د. عبدالخالق حسين
عاتبني أصدقاء على “سكوتي” عما يجري من جريمة نصب واحتيال لسرقة الثروات النفطية العراقية، المصدر الرئيسي لمعيشة الشعب العراقي، وإعمار ما خربه العهد البعثي البائد، وذلك بتمرير قانون شركة النفط الوطنية العراقية من قبل البرلمان العراقي يوم 5/3/2018، ومصادقة السيد رئيس الجمهورية عليه دون تأخير(1).
في الحقيقة إن سبب عدم مشاركتي في الكتابة حول هذا الموضوع الخطير هو: أولاً، أن الموضوع من أصحاب الاختصاص من الخبراء في النفط، وما أكثرهم والحمد لله، وأغلبهم أبلوا بلاءً حسناً في تنبيه الشعب عن هذه المؤامرة القذرة، وثانياً، أني بين حين وآخر أمر بفترات النفور من الكتابة، ولكن هذا لا يعني أن ليس لنار رأي في هذا الخصوص، أو التوقف عن المتابعة، إذ كنت أقوم بتعميم ما تفضل به الزملاء من مقالات رائعة في هذا المضمار، وهذا يعني أني معهم في آراءهم وطروحاتهم قلباً وقالباً. على أية حال، غرضي من هذا المقال السريع هو استجابة لمن طالبني مشكورين، أن أدلو برأيي بهذا القانون، وأحث وأنبه مع غيري، الجماهير عن مخاطره، للإتنتفاض بإلغائه وهو في المهد.
ولعل أخطر ما جاء في هذا القانون التآمري، ومقالات مؤيديه، أنهم قاموا بالتلاعب بالألفاظ، وسوء تفسير مواد الدستور، فمثلاً تقول المادة (111) من الدستور (النفط والغاز ملك للشعب العراقي)، وقد حاول الذين كتبوا القانون خدع الشعب، وليّ عنق الحقيقة بـ(أن النفط هو ملك الشعب وليس ملك الحكومة!!!)، وبذلك فهم يريدون شق خندق بين الشعب وحكومته المنتخبة، وتحريض الشعب لدعم هذا القانون باعتباره هو المالك الحقيقي للثروة وليست الحكومة. يعني (شيِّم البدوي وخذ عباته!). وهذا أكبر كذبة في التاريخ. فالشعب يتكون من عشرات الملايين من الأفراد، تحكمه حكومة ديمقراطية منتخبة من قبل نواب الشعب. وبالتالي فالحكومة هي وحدها المخولة للتصرف بواردات ثروات الشعب وإدارة شؤونه، وليس مجلس إدارة الشركة غير المنتخب.
لذك حاول هؤلاء إرشاء المواطن العراقي لشراء تأييده للقانون وسكوته عن الجريمة، فقد نصت المادة (13- ثالثا، ب من القانون)، على جعل نسبة من أرباح الشركة تقرر بموجب الموازنة السنوية توزع على أسهم متساوية القيمة لجميع المواطنين المقيمين في العراق (ولا يجوز بيع أو شراء أو توريث الأسهم، وتسقط عند الوفاة)(2)
في الحقيقة، وحسب تحليل الخبراء، هذه النسبة ضئيلة جداً لا تنقذ المواطن الفقير من فقره، وإنما تضر بميزانية الدولة، وتخلق بيروقراطية ضخمة وباهظة التكاليف لإدارة هذه النسبة وتوزيعها على المواطنين.
لا شك أن الغرض الرئيسي من هذا القانون هو التمهيد لخصخصة الثروات النفطية، وذلك باستنساخ التجربة الروسية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، حيث قامت حكومة السكير بوريس يلتسن ببيع المؤسسات النفطية الروسية على المقربين منه والنصابين والمحتالين بسعر التراب، وتبين فيما بعد أن قيمة هذه المؤسسات الحقيقية تعادل آلاف المرات سعر بيعها، فتحول هؤلاء النصابون بين عشية وضحاها، إلى مليارديرية ، ومنهم من فر إلى الغرب لينعم بثرواته الهائلة التي سرقها من الشعب الروسي، وجعلوا ثلث الشعب الروسي في فقر مدقع يعيش على القمامة.
أيها العراقيون يجب أن تستفيدوا من تجارب الشعب الروسي.
يجب عدم السماح لخصخصة مؤسسات الدولة إطلاقاً، وتحت أية ذريعة كانت.
لذلك نهيب بجماهير شعبنا، وأحزابه الوطنية، ومنظمات المجتمع المدني، ونخبه المثقفة الواعية، القيام بكل الوسائل المشروعة لإلغاء هذا القانون الإجرامي، وجعله مادة انتخابية في الانتخابات القادمة، بأن يشترط الناخب على المرشح البرلماني بأن لا يمنح صوته إلا لمن يشمل إلغاء هذا القانون في حملته الانتخابية، و يتعهد له بذلك في حالة فوزه.
فالحكومة أمامها واجبات كبيرة ومسؤوليات خطيرة لإعمار العراق بعد عشرات السنين من الحروب العبثية، وتدمير مؤسساته الاقتصادية، وبناه التحتية، وهذا الإعمار ومؤسسات التعليم والصحة وغيرها من المؤسسات الخدمية يحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات، ولذلك لا يمكن إطلاقاً التخلي عن مؤسساته النفطية وبيعها في سوق الخردة على مجموعة من الفاسدين واللصوص والنصابين والمحتالين.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- المصادقة على قانون شركة النفط الوطنية.. انتقدته محافظات منتجة ورفضته أخرى
http://www.akhbaar.org/home/2018/3/242239.html
2- فؤاد قاسم الأمير: قانون شركة النفط الوطنية العراقية، هل هو قانون لشركة نفط وطنية أم لتهديد وتبديد العوائد النفطية؟