زوعا اورغ/ اعلام البطريركية
في تمام الساعة الخامسة من مساء يوم الجمعة 30 آذار 2018، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، برتبة السجدة للصليب ودفن المصلوب يوم الجمعة العظيمة، وذلك في كاتدرائية سيّدة البشارة، المتحف – بيروت.
عاون غبطتَه في الرتبة المطران المنتخَب الخوراسقف شارل مراد كاهن الرعية، ومساعده الأب جول بطرس، والأب حبيب مراد أمين سرّ البطريركية. وأشرفت حركة مار شربل ببيروت على التنظيم، بحضور ومشاركة جماهير غفيرة جداً من المؤمنين ضاقت بهم الكاتدرائية على رحبها.
بعد الإنجيل المقدس، ألقى غبطة أبينا البطريرك موعظة الجمعة العظيمة بعنوان “فإنّ الله أحبّ العالم حتّى أنه جاد بابنه الوحيد، لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به” (يوحنّا 3: 16)، تحدّث فيها غبطته عن معاني ورموز رتبة السجدة للصليب، وأهمّية إكرام الصليب المقدس الذي أضحى مع موت الرب يسوع عليه رايةَ النصر وعلامةَ الظفر، متأمّلاً بسرّ الشرّ والألم في حياتنا والعالم، ومنوّهاً إلى أنّنا لسنا عشّاق الألم، ولكنّنا نقدّس آلام المسيح الخلاصية التي قَبِلها فادينا عن حبٍّ لا مثيل له.
وأكّد غبطته أنه لكي نستفيد من عمل فدائنا، علينا أن نقف بدورنا تحت أقدام المصلوب على غرار مريم ويوحنّا، ونتأمّل بصمتٍ واستسلامٍ لمشيئة الله، مقتدين بيسوع الفادي الذي وحده يساعدنا على قبول سرّ الألم الذي يرافقنا منذ ولادتنا حتى مماتنا، ذاكراً أنّه بالحكم على يسوع بالموت صلباً، تحمّل الآلام، وعُلِّق ما بين السماء والأرض، وكانّي به وقد رفضَتْه السماء لأنه قَبِل على ذاته أن يحمل خطيئة بني البشر، ورفضَتْه الأرض لأنه بكَّتَ رؤساء كهنتها ووبّخ فرّيسييها، وأنّب الذين تمسّكوا بحرف الشريعة وقاوموا الروح، فعُلِّق على خشبة، ليربط السماء بالأرض، وليحوّل لعنة الخشبة إلى بركة سماوية، بل ليجعل الصليب سلّماً يصعد عليه إلى السماء جميعُ الذين آمنوا به.
وتأمّل غبطته بعبارة للقديس مار أفرام القائل: “لقد مدّ ابن الله نفسه على خشبة الصليب، وببسط يديه ضبط أي وحّد جهات الأرض الأربع”، وبعبارة أخرى للقديس اسحق السرياني القائل: “إنّ الكنيسة تفتخر أنّ الله مات على الصليب”.
وأشار غبطته إلى أنّنا طوال الصوم، وبنوع خاص في أسبوع الآلام المقدس، رافقنا يسوع على درب آلامه، وصلّينا وتضرّعنا بحرارة غير عادية، ملتمسين الرحمة والغفران من الآب السماوي، ينبوع المراحم، مشيراً إلى أنّ هذا هو إيماننا الذي نقله إلينا الرسل وتلاميذهم، والذي عاشته أمّنا الكنيسة الجامعة على مدى العصور وفي كلّ بقعة من الأرض، وهو إيمان لا يقوم على محدودية العقل البشري وحساباته وفرضياته الدنيوية، كما يريد المختلفون عنّا في الدين أن نشارك الصالبين في سخريتهم وروفضهم أن يجذبنا الفادي إليه.
وتكلّم غبطته عمّا يعانيه مسيحيو الشرق اليوم من آلام اضطهاد واقتلاع وأحداث مريعة منذ سنوات، وبخاصة في سوريا والعراق ومصر، متطرّقاً إلى الزيارة الأخيرة التي قام بها غبطته في الأيّام الماضية إلى أبرشية بغداد وأبرشية الموصل وكركوك وكوردستان في العراق، وكذلك إلى الوضع في لبنان، مجدّداً الإيمان بالعناية الإلهية رغم كلّ ما يسبّبه لنا الشرّ في العالم من آلام، مستلهماً منبعاً للرجاء فوق كلّ رجاء، متجاوباً مع رسالة الإنجيل في نشر المحبّة والرحمة والسلام، ومشدّداً إلى أنّ خشبة الصليب التي رأى فيها الآخرون عاراً وشكّاً، ستبقى لنا رمز فخرٍ وخلاص.
وبعد الموعظة، أنشد غبطته بالسريانية نشيد السجود للصليب: “فلنسجد للصليب الذي به خُلِّصنا، ومع لصّ اليمين نهتف: أذكرنا في ملكوتك”. ثمّ جثا غبطته وقبّل الصليب، وفعل مثله الإكليروس من كهنة وشمامسة، فيما الإكليروس والمؤمنون يردّدون النشيد عينه بالسريانية والعربية.
بعدئذٍ طاف غبطته في زيّاح حبري مهيب داخل الكاتدرائية وخارجها في شوارع المنطقة، ليتمّ بعدها رفع نعش المصلوب عالياً، فيمرّ الجميع تحته لنيل البركة، ويتباركوا من الصليب، قبل أن يقيم غبطته رتبة دفن المصلوب بعد أن نضحه بالزيت ورشّ عليه البخور والطيوب، ثمّ وضعه في قبر خاص تحت المذبح وبخّره.
وفي الختام، منح غبطته الحاضرين بركة آلام الرب يسوع وموته الخلاصي بالصليب المقدس.