نيسان بيغازي
12 / 9 / 2018
السياسة وبابسط معانيها هي برنامج عمل حكومي يتضمن مجموعة قرارات وقواعد تتخذ وفق مقاييس اخلاقية ملزمة بتطبيقها الحكومة لتنظيم الحياة في المجتمع بما يتناسب مع حاجاته والحفاظ على حقوقه وتحسين معيشته من واقع معاش الى واقع منشود افضل ، والظاهر ان الاحزاب السياسية التي نشأت في العراق طوال ما يقارب القرن لم تستمد مبادئها من واقع الجماهير ولا تتفق مع متطلبات وحاجات الوطن بحيث تبدو هذه الاحزاب مجموعات وكتل جزافية متصارعة ذات نظريات عامة خاضعة لصفقات وبعيدة عن الاهداف الشعبية غايتها السلطة والجاه لتبدأ بعدها بممارسة ظلمها العادل على شعبها ولاتخدمه بقدر ما يجب على الشعب خدمتها ، ولهذا نرى ان الشعب العراقي في حالة احباط دائم وعيش مر لا تقبل عيشه الحيوانات، وهذا يعود الى العقد المتوارثة والامراض السياسية ذات السلوكيات الشاذة تمارس على ارض الواقع منذ تشكيل اول حكومة عراقية في عام 1921 ولا تزال مستمرة ومنها :
1 – عقدة الاستعلاء والتسيد : وهي الصفة الغالبة للساسة الذين يشعرون بالدونية هربا من الصعوبات التي يواجهونها لانه ليس بمقدورهم تادية واجب افضل من شخص اخر يعتمد على حسناته وفضائله الذاتية ولهذا نراه يحاول تخريب كل شيئ للحفاظ على حالة التفوق التي هو عليها باعتباره منزلا وليس خادما مطيعا لشعبه.
2 – العناد السلبي المبني على قرارات بعيدة عن الحقائق قائمة على النزعة العدوانية وبدون حجة تذكر ويبقى منغلقا في وجه الحلول والبدائل .
3 – الغرور : وهو سلوك مصدره الشعور بالنقص وليس ثقة بالنفس.
4 – اللتلتة : او الثرثرة او الكلام المجاني الذي لا طائل تحته وبعيد عن الموضوعية .
5 – الدجل السياسي المنمق : الذي يهدف لاقناع الشعب بهدف اخضاعه للامر الواقع وهظم حقوقه وتمرير اجندة حزبية وديمومتها.
عليه فان السياسة ليست بالفن الممكن كما يحلو لسياسيينا تفسيرها بحسب مزاجهم بهدف تبرير تمرير اجندتهم الحزبية بكل الوسائل المتاحة للتسلق الى جنة السلطة وتحقيق المكاسب والمغانم . بل هي فن التعامل مع الاحداث بما ينفع الصالح العام ، وفي التجربةالعراقية بعد عام 2003 توسم الشعب خيرا بهذه العملية التي جاءت تبشر بالديمقراطية والعدالة كنظام سياسي معتمد بعد الخلاص من الانظمة الدكتاتورية التي سادت في البلاد لسنوات طوال ، لكن من خلال تجارب لثلاث ممارسات للعملية السياسية الجديدة خيبت آمال وتطلعات الشعب العراقي لفقدانها لعنصرين مهمين يجب ان ترتكز عليهما هذه العملية وهما :
1 – الانتخابات : كوسيلة سلمية لتداول السلطة في الانظمة الديمقراطية الحقة التي انجبت الانتخابات لكي يختار الشعب ممثليه ليمارسون السلطة نيابة عنه باعتبارها مقياسا لمستوى الادراك والوعي لدى الجماهير واختبار لحالة النضج في الرأي العام وهي الاداة التي تمنع الاستبداد والتسلط الفردي وتبعد الانظمة الفاسدة التي سأم منها الشعب وقادته الى الحضيض بالاضافة الى كون المساهمة فيها تقديس لتضحيات الشعب التي لا يخلو منها بيت عراقي.
2 – المعارضة : وهي الجانب الثاني من المعادلة الديمقراطية لانها التعبير عن وجود السياسة بعينها فلا سياسىة دون معارضة ولا معارضة بدون وجود سياسة ومفهوم المعارضة في النظم الديمقراطية ليست اداة ثورة او انقلاب على الحكومة بقدر ماهي مراقب لعملها وتقويمه ومحاسبتها في حال التقصير ولا يمكن ان يكتمل النظام السياسي الديمقراطي بغير المعارضة الايجابية ولا يمكن ان تستقيم الامور في ظل نظام حكم يدعي الديمقراطية بدون معارضة . وكان لقبول كل الاحزاب بنظام المحاصصة الشاذ والغير المحددة لدورة اودورتين انتخابيتين مثلا سبب في عدم ظهور المعارضة عليه فان الديمقراطية المعتمدة حاليا تحولت الى وسيلة قهر لممارسة الاكثرية على من هم دونها عددا لان الانقسام السياسي هو انقسام طائفي – عرقي – مذهبي مما تسبب خللا في التنفيذ والتطبيق العملي في ظل الهيمنة العددية التي ترغم للقيام بخيارات مؤلمة .
ولهذا ارغم الشعب العراقي من قبل الاحزاب الحاكمة الى خيار العزوف عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية في دورتها الرابعة بنسبة كبيرة ليوم 12/5/2018 بهدف تقويم مسار العملية السياسية العوجاء والتبني لكل ما يساهم ايجابيا في حماية وحدة الوطن وهويته التاريخية وما يحقق طموحات المواطنين الشرعية فكانت صرخة اعتراض على كل ماهو خارج عن الوعي الوطني وخيبةامل للسياسيين المتبارين للفوز بوليمة الدم العراقي ونهب الوطن وخرقا للصمت من اجل الكف عن تهشيم الوطن وتدمير المواطن وتعطيل قدراته ونهب خيراته كما اثبتت ايضا بوجود شعب يتطلع الى برنامج وطني يتعامل بالهوية العراقية التي هي القوة في تماسك مكونات الشعب والامل في عودة الحياة الى جسد الوطن المطعون وان التخلي عن هذه المفاهيم معناه التعامل الفوقي مع الجماهير والتسابق على جرثمة التحزبية والفئوية التي تؤدي دائما الى التفتيت والضياع على حساب الهوية العراقية التي لابد ان تكون محورا لمشروع وطني كبير يشارك فيه الجميع خدمة للوطن وليس لمصلحة هذه الجهة الحزبية اوتلك الهوية الفرعية لان في ذلك تمزيق لثوابت وطنية مقدسة ، وما تاخير عملية التغيير طوال خمسة عشرة سنة الماضية الا بسبب تعثرها في عجلة الولاءات الحزبية والخطابات الفئوية التي لا تملك غير اللجوء الى الثرثرة العقيمة البعيدة عن الموضوعية وتتوهم انها في دائرة الاهتمام والمتابعة وتعيش في حالة فقدان الوعي ونوم الضمير لتستيقظ لديها مشاعرالرغبة الجامحة في الانتقام وخلق الفوضى.
ان عدم صدق النوايا المستشري حاليا بين الاطراف المتصارعة في نضال تنازع البقاء وعدم الاعتدال في تحقيق المطالب التي لا يمكن الواحد نكرانها على الاخر ثم عدم الايمان والقناعة بالحوار الايجابي المؤدي الى التقارب والتفاهم الذي لا مفر منه اطلاقا والاستمرار في تحوير مسار العمل في نهج الديمقراطية الحقة الى مفهوم ( الديموخراطية ) هذه كلها مؤشرات لا تقبل الشك للاستمرار بتخريب البلاد بوتيرة اكبر مما جرى التخريب فيها وعندئذ يكون حاضر الوطن في يد القدر ومستقبله في وجه الطوفان لان ما تفرزه المراحل القادمة حبلى تاتي بكل عجيب وغريب في ظل البيئة الحاليةالموبوؤة بالفساد المستشري وانعدام القانون الذي يزهق الباطل والعدل الذي يوقف الجرم الانساني عند حده والتسابق نحو حلول معلبة من الخارج هذه كلها دلالات على اواخر ايام دولة يقترب الوطن فيها من الاضمحلال ويلازم شعبه الزوال .
وصدق من قال :ان المعضلة ليست في ظلم الاشرار بل في صمت الاخيار
فهل سيتحرر اخيار العراق من صمتهم المطبق ليعيدوا عملية تقييم واقع المكونات وتلاوين البيت العراقي كونها من الاولويات المطلوبة بالحاح لتفهم الحالة العراقية التعددية المنسية لدى سياسيينا ليتسنى للجميع البدء بالعمل والبناء والتطوير ؟؟