د.عبدالخالق حسين
هناك عدة أسباب تجعلنا نعتقد بأن التهمة الموجهة للنظام السوري باستخدام السلاح الكيمياوي ضد المعارضة هي ملفقة من قبل إدارة دونالد الترامب، وحلفائها، والأسباب هي:
1- من غير المعقول أن يقوم النظام السوري باستخدام الكيمياوي ضد المعارضة وهو على وشك النصر النهائي، والحرب على وشك الانتهاء. وفعلاً تحقق هذا النصر حسب تقرير بي بي سي اليوم 12/4/2018 : (القوات السورية “تسيطر على الغوطة الشرقية بالكامل وترفع العلم في دوما”(1).
2- ولماذا تعطي الحكومة السورية ذريعة لأمريكا بالتدخل المباشر خاصة وهي تعرف من تجربتها السابقة أن أمريكا ستستغل هذه الحجة للتدخل المباشر وإجهاض النصر.
3- وكما قال المندوب السوري في مجلس الأمن الدولي، السيد بشار الجعفري: (الغريب ان المواد الكيميائية المزعومة لا تصيب المسلحين بل تستهدف الاطفال والنساء فقط!!)(2). والملاحظ أن ترامب يسكب دموع التماسيح على أطفال دوما في مسرحية هزيلة ومفضوحة، بينما لم يحرك ساكناً إزاء ألوف الأطفال الذين يموتون في اليمن عن طريق القوات السعودية وبالأسلحة والطائرات الأمريكية وبمباركة أمريكا ورئيسها ترامب.
4- لماذا رفضت أمريكا تشكيل لجنة من الخبراء المستقلين للتحقيق في حقيقة استخدام الكيمايوي، وأصرت أن بلادها ستتدخل بغض النظر عن موقف مجلس الأمن الدولي؟
5- قبل عدة أسابيع هددت فرنسا بأنها ستتدخل إذا ما استخدم النظام السوري الكيمياوي ضد المعارضة، وهذا يعني أنهم كانوا يهيئون المناخ لهذا التدخل، والآن لفقوا هذه التهمة لتبرير تدخلهم.
ومن كل ما تقدم، نرى أن الغرض من هذه التهمة الملفقة هو إيجاد الذريعة لتدخل التحالف الثلاثي: (الأمريكي-البريطاني-الفرنسي) المباشر بعد أن فشلت محاولاتهم في إسقاط النظام السوري بواسطة التنظيمات الإرهابية لسبع سنوات ماضية، وبالتالي لإيجاد ذريعة بالتدخل المباشر بنفس الطريقة التي تم بها إسقاط حكومة معمر القذافي في ليبيا، خاصة وأن الحرب السورية على وشك الانتهاء بتحقيق النصر لصالح النظام السوري.
السؤال الآخر هو: لماذا يعمل التحالف الثلاثي لتدمير سوريا؟
في الحقيقة ليست سوريا وحدها المستهدفة من هذه المغامرة الخطيرة، وإنما حلفاء سوريا أيضاً، وهم: روسيا، وإيران، وحزب الله اللبناني.
وأما سبب العداء لروسيا فهو لأن الغرب لا يريد أية دولة تنهض بحيث تنافس نفوذ أمريكا وحلفائها في الشرق الأوسط خاصة، والعالم بصورة عامة. وهذا العداء كان في عهد الاتحاد السوفيتي بحجة الخطر الشيوعي المهدد للنظام الديمقراطي الرأسمالي الغربي حسب زعمهم. لذلك استمروا في الحرب الباردة، والحروب الساخنة بالوكالة، والحملات الإعلامية بتخويف شعوبهم من البعبع الشيوعي. ولما سقط النظام الشيوعي كانوا يأملون أن تبقى روسيا ضعيفة ومفككة لا تستطيع النهوض، وساعدهم في ذلك السكير بوريس يلتسن، الذي باع ممتلكات الدولة بسعر التراب على المقربين والانتهازيين الروس وخلق منهم مليارديرية بين عشية وضحاها، وجعل نحو ثلث الشعب الروسي يعيشون على الكفاف والقمامة.
ولما جاء فلاديمير بوتين إلى الرئاسة عام 2000، وأثبت القوة والنشاط والدهاء السياسي في إعادة بناء روسيا الاتحادية على أسس قوية بحيث صارت دولة قوية كبرى تنافس الغرب، وعلى رأسه أمريكا، أعاد الغرب العداء لروسيا، والعمل على تشويه صورتها، وبالأخص صورة الرئيس بوتين. فروسيا اليوم صارت تنافس أمريكا في احتلال مواقع النفوذ في الشرق الأوسط، وهذا لا يلائمها. و أخيراً بدأت الحملة الجديدة بحرب الجواسيس الروس في الغرب، وقضية تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا في بريطانيا، وتصعيد الحرب الدبلوماسية ضد روسيا وبوتين لتشويه صورتهما في العالم.
أما تهمة الكيمياوي السوري، فالمستهدف هو النظام السوري، وإيران، وحزب الله اللبناني، لأن هذا التحالف يهدد إسرائيل التي هي ولاية أمريكية في المنطقة، وأمنها من أمن أمريكا. لذلك طالما بقيت دول الرفض (سوريا وحلفائها) في حالة رفض التطبيع مع إسرائيل، فهذه الحروب ستستمر في المنطقة بمحتلف الأشكال، غير المباشرة بواسطة التنظيمات الإرهابية المدعومة من حلفاء أمريكا في المنطقة مثل إسرائيل والسعودية وقطر والإمارات، أو التدخل المباشر علن طريق القصف الجوي كما حصل لليبيا واليمن، وهذه الحروب من شأنها تأخير الاستقرار، والأمن والتنمية البشرية، والازدهار الاقتصادي في دول المنطقة الرافضة للتطبيع. كما ونجحت أمريكا في كسب الدول الخليجية الغنية مثل السعودية وغيرها، إلى جانبها وجانب إسرائيل.
وباختصار شديد، أن السبب الرئيسي لهذا الصراع هو ليس الدفاع عن الشعب السوري من دكتاتورية بشار الأسد كما يدعون، فأبشع دكتاتورية في العالم هو النظام السعودي العائلي الاستبدادي المطلق الحليف لأمريكا وإسرائيل. وكذلك لمحاربة النفوذ الروسي في المنطقة والعالم.
فالعالم اليوم على كف عفريت، والقصف الصاروخي الأمريكي وحلفائها المرتقب ضد سوريا قد يشعل الحرب العالمية الثالثة. فقد هدد السفير الروسي في لبنان أن أي هجوم صاروخي على سوريا ستواجهها روسيا بإسقاطها، وضرب مصادرها، أي البوارج الحربية الأمريكية في الأبيض المتوسط التي ستنطلق منها الصواريخ. لذلك، لا نبالغ إذا قلنا أن تهمة الكيمياوي الجديدة المفتعلة والتي راد منها إيجاد الذريعة لضرب سوريا من قبل أمريكا وحليفاتها، قد تؤدي إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين الدولتين الكبريين، روسيا وأمريكا، وبالتالي إلى إشعال فتيل حرب عالمية جديدة لا تبقي ولا تذر.