زوعا اورغ/ اعلام البطريركية
العدد 291/ 2019
عيد القيامة 2019
بنعمة الله
إغناطيوس أفرام الثاني
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق
الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم أجمع
أبناءنا الروحيين الأعزاء في جميع أنحاء العالم
حفظتهم العناية الربانية
“لماذا تطلُبنَ الحَيَّ بَينَ الأمواتِ؟” (لو 24: 5)
ما الموت في المسيحية نهايةً؛ لكنّ الإيمان بالمسيح يسوع الذي هو “الطريق والحقّ والحياة” (يو 14: 6) يطرد فكر العدم والنهاية والزوال والموت من قلب الإنسان المؤمن ويملؤه رجاءً وسلامًا وفرحًا تامًّا. بتجسّده، أغلق الربّ يسوع هوّةً أوجدها تمرّد آدم وعدم طاعته، ليبدأ عهدًا جديدًا تتجدّد فيه علاقة الله بالإنسان، ويُخلق فيه الإنسانُ جديدًا، لأنّه “إنْ كانَ أحَدٌ في المَسيحِ فهو خَليقَةٌ جديدَةٌ: الأشياءُ العتيقَةُ قد مَضَتْ، هوذا الكُلُّ قد صارَ جديدًا” (2 كور 5: 17).
بموته، أكمل الربّ يسوع الطاعة حتى الموت، موت الصليب (راجع فيليبي 2: 8) ليعيد آدم المتمرّد إلى حالته الأولى، كما يقول ملفان الكنيسة مار يعقوب السروجي (521+): “ܠܡܳܪܰܢ ܩܰܒܪܐ ܘܠܳܐܕܳܡ ܓܰܢܬܐ ܕܡܰܠܝܐ ܚܰܝ̈ܶܐ܆ ܚܰܣܝܐ ܒܰܫܝܽܘܠ ܘܚܰܝܳܒ ܡܰܘܬܐ ܒܶܝܬ ܐܺܝ̈ܠܳܢܶܐ” “، أي: “لربّنا القبرُ ولآدم الجنّةُ المليئةُ بالحياة، البارُّ في الهاوية والمستوجبُ الموت (يتنعّم) بين الأشجار”. وبهذا، بدت لنا ظاهرةً أنّه “هكذا أحَبَّ اللهُ العالَمَ حتَّى بَذَلَ ابنَهُ الوَحيدَ، لكَيْ لا يَهلِكَ كُلُّ مَنْ يؤمِنُ بهِ، بل تكونُ لهُ الحياةُ الأبديَّةُ” (يو 3: 16). حقًّا، “إنْ لم يَكُنِ المَسيحُ قد قامَ، فباطِلَةٌ كِرازَتُنا وباطِلٌ أيضًا إيمانُكُمْ” (1 كور 15: 14)، وأمّا الآن، فإنّ نهاية الموت بالقيامة تمّت وعاد الإنسان إلى حضن الآب بالمصالحة الكاملة والمسالمة الأبديّة بين الخليقة وباريها.
يحاول العالم، بمغرياته ومتغيّراته، اجتذاب فكر الإنسان وإعماء ذهنه ليحيدَ عن الإيمان ويفقدَ الرجاء فيغرقَ في الحيرة والخوف واليأس وينسى أنّ له بالقيامة منزلةً كبيرةً لدى الله بل انتصارًا مجيدًا على إله هذا الدهر.
يُخبرنا الإنجيلي لوقا البشير أنّ حاملات الحنوط كنّ محتاراتٍ، خائفاتٍ، ومنكَّساتِ الوجوه إذ وجدنَ القبرَ فارغًا ولم يجدن جسد الربّ يسوع (را لو 24: 4-5). أمّا نحن، أبناء القيامة، فنأبى الخضوع لليأس والخوف، لأنّنا نؤمن بأنّ ربّنا “ليس هو ههنا [في القبر] لكنَّهُ قامَ” (لو 24: 5)، ونعرف أين نجده. ملؤنا الإيمان بأنّه يضع فينا اليقين بدل الحيرة، والطمأنينة بدل الخوف، ويرفع رؤوسنا ووجوهنا كالبنين، ويدحرج من أمامنا كلّ حجرٍ تعيقنا من التقدّم نحوه والاتّحاد به. فوسط الحروب والمعاناة والألم، يشعّ نور القيامة العظيم، ماحيًا الحزن والهمّ ومُظهِرًا لنا دربًا نسلكه، ليس بهوانٍ وكسلٍ، ولكن بثباتٍ وعزمٍ وقوّة. وسط هجرةٍ أثقلت حملنا، نحمل من هذا المشرق نير المسيح الخفيف والقائم من الموت، وبشارة إنجيله حيثما نكون ولجميع مَنْ نلقى. ننظر إلى المستقبل، متّكلين على الله الذي قهر الموت وأعطانا الغلبة، مزيلاً منّا الخوف ومثبّتًا خطواتنا نحو العلا فنرتفعَ بالروح ونسمو حتّى نبلغَ فرحَ القيامة، ومطمئنًا إيّانا على مصير مطرانَي حلب المخطوفَين بولس يازجي ومار غريغوريوس يوحنا ابراهيم ومالئًا قلوبنا رجاءً بعودتهما، لكي نظلّ شاخصين إليه، هو الجالس بمجدٍ عن يمين أبيه، ومنه نستمدّ قوّتنا ورجاءنا. بذلك، نُظهر أنّنا نعلم علم اليقين أنّ مخلّصنا حيٌّ (را أي 19: 25) فلا نطلب “الحيّ بين الأموات” (را لو 24: 5).
في هذا العيد المبارك، عيد قيامة ربّنا يسوع المسيح من بين الأموات، نرفع صلواتنا إلى الربّ الإله سائلين لكم جميعًا أن يفيض عليكم بنعمه الكثيرة لتتمتّعوا بأفراح القيامة على الدوام مسبّحين الله الحيّ دون انقطاع وسط كنيسته المجيدة.
المسيح قام… حقًّا قام!