زوعا اورغ/ NRT
شهد هذا الأسبوع، استفتاءين على الاستقلال في كل من إقليم كردستان بالعراق، وإقليم كتالونيا بإسبانيا، أملا بأن تضافان كبلدين مستقلين على خارطة العالم الذي يعاد رسم خرائطه مع كل مرة تتأسس فيها دولة جديدة.
حيث بدأ إقليم كتالونيا التصويت على استفتاء بالاستقلال، اليوم الأحد، في ثاني تصويت على الاستقلال في أسبوع واحد فقط، إذ أجرى الكرد العراقيون استفتاءهم على الاستقلال يوم الإثنين، وصوت الناس على الانفصال بالفعل عن العراق بموافقة بلغت نسبتها 93%.
ولكن على مدى ربع القرن الماضي، لم يكن هناك سوى تسعة بلدان جديدة تأسست من أصل 200 بلد تقريباً. وقد أنتجت تجارب هذه البلدان بعض الدروس المستفادة التي يمكن للآخرين الاعتماد عليها، بحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، نشر السبت (30 أيلول 2017).
ـ جنوب السودان
أعلن جنوب السودان استقلاله عن السودان، في 9 تموز 2011، بعد حرب عنيفة دامت لعقود من الزمان، مع الشمال الذي ينحدر من أصول عربية. وقد أيد نحو 99% من الناخبين الاستقلال من خلال ذلك الاستفتاء، واعترف المجتمع الدولي بسرعة بالبلد الجديد. ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة قد لعبت دوراً رئيسياً في رحلة جنوب السودان إلى الاستقلال وإقامة دولته.
ـ كوسوفو
أعلن إقليم كوسوفو استقلاله عن صربيا، في 17 شباط عام 2008. وكانت الدولة تدار من قبل الأمم المتحدة منذ عام 1999، عندما قصف الناتو صربيا وأجبر الرئيس سلوبودان ميلوسيفيتش آنذاك على سحب قواته من المقاطعة المقسمة عرقياً.
ـ الجبل الأسود وصربيا
تكونت الدولة الموحَّدة التي ضمت كلاً من جمهورية صربيا والجبل الأسود بعد انهيار جمهورية يوغسلافيا الاشتراكية الاتحادية في عام 1991، وسُميت جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية. ثم تحولت إلى اتحاد صربيا ومونتينيغرو في عام 2003، وأخيراً لدولتين منفصلتين، هما صربيا والجبل الأسود في عام 2006.
وكان الجبل الأسود هو من أنهى هذه العلاقة في نهاية المطاف، وذلك من خلال إجراء استفتاء، في 21 أيار عام 2006، إذ وُجد أن ما يزيد قليلاً على نسبة 55% يرغبون في إنهاء علاقتهم مع صربيا. وفي 3 حزيران، أعلن الجبل الأسود الاستقلال. وبعد بضعة أيام، حذت صربيا حذوه.
ـ تيمور الشرقية
تجدر الإشارة إلى أن تيمور الشرقية حقَّقت استقلالها، في 20 أيار عام 2002، بيد أن البلاد صوَّتت بالفعل لصالح الاستقلال قبل سنوات، عندما تم التصويت بالرفض القاطع لاقتراح “الحكم الذاتي الخاص” داخل إندونيسيا. انتشرت بعد هذا الاستفتاء أعمال عنف وحشي في المنطقة، مع ميليشيات موالية لإندونيسيا كانت تهاجم المواطنين، والتي قادت إلى نشر قوات خاصة تابعة للأمم المتحدة في البلاد.
ـ بالاو
تعتبر بالاو جغرافيا جزءاً من مجموعة جزر ميكرونيزيا الكبرى في غرب المحيط الهادئ، وهو البلد الأقل سكاناً في هذه القائمة، حيث يعيش هناك ما يزيد قليلاً عن 21 ألف نسمة، موزعين على نحو 250 جزيرة. وقد أصبحت مستقلة في الأول من تشرين الأول عام 1994، بعد 15 عاماً من قرارها بعدم الانضمام إلى ميكرونيزيا، بسبب الاختلافات الثقافية واللغوية.
ـ إريتريا
أنشأت الأمم المتحدة إريتريا كمنطقة مستقلة داخل الاتحاد الإثيوبي في عام 1952. ومع ذلك، عندما أدمجت إثيوبيا المنطقة إبان حكم الإمبراطور هيلا سيلاسي في عام 1962، اندلعت حرب أهلية استمرت 30 عاماً. وفي عام 1991، أطاحت جبهة التحرير الشعبية الإريترية بالقوات الإثيوبية، وفي 27 نيسان لعام 1993، أعلنت البلاد استقلالها من خلال استفتاء تم إجراؤه.
ـ جمهوريتا التشيك وسلوفاكيا
في الأول من كانون الثاني عام 1993، حل برلمان تشيكوسلوفاكيا إلى بلدين مستقلين وهما: الجمهورية التشيكية وسلوفاكيا. جاء التفكك والذي سُمي بـ”الطلاق المخملي” بعد “الثورة المخملية”، التي أنهت الحكم الشيوعي ذا الحزب الواحد.
ما الدروس التي يمكن تعلمها من تلك التجارب؟
أشار تقرير “واشنطن بوست” إلى أنه لم يكن هناك طريق سهل للاستقلال في السنوات الأخيرة. من بين الدول التسع المذكورة أعلاه، جاء تأسيس أربع دول منها كنتيجة مباشرة للحرب الأهلية. والخمس الأخرى كانت نتيجة لانهيار الشيوعية في أوروبا، وهي نقاط تحول تاريخية وفريدة من نوعها أدت إلى كل أنواع الاضطرابات. ولا يزال عدد من تلك الدول مضطرباً: أطلق على إريتريا اسم “كوريا الشمالية الإفريقية”.
في حين تمتعت بلدان مثل جنوب السودان وكوسوفو بوجود داعمين دوليين كبار لمساعيها للاستقلال كالولايات المتحدة الأميركية، وهو أمر تفتقده كلٌّ من كاتالونيا وكردستان العراق. وحتى ذلك الحين، كانت جميع مساعيها نحو الاستقلال فاشلة. في حين لا تزال كوسوفو تفتقر إلى الاعتراف من عدد من الدول، ولم تقدم طلباً لعضوية الأمم المتحدة بعد، كما أن اقتصادها لا يزال متخلفاً. ولا يزال جنوب السودان يعاني من العنف العرقي والمجاعات.
بالإضافة إلى أن تجارب الاستقلال الناجحة أيضاً لها عيوب واضحة. على سبيل المثال انضم الجبل الأسود إلى حلف الناتو، ويأمل الآن في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن في العام الماضي وقعت محاولة للانقلاب، بالإضافة إلى وجود مزاعم تتعلق بالفساد منذ فترة طويلة. بعد أكثر من عقدين من الاستقلال، أنشأت الجمهورية التشيكية رسمياً اسماً جديداً، هو التشيك، بعد نقاش داخلي مرير حول عدم الاعتراف الدولي.
ولكن ليس فقط الكتالونيون أو الكرد العراقيون هم من يجب عليهم دراسة التاريخ- يجب أيضاً على القادة الإسبان في مدريد والقادة العراقيين في بغداد أن يولوا مزيداً من الاهتمام لهذه القضية أيضاً. وفي كثير من الحالات المذكورة أعلاه، يستغرق الأمر عقوداً من الزمان كي تصل المطالبة بالاستقلال إلى نقطة تحول فعلية، فقد أثبتت التجارب أنه بمجرد خروج العفريت من الزجاجة، فإنه يصعب إعادته مرة أخرى.