زوعا اورغ/ متابعات
البطريرك يونان: نحن في لبنان سنبقى ثابتين في هذا الوطن مهما تخلّف المسؤولون السياسيون فيه عن أداء واجباتهم الوطنية بخدمةٍ نزيهةٍ للشعب الجريح والمتألّم
احتفل البطريرك اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الأنطاكي، السبت، بالقداس الإلهي الحبري الرسمي بمناسبة عيد مار أفرام السرياني، شفيع الكنيسة السريانية ومعلم الكنيسة الجامعة، وذلك في كاتدرائية سيّدة البشارة، بالعاصمة اللبنانية بيروت.
وشارك في القداس لفيف من الأساقفة والكهنة والشمامسة، من مختلف الكنائس، والرهبان والراهبات والإكليريكيين، وحشد من المؤمنين من أبناء الرعايا السريانية في أبرشية بيروت البطريركية، ومن إرسالية العائلة المقدسة للنازحين العراقيين والسوريين في لبنان، وحشد من فعاليات الكنيسة وأصدقائها.
بعد الإنجيل المقدس، ألقى البطريرك يونان عظة تحدّث فيها عن مار أفرام، شفيع الكنيسة السريانيّة ومعلم الكنيسة الجامعة. وقال إنّه “كنّارة الروح القدس، وكوكب الكنيسة، والناسك القديس، ومخزن الفضائل والصالحات، والراهب المثال في التكرّس والصوم والصلاة، يتنسّك ويرشد ويعلّم، فيفيض المواهب الإلهيّة أمام المؤمنين. وكان رائدًا، فألّف جوقة تراتيل من الفتيات، واقتدت به الكنيسة شرقًا وغربًا”.
وتأمّل غبطته بمار أفرام “الروحاني المتعمّق في الكتاب المقدس، وقد أشبع أسفاره درسًا وتفسيرًا، حتّى قيل إنّه لو فُقِدت نُسَخُ الكتاب المقدس بالسريانيّة، لاستطعنا جمعها ثانية من مؤلّفات مار أفرام وتفاسيره. إنّه ملفان البيعة الجامعة وعامودها، أغنى الكنيسة بالكتابات والأشعار والأناشيد، وهو الشاعر الملهَم والمُتيّم بمديح العذراء مريم، والمدافع الصلب عن إيمان الكنيسة وعقائدها، والعاشق للغة السريانية، لغة الرب يسوع ووالدته العذراء مريم ورسله”، منوهًا إلى أنّه “لأهمّية تعاليم مار أفرام وتأثيرها في حياة الكنيسة والمؤمنين، أعلنه قداسة البابا بندكتس الخامس عشر عام 1920 معلمًا للكنيسة الجامعة.
كما أشار إلى إنّه “الشمّاس الخادم المكرَّس الذي يتحسّس بأوضاع المؤمنين. وبعد أن أسّس مدرسة نصيبين، أسّس مدرسةً أخرى في الرها كانت مقرًا للعلوم والمعارف. وعندما حلّت المجاعة في هذه المدينة ومات عددٌ كبيرٌ من أهلها، راح مار أفرام يطوف منازل الأغنياء ويحثّهم على عمل الرحمة، جامعًا الصدقات وموزّعًا إيّاها على الفقراء. وإثر الجوع، انتشر وباء الطاعون، فراح مار أفرام يعتني بالمرضى ويشجّعهم، حتّى أصيب بالمرض، واحتمل الآلام صابراً، إلى أن فاضت روحه عابقةً برائحة القداسة. إنّه وبحقّ شمس السريان اللامع الذي يضيء الدرب أمامهم، بل أمام الكنيسة بأسرها في كلّ جيل”.
ولفت إلى أنّ “الرب يسوع يدعونا في إنجيله اليوم إلى الثبات والإتّحاد به، كما تتّحد الأغصان بالكرمة وتزهر ثمارًا يانعة. هكذا نحن، إن ثبتنا بالرب، نزهر بالمحبّة والفضيلة، فنشعّ بنور تلاميذ المسيح… فنحن الذين آمنّا به، نتّكل عليه، ولا نستطيع أن نصنع الخير والصلاح من دونه. وبالثبات به، نثمر ثمار الأعمال الصالحة والحياة المسيحية البارّة، فنكون تلاميذ حقيقيين للمعلّم الصالح الذي بذل ذاته من أجلنا. لقد ثبتنا بالرب، إذ بالمعمودية أصبحنا هيكلاً له، فيه يسكن، وبالإفخارستيا، سرّ المحبّة الإلهية، اتّحدنا بفادينا الإلهي اتّحاداً نغذّيه بتسليم ذواتنا له، عاملين بوصاياه، إذ لا نستطيع أن ننفصل عنه أبدًا”.
وأكّد على أهمّية “أن نبقى أمناء لكلام الرب يسوع وتعاليمه ونعمته التي حلّت فينا. فنشهد له في حياتنا، في كلامنا، وفي مَثَلِنَا الصالح. لقد كان آباؤنا السريان، ومار أفرام في طليعتهم، روحانيين وواقعيين متبصّرين، أدركوا أنّ المسيحية روح وحياة. فثبتوا بالرب، وكانوا قوّةً تسند الكنيسة رغم كلّ التجارب والضيقات والإضطهادات. ونحن مدعوون اليومَ على غرارهم كي نبقى ثابتين بالرب يسوع رغم كلّ ما نعيشه من المحن والأزمات والتحدّيات والنكبات. نتبع الرب وعيوننا شاخصة إليه، كي ننال لنا وللآخرين نِعَم الخلاص، واثقين بوعده الدائم لنا أنّه في وسط الكنيسة فلن تتزعزع أبداً”.
وأشار إلى أنّنا “سنبقى ثابتين في كنيستنا، نغرف من كنوزها في مسيرتنا الأرضية. نعيش الشركة الروحية بالمشاركة الفاعلة وروح الإرسالية، لا سيّما ونحن نعيش هذه المسيرة السينودسية مع إخوتنا المؤمنين في الكنيسة على امتداد المعمورة، فنستعدّ للسينودس الروماني الذي سيُعقَد برئاسة قداسة البابا فرنسيس في العالم المقبل”، مشدّدًا على أنّنا “نحن في لبنان سنبقى ثابتين في هذا الوطن مهما تخلّف المسؤولون السياسيون فيه عن أداء واجباتهم الوطنية بخدمةٍ نزيهةٍ للشعب الجريح والمتألّم، الذي أضحى عرضةً للخوف واليأس من المستقبل، ولم يجد الكثيرون سوى الهجرة سبيلاً لهم، لا سيّما في صفوف الشباب والطاقات المنتجة”.
كما تناول البطريرك يونان في عظته الأوضاع الراهنة في لبنان، مذكّرًا “بأهمّية متابعة التحقيق بشفافية في قضية تفجير مرفأ بيروت، ووجوب قيام الحكومة بالإصلاحات اللازمة للنهوض بالبلاد من قعر الهاوية، ومساءلة المسؤولين عن سرقة ودائع الناس في المصارف ومحاسبتهم، والتأكيد على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية في مواعيدها الدستورية، والتشديد على مشاركة جميع المواطنين في الاستحقاق الإنتخابي، لإنتاج سلطة جديدة تحكم بالعدل والحقّ، وتعيد البلد إلى سابق عهده من التقدّم والازدهار”.
وختم بطريرك السريان الكاثوليك عظته طالبًا من الله “أن ينير قلوب المسؤولين وعقولهم في بلادنا وفي الشرق والعالم، كي يعملوا على تحقيق خير الأوطان والعيش الكريم للمواطنين”، كما “تضرّع أن ينشر سلامه وأمانه في كلّ مكان، فتنتهي الحروب والفتن، وتزول الأحقاد والضغائن، ويحلّ السلام والأمان، وتسود المحبّة والألفة، ولاسيّما من أجل انتهاء الحرب في أوكرانيا، وعودة السلام إلى هذا البلد وجيرانه”.
وبعد البركة الختامية، تقبّل البطريرك يونان التهاني من الإكليروس والمؤمنين.