا ، حيث استثمرت فسحة الحرية المتاحة للرأي والفكر – وهي الحسنة والنعمة الكبرى التي دفع العراقيون قبالها انهارا من الدم – فكتبت مئات المقالات الناقدة والفاضحة للفساد المالي والاداري ونشرتها في جميع الصحف والمجلات البغدادية ، وفي مواقع الكترونية عربية وعراقية وفي صفحات التواصل الاجتماعي ، وتم تكريمي من قبل دائرة المفتش العام في وزارة الثقافة خلال اطلاقها لحملة مكافحة الفساد في 2009وتلك المقالات محفوظة في ارشيف الصحف والمواقع ولمن اراد التأكد ارشده لتلك الصحف .
وعودة للهجوم المشبه بالدفاع او الدفاع المشبه بالهجوم ، فانك لو سألت ابسط مواطن عن انجازات الحكومة سيقول لك بلهجة عراقية غاضبة : لا بلطوا شارع .. ولا بنو طابوقة !.وحتى في حوارات النواب والمسؤولين حين يستفزهم مقدم البرنامج او المتصل: ما الذي انجزتموه خلال 14عام ؟ يظل المسؤول يلف ويدور ولا يذكر منجزا واحدا ! . حتى صار الامر من المسلمات . ما دعاني لاثارة هذا الموضوع هو لقائي بصديق قديم من محافظة السماوة يعمل في مديرية تربيتها ، سألته عن اوضاع المدارس الجديدة هناك قال : سيدنا وصل عدد المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية الى 684 مدرسة لحد الان . قلت وكم كانت قال من تاسيس العراق الى 2003 بلغ عدد المدارس 236 مدرسة !.قلت يعني تم بناء 448مدرسة خلال 13سنة يقابلها 236خلال 80 عام تقريبا ؟ قال نعم .. كما تم بناء عدة مستشفيات ومستوصفات وعشرات الطرق والمجسرات والملاعب الرياضية والمتنزهات ومشاريع الماء وتقوية محطات الكهرباء ..ولي قريب في محافظة الناصرية قال تم انجاز اضعاف هذه المشاريع ومنها انشاء 6محطات كهرباء جديدة وكانت طيلة 80 عاما 4محطات فقط والان تغذي 4000 الاف قرية في الناصرية ناهيك عن مشاريع الماء والطرق والجسور والمدارس والمعاهد والجامعات وغيرها .قلت له انا في بغداد ولم اسمع من وسائل الاعلام الا بانجاز : مطار النجف .. مدينة البصرة الرياضية .. ملعب كربلاء ..مطار الناصرية . وبالنسبة لمحافظة بغداد تم انجاز مجمع مدينة بسماية السكني .. مجمع العدل السكني .. مجمع الكاظمية السكني .. مجمع بوابة العراق.. مشروع ماء الرصافة .. وبعض المولات … ولم اسمع بمشاريع الصحة والتربية والتعليم العالي والوزارات الاخرى وخاصة الخدمية !. فاين الاعلام من هذه المنجزات؟!. واكيد ان جميع المحافظات مثل : ديالى .. بابل .. واسط .. ميسان .. الديوانية.. كربلاء.. النجف ..كركوك فيها الكثير من هذه المشاريع عدا الرمادي والموصل وصلاح الدين كونها احتلت من قبل القاعدة وداعش وشهدت اعمال خراب ودمار وحرب وعدم استقرار حالت دون تنفيذ مشاريع فيها والان بدأت حملات اعمارها ؟. قال : المسؤولون يتحاشون التحدث عنها ويمنعون اعلام الوزارات من بثها ! .فالوزير الجديد لا يتحدث عنها حتى لا تحسب دعاية انتخابية للوزير الذي سبقه وكتلته ، وحين يباشر بانجازات ومشاريع سيقوم بتنفيذها يذكرها مقتضبة وعلى استحياء لانه يتوجب عليه ذكر مشاريع من سبقه!. وكذلك بالنسبة للمحافظين ومشاريعهم .وكل الهيكل الحكومي حيث ان الوزراء والمحافظين .. والطاقم الحكومي .. يتغيرون كل 4سنوات وفي كل مرة تكون الوزارة او المحافظة او المؤسسة من حصة كتلة جديدة !. ( ومن الحسد ما قتل . العرب يبدعون فحتى الحسد تحول من رذيلة فردية إلى رذيلة مؤّسساتية . الفرد الواثق من نفسه ومن مكانته لن يعيبه أبدا أن يرتقي الأخرون إلى أي .درجة . وهذا ينطبق على كل مظاهر الحياة وليس السياسةفقط.
طبعا هذه الحالة المرضية الفئوية الجهوية الانانية المستمرة معول هدم ينخر في كيان العملية السياسية ويسهم في عدم استقرار الاوضاع والتقدم نحو الافضل .وعليه يتوجب على الاعلام الوطني المحايد الذي تهمه مصلحة العراق العليا ان يتصدى لفساد المفسدين بحزم و للاعلام المعادي الذي يركز على ابراز السلبيات ويضخمها ويشيع بين الناس الخوف والخراب واليأس ؛ويحرض على الفوضى والاحتراب الداخي ، وبالقوة ذاتها عليه ان يأخذ عل عاتقه ابراز المنجزات والمشاريع الهادفة وينبه الى انجاز المشاريع الضرورية التي يجب تقديمها على غيرها دون ذكر المسؤولين وجهاتهم الفئوية والحزبية خدمة لسمعة العراق الذي صار وكأنه دولة عاطلة فاشلة .
ما اوردته انصافا للعراق الجديد ؛ وادانة لاعلام الوزارات؛ ولشبكة الاعلام الرسمية؛ ولاعلام مؤسسات المجتمع المدني بكل وسائلها التي اثبتت فشلها في وقت صار الاعلاميشكل 70%من قرارات الاشخاص حسب دراسة قدمتها جامعة هارفارد الامريكية مؤكدة ان 70 % من قرارات الاشخاص وسلوكهم مستوحى من وسائل الاعلام.