فواد الكنجي
ارتفاع مستويات درجات الحرارة في العالم قد تخطت عن معدلاتها الطبيعية؛ ليشهد عام 2023 موجه من ارتفاع درجات الحرارة غير مسبوقة ليعتبر أكثر أعوام سخونة قياسا بما سبق؛ وهذا ما تم تسجيله في الكثير من مدن العالم سواء في القارة (الأسيوية) أو(الإفريقية) أو(الأوربية) أو(أمريكا) أو(أمريكا الجنوبية) أو(استراليا) .
وان ارتفاع درجات الحرارة – كما يؤكد علماء المناخ – من مرجح ستواجهها الكثير من دول العالم خلال السنوات الخمس المقبلة؛ وحسب متنبئين المناخ فان عام 2024 قد يكون أول الأعوام تشهده البشرية بتجاوز درجات الحرارة (درجة ونصف درجة مئوية)، وهذا ارتفاع في درجات الحرارة ينسب لظاهرة تسمى (ظاهرة النينو) وهي كلمة باللغة (الإسبانية) تعني (الطفل الصغير)؛ وهي من الظواهر الطبيعية التي تتطلب استعدادا عالميا واتخاذ الإجراءات المبكرة لإنقاذ الأرواح البشرية والكائنات الحية، إذ إنها تحدث نتيجة مجموعة من التغيرات الجوية والمناخية؛ ويعد ارتفاع انبعاث (الكربون) من العوامل الرئيسية وراء هذا التغيير .
و (التغير المناخي) يسبب في زيادة الظواهر المناخية والمتمثلة بموجات الحر.. والجفاف.. وسقوط أمطار غزيرة في غير موسمها .. والفيضانات.. والأعاصير؛ لذلك نجد بان عدد (موجات الحر) التي تهب طوال العام الواحد قد ازدادت منذ عام 1950؛ وأن عدد الليالي الحارة قد ارتفع في جميع أنحاء العالم؛ كما أن عدد الأعاصير وقوة العواصف المدارية واستمرارها قد ارتفع عن ذي قبل مع تزايد الأعاصير المدارية منذ عام 1970 .
وعلى مستوى العالم بدأت ظاهرة (النينو) تتضح في زيادة عدد الأعاصير التي تصنف قوتها من الدرجة الرابعة والتي تتراوح سرعة الرياح بين 210 و 249 كلم في الساعة؛ والدرجة الخامسة التي تصل سرعة الرياح فيها إلى أكثر من 249 كلم في الساعة؛ وهذا ما تم رصده في شمال وجنوب غرب (المحيط الهادي) و(الهندي)؛ وفي عام 2004 تم تسجيل أول إعصار مداري في جنوب (المحيط الأطلسي) قبالة سواحل دولة (البرازيل)، ومن جهة أخرى؛ أصبحت بعض أجزاء الكرة الأرضية تتعرض لتساقط كمية أكبر من الأمطار؛ إذ تشير الدراسات المناخية بكون الفترة ما بين عام 1900 ولغاية عام 2005 ازداد هطول الأمطار بدرجة ملحوظة في المناطق الشرقية من (أمريكا الشمالية والجنوبية) وفي شمال (أوروبا) وشمال ووسط قارة (آسيا)، بينما أصبحت بعض أجزاء الكرة الأرضية أكثر جفافا حيث انخفض هطول الأمطار في منطقة الساحل.. ومنطقة البحر المتوسط.. وإفريقيا الجنوبية.. وأجزاء من جنوب آسيا؛ وبحسب بيانات اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ فإن المناطق المتأثرة بالجفاف قد ازدادت منذ فترة السبعينيات.
لتتضح صورة ظاهرة (النينو) بكونها ظاهرة تسبب في ارتفاع درجة حرارة (سطح البحر) بمقدار (صفر فاصلة خمسة درجات) وهي درجة التي ستصل ليها درجة حرارة (سطح البحر) في الوسط والشرق الاستوائي للـ(محيط الهادئ) وعادة ما تستمر من تسعة أشهر إلى سنة، وارتفاع درجات حرارة (سطح البحر) مع ما يحدث من ارتفاع منسوب المياه في المحيط وخاصة في (المحيط الهادئ) سيكون لهذا الحدث تأثير كبير على متوسط درجات الحرارة العالمية وأنماط الطقس حول العالم .
ويعتبر (التمدد الحراري) للمحيطات؛ بما يرافق ذلك من تمدد المياه.. مع ارتفاع درجة الحرارة سطح المحيطات.. وفقدان الجليد الأرضي الذي يذوب بسرعة أكبر عن ذي قبل لسببين الرئيسيين :
الأول.. ارتفاع مستوى سطح البحر
الثاني.. ارتفاع درجات الحرارة
وبحسب خبراء المناخ حيث سجلوا منذ عام 1961 بان متوسط درجة حرارة المحيطات في العالم قد ارتفع لأعماق تصل إلى 3 آلاف متر؛ وأن المحيط يستوعب أكثر من 80 بالمائة من الحرارة المضافة إلى النظام المناخي؛ وهو ما يتسبب في تمدد مياه البحر مع ارتفاع درجة حرارتها، ويؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه فيها؛ بعد إن أصبحت (الطبقات الجليدية) و(الثلجية) التي تعلو (الجبال) أصغر حجما في متوسطها في نصفي الكرة الأرضية، وهو ما ساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر؛ وهناك احتمال كبير بأن يكون ذوبان (طبقات الجليد) في (جرينلاند) و(القطب الجنوبي) قد ساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر في الفترة ما بين عام 1993 وعام 2003 .
وعلى المدى الطويل، قد يؤدي (الاحتباس الحراري) بروز بشكل واضح تأثيرات ظاهرة
اولا.. ظاهرة (النينو) .
ثايا ظاهرة (النينا) .
وظاهرة (النينو) و(النينا) المناخية في العالم؛ بما يصاحب ذلك في ارتداد خط الثلوج واختفاء الكثير من الطبقات الجليدية مما يلحق ضررا جسيما بالسكان الذين يعتمدون على الأنهار الرئيسية في (آسيا) والتي يتغذى الكثير منها من المياه الذائبة من منطقة (الهيمالايا)، والـ(هيمالايا) او(الهِمَلايا) هي سلسلة جبلية تقع في آسيا، وتفصل سهول شبه القارة الهندية عن هضبة (التبت)، ومنطقة (الهيمالايا) هي سلسلة جبال تمتد عبر الجزء الشمالي الشرقي من (الهند) لتمر في (الباكستان) و(أفغانستان) و(الصين) و(بوتان) و(نيبال)، ونتيجة لذلك قد يعاني أكثر من مليار نسمة في قارة (آسيا) من نقص في المياه أو في تدهور الأراضي والجفاف بحلول عام 2050 .
وهنا لابد من توضيح الفرق بين ظاهرة (النينو) وظاهرة (النينا):
حيث أن ظاهرة (النينو) هي ظاهرة تتميز بتغير دوري غير منتظم في الرياح ودرجات الحرارة في (المحيط الهادئ) الاستوائي الشرقي؛ حيث تؤثر هذه الظاهرة على درجات الحرارة في الكثير من المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية.
بينما تعرف (الظاهرة النينا) بظاهرة (التبريد) أو مرحلة (التبريد) .
وهذه الظواهر مناخية (النينو) و(النينا)؛ ظواهر تحدث بشكل طبيعي وتحدث في المتوسط كل سنتين إلى سبع سنوات؛ ويمكن أن تحدث كل ثمانية عشر شهرا، حيث تمتزج الرياح الدافئة في (المحيط الهادئ) الاستوائي مع المياه السطحية الحارة، لتخلق تقلبات فريدة من نوعها ومختلفة من منطقة إلى أخرى بما سيترك تأثيرات عالمية على النظم البيئة.. والطقس.. وحرائق الغابات، ونظرا لكون ظاهرة (النينو) لا تحدث وفقًا لجدول زمني منتظم؛ فان أمره قد تستمر أحيانا لسنوات؛ لذلك ستشهد البشرية نوع من ظاهرة (التطرف المناخي)، حيث سيشهد الإنسان موجة من الأمطار الغزيرة.. والفيضانات.. وطقس حار.. أو طقس بارد جدا .. أو من خلال حدوث موجات هطول أمطار استوائية شديدة على بعض المناطق في العالم؛ وفي المقابل ندرة الأمطار في أنحاء أخرى من العالم .
وبطبيعة الحال فان هذا التذبذب في (درجات الحرارة) ممكن أن يؤدي إلى تفشي الأمراض.. والآفات النباتية.. وإمراض الحيوانية سواء الأمراض حيوانية المنشأ أو المنقولة عن طريق الأغذية، ويقينا بان ارتفاع درجات حرارة سطح البحر – لا محال – ستتسبب في نقص (الأكسجين) و(الغذاء) في بعض المناطق البحرية؛ وهذا الأمر سيؤثر على الحياة البحرية وقد يؤدي إلى موت الأسماك أو هجرتها لأماكن أخرى ذات مياه باردة وأكثر غنى بالغذاء، وارتفاع درجات الحرارة ستؤثر على الزراعة والمحاصيل الزراعية لكثير من بلدان العالم؛ لان مناطق كثيرة سيصيبها الجفاف بسبب نقص الأمطار.. وجفاف الأراضي؛ لارتفاع درجات الحرارة مما يؤدي إلى نقص المحاصيل الزراعية .
ومن بين أكثر العوامل التي تسهم في نقص التغذية وزيادة عبء الأمراض والأوبئة في العالم، يكمن في (التغير المناخي)؛ لأن ارتفاع درجة الحرارة.. وكثرة الظواهر المناخية السيئة؛ قد يؤدي إلى زيادة الأمراض المتأثرة بالمناخ وتدهور أوضاع الزراعة بصورة عامة؛ إضافة لكون (التغير المناخي) تأثيره السلبي على صحة الإنسان؛ ومن المتوقع خلال السنوات القادمة إذ تركت أوضاع المناخية على ما هي علية دون إيجاد حلول عن (مسببات التغيير المناخي) فان – لا محال – العالم سيواجه انتشار مرض (الإسهال) بكونه مرض يرتبط بشكل أساسي بـ(التغير المناخي)؛ وفي ظل ارتفاع درجة حرارة المياه الساحلية وزيادة الأمراض المنقولة بواسطة المياه مثل مرض (الكوليرا) في هذه المناطق أي المناطق الساحلية؛ ومن المحتمل أن تتسبب الأمراض المنقولة بواسطة المياه وتحديدا في شمال (آسيا) في زيادة تعرض السكان للأمراض كـ(الإسهال) و(الكوليرا) وغيرها من الأمراض.
ومع هذا الأمر فان ارتفاع درجات الحرارة على سطح البحار أو المحيطات؛ فانه يصاحب ارتفاع في (ضغط الهواء) فوق سطح المحيط وخاصة في محيط (الهندي) و(إندونيسيا) و(أستراليا) بما يسبب في هبوط في ضغط الهواء فوق (تاهيتي)، و(تاهيتي) جزيرة في المحيط الهادي، وبقية (المحيط الهادئ) الشرقي، بينما تضعف الرياح في جنوب (المحيط الهادئ) أو تتجه شرقا بما يصاحب بنشر الماء الدافئ شرقا من غرب (المحيط الهادئ) و(المحيط الهندي) إلى شرق (المحيط الهادئ)، وهذا يؤدي إلى جفاف واسع في غرب (المحيط الهادئ) وهطول الأمطار في شرق (المحيط الهادئ) الجاف عادة، وخلال الظروف العادية في (المحيط الهادئ) تهب الرياح التجارية غربا على طول خط الاستواء، وتأخذ المياه الدافئة من (أمريكا الجنوبية) باتجاه (آسيا)، لتحل محل هذا الماء الدافئ، ويرتفع الماء البارد من الأعماق؛ وهي عملية تسمى الصعود إلى السطح، وخلال ظاهرة (النينو) تضعف الرياح التجارية.
و(الرياح التجارية) هي رياح تهب بالأخص من الطبقات السفلى من الغلاف الجوي فوق مناطق بالغة الاتساع وتهب من المرتفعات الجوية دون المدارية باتجاه المناطق الاستوائية، والاتجاه السائد لـ(لرياح التجارية) في نصف الكرة الشمالي هو الشمال الشرقي أما في نصف الكرة الجنوبي فاتجاهها السائد هو الجنوب الشرقي .ومن خلال هذه الرياح يتم دفع الماء الدافئ شرقا باتجاه الساحل الغربي لـ(أمريكا الشمالية والجنوبية).
في حين تتميز ظاهرة (النينو) بدرجات حرارة المحيطات الدافئة على نحو غير عادي في وسط (المحيط الهادئ) الاستوائي الشرقي لتتميز في هذه المنطقة بظاهرة (النينا) او (النينيا) بدرجات حرارة المحيطات (الباردة) غير المعتادة؛ ولكن المياه الدافئة في غرب (المحيط الهادئ) في معظم السنوات وقد يستمر الاحترار بضعة أسابيع أو شهر؛ وبعد ذلك تعود أنماط الطقس إلى طبيعتها ويحسن زيادة الثروة (السمكية) في هذه المنطقة؛ ومع ذلك عندما تستمر ظروف ظاهرة (النينو) لعدة أشهر وتزداد درجات الحرارة المحيط يكون تأثيره الاقتصادي على الثروة (السمكية) ويقل (الصيد المحلي) لسوق .
ونظرا لتأثيرات ظاهرة (النينو) المناخية الكبيرة على الحياة البشرية في العالم وتهديدها الخطير؛ فان العالم يحبس الأنفاس في مواجهة سجلات درجات حرارة الأرض والبحار الغير المسبوقة، لذلك دق علماء المناخ ناقوس الخطر وأصدروا تحذيرا بأن (العالم) يقترب بسرعة من نقطة تحول حرجة في (التغيرات المناخية) وبات الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى (درجة ونصف درجة مئوية) يمثل تحديا؛ بسبب فشل البلدان في الوفاء بالتزاماتها بخفض الانبعاث الغازية المضرة بالبيئة؛ لأنها تؤثر تأثيرا سلبيا في أنماط الطقس والعواصف في أجزاء مختلفة من العالم، لان تطورات ظروف ظاهرة (النينو) في المناطق الاستوائية في (المحيط الهادئ) تمهد الطريق لحدوث ارتفاع محتمل في درجات الحرارة العالمية.. وأنماط الطقس.. والمناخ المضطربة.
لذلك يتطلب من جميع دول العالم حشد الاستعدادات من أجل الحد من الآثار الخطيرة التي تلحق بصحتنا ونظمنا (الإيكولوجية) وتسبب تبعات اقتصادية لا يحمد عقباه، لأن ارتفاع (درجات الحرارة) من شأنه أن يتسبب في اتساع نطاق مخاطر انعدام (الأمن الغذائي) المتزايد وعلى الإمدادات الغذائية الإقليمية، ومن ثم تأثيرها في التضخم.. والنزوح.. والاستقرار الاجتماعي.
و النظم (الإيكولوجية) مفهوم يعني ((..حماية سبل عيش الناس المعتمدين عليها، بل الارتقاء بها، كما يساهم الإصلاح نفسه في تنظيم ظهور الأمراض وتقليل مخاطر الكوارث الطبيعية، فالنظم الإيكولوجية التي تتسم بأنها نظم سليمة الصحة وتحظى بثراء في التنوع البيولوجي تعود علينا بفوائد أعظم ومن بينها تربة أكثر خصوبة تساهم في تنشيط الزراعة، ومردوداً أكبر من الأخشاب والأسماك، ومخازن أوسع لغازات الدفيئة ..)).
واغلب التقارير الصادرة من منظمات (البيئية) تشير إلى احتمالات زيادة مخاطر الجفاف؛ نتيجة انخفاض معدلات هطول الأمطار خاصة على دول التي تعتمد بشكل كبير على الأمطار في الإنتاج الزراعي والحيواني، وبتالي فان نقص المحاصيل الزراعية يؤثر على الأمن الغذائي و سلامة الأغذية من خلال زيادة نسبة الأمراض المنقولة عبر الأغذية.. والمياه.. ونقل الآفات النباتية إلى مناطق جديدة؛ لان الأراضي الزراعية التي يعتمد عليها المزارع حينما يداهمها موسم الجفاف وقلة الأمطار – لا محال – سيلجئ إلى استخدام أسمدة كيماوية لتحفيز النبات على النمو؛ وهذا الأمر قد يؤدي إلى فرط في استخدام مبيدات الآفات، وزيادة امتصاص المعادن الثقيلة السامة في المحاصيل الزراعية الأساسية، وهذا ما يساهم في انتشار الإصابات الفطرية في النباتات، والتي تنتقل إلى الإنسان، فالتمويل لمعالجة أزمة (الأمن الغذائي) لا يزال أقل بكثير من المستويات المطلوبة في كثير من دول العالم التي تعاني من ارتفاع درجات الحرارة وقلة المياه؛ بالرغم من التعهدات والالتزامات الدولية ولكنها تبقى دون مستوى المطلوب قياسا لطبيعة التغيرات المناخية التي تضرب كوكبنا والدول التي يجتاحها الجفاف والتصحر وتجبر مجتمعات إلى النزوح وهجرة مواقع سكناها تحت قسوة التصحر وظروف المناخية القاسية .