حميد الموسوي
أيها الميتون صبرا.. ايها المبتلون بطغاة الامس وفاسدي اليوم ..ايها المنتفضون قهرا وثأرا : لا تخدعوا بمصاحف ابن العاص؛ ولا تندفعوا خلف شقشقة الجمل . لا تكتفوا بوعود بائسة وحلول ترقيعية ..لتكن مطالبكم بحجم معاناتكم .طالبوا بتصحيح وتعديل الدستور ..طالبوا بنظام رئاسي والا فستبقى الاحزاب المتناحرة جاثمة على صدوركم .. مستأثرة بثروات البلد لتحقيق منافعها الحزبية وملذات اعضائها الشخصية وستبقون تستجدون منها ومضات ضوء و قطرات ماء وفرصة عمل بائسة .
البصرة .. مع انها سلة العراق من الرز والحنطة والشعير ومعظم الحبوب والفواكه والثمار والتمور ؛مع انها ثغر العراق واطلالته وبوابته البحرية الوحيدة على العالم ؛مع انها منبع الثروة الوطنية من النفط والمعادن ؛مع انها بركان الثورات والانتفاضات بوجه المحتلين والطواغيت ؛ومع انها ام الشهداء الابرار.. مع كل ذلك وغيره فقد كانت ضحية كل ظلم وطغيان وجور واستبداد واهمال جميع حكام العراق منذ تأسسيه وحتى اليوم .البصرة التي سميت بندقية العرب لكثرة ما فيها من السواقي والجداول والانهار تعاني العطش والظلم والظلام والبطالة وانعدام ابسط مقومات العيش الكريم. وليست البصرة وحدها بل هذا واقع كل محافظات الجنوب العراقي : الناصرية؛ السماوة؛ ميسان؛ واسط. ومعها محافظات الفرات الاوسط :الديوانية؛ النجف؛ كربلاء؛ بابل .
وحتى لا نذهب بعيدا فلنكتفي بحكومات العراق الحديث الذي تأسس بدخول القوات البريطانية عام 1917حيث دفعت محافظات الجنوب ثمنا باهضا كونها الوحيدة التي تصدت للاحتلال البريطاني وحالت دون وصوله الى بغداد من 1914 الى 1917 .اذ اهملتها الحكومة الملكية التي نصبها الانكليز باشراف المندوب السامي البريطاني فحرمت من التعليم ومن الخدمات الصحية والعمرانية والحضارية وابعد سكانها عن ابسط الوظائف الحكومية المدنية والعسكرية ،وسلط على رقاب ابنائها نظام اقطاعي فظ متعجرف بغيظ استحوذ على مجمل الاراضي الزراعية واحال سكانها الى فلاحين رقيق لا يملكون قوت يومهم ؛وعمد الى نشر التخلف والعادات البالية وبث الفرقة بين عشائرهم وشجع على التناحر والتباغظ والثأر. استمرت هذه الاحوال البائسة النكدة اكثر من اربعين عاما حتى عام 1958حيث استبشر العراقيون جميعا بانبثاق عهد جمهوري جديد يطلق الحريات وينصف المظلومين ويستثمر الثروات بشكل عادل .وللمرة الاولى شعرت محافظات الجنوب بشيء من الانصاف وخاصة حين اصدرت حكومة الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم قانون الاصلاح الزراعي الذي قضى بسحب يد الاقطاعيين عن الاراضي وتوزيعها بشكل منصف على الفلاحين ؛ وتم انشاء مدارس ابتدائية وثانوية ومعاهد. وبنيت العديد من المستشفيات والمستوصفات والعيادات الطبية المتنقلة. واقيمت عشرات المصانع والمعامل والورش الانتاجية .. وتم قبول ابناء الجنوب في الكليات المدنية والعسكرية وفي جميع الوظائف اسوة باقرانهم من المحافظات الاخرى . الا ان هذه الحال لم تدم طويلا ؛فبعد اربع سنوات ونصف فقط انقلب البعثيون على الحكم الجمهوري سنة 1963وقتلوا الزعيم الوطني الشهيد عبد الكريم قاسم وجميع الضباط الاحرار واشاعوا الفوضى والخراب والدمار وسفكوا الدماء على الشبهة والتهمة والظن حتى انقلب عليهم عبد السلام عارف سنة 1964والذي قتل هو الاخر بعد سنتين من حكمه الطائفي الذي اهمل تلك المحافظات وناصب اهلها العداء ليتسلم الحكومة اخوه عبد الرحمن عارف سنة 1966 والذي سلم الحكم للبعثيين من جديد سنة 1968 لتبدأ اسوئ مرحلة في تاريخ العراق الحديث دفعت محافظات الجنوب الحصة الاكبر اهمالا وحرمانا من ابسط الحقوق؛ وتخلفا وخرابا وضحايا ؛ ضحايا حروب عبثية مستمرة.. ضحايا مقابر جماعية .. ضحايا حصار قاس مقصود ؛ضحايا سجون وزنازين ومعتقلات ؛ ضحايا تهجير وتشريد وملاحقة؛استمر هذا الفصل الكارثي مدة خمسة وثلاثين عاما .وطيلة تلك السنين كانت المحافظات الجنوبية المنكوبة تدار من قبل حاكم عسكري يسمى محافظا ،هذا المحافظ وكل طاقمه الاداري الى ابسط موظف لم يكونوا من اهلها بل يختارون من بغداد ومن المحافظات الغربية وليس بينهم من سكان المحافظة الا عامل الخدمات وبعض الشرطة!!.حتى اذا اسقط صنم التسلط الصدامي عام 2003 واعيد تصحيح المعادلة الظالمة عاد الامل كبيرا في نظر سكان الجنوب المحروم كون المحافظ ومجلس المحافظة والمجلس البلدي والموظفون هم من سكان المحافظة نفسها ؛اكثر من ذلك ان رئاسة الوزراء وعددا من الوزارات السيادية وغير السيادية تعود لهم .لكن حالهم صارت اسوئ واتعس كحال اهل البيت عليهم السلام مع الامويين والعباسيين !!!.
وظلم ذوي القربى اشدُّ مضاضةً على المرئ من وقع الحسام المهندِ
خمسة عشر عاما من عمر التغيير مرت ..تعاقب على حكم محافظات الجنوب حزب الدعوة والتيار الصدري والمجلس الاعلى وحزب الفضيلة ..محافظون ومجالس محافظات ومجالس بلدية ..خمسة عشر عاما لم تعالج معاناة المحرومين الازلية المتمثلة بسوء الخدمات وشحة المياه وقلة المستشفيات والمدارس وسوء محطات تجهيز الكهرباء؛ وتفشي البطالة والعوز والفاقة . انشغل الحاكمون الجدد بترتيب اوضاعهم العائلية وتضخيم ثرواتهم ..انشغلوا بمصالح احزابهم الفئوية .. فسد اكثرهم ..خان معظمهم الامانة واساؤوا الاداء الوظيفي .. تنمروا على اهلهم الذين اوصلوهم الى البرلمان والى الحكم . لم يكتفوا.. لم يعتذروا ..لم يتراجعوا .. لم يصلحوا ما افسدوا ؛وكل لاحق يلقي اللوم على السابق .وكلما دخلت امة لعنت اختها ..تنافس محموم بين الاحزاب الاربعة .. تسقيط مستمر متناوب متبادل .. تخريب من قبل الاحزاب لكل مشروع يقدم على انشائه الحزب الاخر حتى لا يسجل المشروع كسبا سياسيا للحزب الذي انجزه ..والضحية هم سكان تلك المحافظات التي اوصلتهم للبرلمان والحكومة وجربتهم تباعا فحصدت الخيبة والخذلان والخسران .وستبقى الحال كما هي عليه – ومهما تبدلت الوجوه وتغيرت العناوين والشعارات؛ وبرغم العلاجات الترقيعية والحقن المورفينية – ستكون الحال من سيئ الى اسوئ مادام الحكم يسير وفق النظام البرلماني والمحاصصة المناطقية والفئوية .