فواد الكنجي
الأول من أيار هو يوم نضال وتحرر الطبقة العمالية من العبودية والاستغلال ومن اضطهاد القوى الرأسمالية التي كانت تمارس أيشع أساليب الاضطهاد ضد العمال والكادحين الذين كانوا يعيشون تحت مستوى الفقر نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية.. والصحية.. ومن القمع.. والتهميش.. والتمييز.. وزج المجتمعات بحروب الدول الرأسمالية العبثية للاستحواذ على مصادر الطاقة والإنتاج، هذه الأوضاع هي التي حفزت إلى تنامي نضال العمال والطبقات الكادحة والتحالف ألأممي للطبقة العاملة في كل بلدان العالم الحر ضد الأنظمة الدكتاتورية.. والرأسمالية.. والبرجوازية .
لذلك كان هدف النقابات منذ تأسيسها هو العمل من اجل الدفاع عن حقوق القوى العاملة وتقديم إرشادات وتوجيهات تخص طبيعة عمل العمال والموظفين وحياتهم المهنية؛ ليتم تقديم الخدمات التوجيهية والإرشادية الداعمة لهم؛ ليتم تحقيق العيش الكريم والعمل اللائق للحصول على راتب وأجر يتناسب مع طبيعة العمل الذي يقوم العمال أو الموظفين تنفيذه لرفع من مستوى معيشتهم ومعنوياتهم؛ ليتم تقديم أفضل الخدمات والإنتاج وليشعر العامل بالأمان، بعد إن يجد جهد ودور النقابات العمالية وبكيفية التي يناصرون العمال ويوفرون بيئة عمل سليمة في ظل تنامي ظروف صحية جيدة لهم، وهذا العمل إنما تقوم به النقابات والحركات النقابية من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة .
لذلك لعبت (النقابات العمالية) في العالم دورا ايجابيا في الدفاع ليس فحسب عن حقوق العمال ومصالحهم؛ بل لصالح اقتصاد الدولة وسمعتها الدولية.. وضمان الحقوق الاقتصادية.. والسياسة.. والاجتماعية للمجتمع.. وضمان الحريات العامة من خلال توسيع المشاركة من اجل تطوير والتنمية المستدامة لرعاية مصالح الموارد البشرية لجميع الدول من خلال إنشاء النقابات وضمان فاعليتها؛ وذلك من خلال التعامل مع المشكلات والتحديات والمعوقات التي تواجه عمل تلك النقابات لمعالجة كل قضايا المتعلقة بعمل العمال وظروف العمل .
ولكن بعد انهيار ا(لاتحاد السوفييتي) والمنظومة الاشتراكية؛ انحسرت وتراجعت قوة ودور الحركات النقابية في العالم اجمع، فلم يعد للنقابات العمالية العالمية تلك القوة التي عرفت عنها منذ بدايات القرن الـعشرين التي كانت لها دور كبير في تغيير الأوضاع الاجتماعية بصورة عامة؛ لان نقابات العمال تأسست وانطلقت من اجل تحسين ظروف العمل.. وتأمين أجور العمال.. ومنحهم مزايا لتغيير أوضاعهم الاجتماعي والسياسي من خلال المفاوضة الجماعية مع حكومات الدول؛ من اجل صرف مخصصات العمل والخطورة بشأن الصحة والسلامة العمال وتامين على حياتهم لمستقبل أفضل، ولكن للأسف هذا الدور البناء تراجع رويدا – رويدا بعد مد المفاهيم (العولمة) و(الليبرالية) في العالم ليبدو ضعفها واضمحلال تأثيرها واضحا في كل إنحاء العالم؛ إلا في بعض التجمعات الصناعية في أوروبا؛ رغم إن قوة النقابات وفعاليتها تحدد بحسب الظروف الاقتصادية التي تمر بها أي دولة في العالم، ففي أوقات الازدهار.. والرخاء.. والتوظيف الكامل.. وارتفاع الأجور؛ تفقد النقابات دورها بين العمال، بينما تعود إلى النشاط في أوقات الركود والأزمات الاقتصادية.
ففي (أمريكا) الشمالية والجنوبية لم تعد نقابات العمال أي تأثير ودور فاعل في تغيير إي قرار سياسي حكومي يتعلق بالأوضاع العمال وأوضاعهم المعيشة والصحية وهو الحال في بلدان منطقة (الشرق الأوسط) وكذل الحال في بعض بلدان الأوربية، قفي (فرنسا) مؤخرا – على سبيل المثال وليس الحصر – اتخذت الحكومة قرار يخص تعديلات قانون التقاعد ورغم الاحتجاجات النقابات العمالية برفض هذه التعديلات التي ترفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما؛ إلا إن الحكومة أصرت على تمرير القرار دون الاكتراث بمطالب نقابات العمال في (فرنسا) وكذلك الحال نجد في (بريطانيا) قبل أشهر من إضرابات في (فرنسا) فقد أنهى أعضاء النقابات (البريطانية) إضرابهم بعد إن استمر أكثر من ثلاثة أشهر وبعد أن شعر العمال أنهم سيحاسبون أمام الرأي العام لو طال الإضراب أكثر من دون تسويات معينة مع الحكومة أو إدارة الشركات الكبرى؛ والسبب – كما قلنا – لم تعد نقابات العمالية تتمتع بتلك القوة والضغط للتغيير قرارات الحكومة حتى وان كانت مجحفة بحق الطبقة العمالية .
ويعود سبب تراجع دور النقابات العمالية في العالم بالدرجة الأولى إلى ظهور تيار (العولمة) و(الليبرالية) و(النيو ليبرالية) نتيجة عقود العمل والى ظهور شركات كبرى عابرة للحدود التي تنشا مصانع في دول اجر العمال فيها رخيصة؛ فيبادرون إلى استبدال العمال المحليين بقوة عاملة أرخص؛ وهذا ما اضعف عمل النقابات العمالية لان النظرية الاقتصادية (الليبرالية) تقوم بمنح الشركات سلطة كبرى على حساب تنظيمات العمال؛ لان هذه الشركات تعتبر المفهوم (الليبرالي) مهما لحماية (الحرية الاقتصادية) التي تخضع لموازين السوق.. والعرض.. والطلب، إضافة إلى دور الذي لعبته (القوى الرأسمالية) بالهيمنة والسيطرة على الحركات العمالية والنقابية بعد إن تصاعد حدة الصراع السياسي والاقتصادي بين قوى (رأس المال) و(الأيدي العاملة) بعد إن أخذت الحركات النقابية تنتقد وتفضح وتطالب قوى الإنتاج (الرأسمالية) بعدم الاستحواذ على قيمة العمل الزائد وإنصاف العمال بما يقدمونه من إنتاج؛ لان ذلك يشكل أبشع صور الاستغلال للطبقة العاملة، فأدركت القوى (الرأسمالية) بان الحركات العمالية والنقابية تشكل إعاقة حقيقية لأنشطتهم الاستغلالية؛ لذلك عملوا بالتنسيق والتشاور مع حكومات الدولي التي تتبنى بيمينيها المتطرفة لـ(لنظام الرأسمالي) على تكبيلهم بالقوانين والتشريعات مقيدة لحرياتهم للسيطرة على أنشطتهم إلى حد بعيد، وبفعل الأنظمة والقوانين جعلوا أيديهم مغلولة ومقيدة لدرجة لا يتمكن الحراك النقابي الفعلي في المصانع والمعامل ومراكز الإنتاج المختلفة من إن يفعلوا أي شنئ لصالح العمال؛ وهكذا قيدوا من قدراتهم الدفاعية والمطالبة بحقوق العمال من جهة ومن جهة أخر ليقيدوا من قدراتهم الهجومية على قوى الرأسمالية؛ ونظرا لشراسة مخططات (الرأسمالية الشيطانية) ضد الحركات العمالية والنقابية الذين شنوا حرب ناعمة ضد النقابات وعلى كل مستويات أنشطتهم؛ فلم تتمكن النقابات من التصدي لهذه الإجراءات (الرأسمالية) ومن سياساتهم ضد النقابات، بما ترتب عنه بان (النقابات العمالية) خسرت الكثير من أنشطتهم في مطالبة برفع أجور العمال.. وتأيد العمال لهم، وفي ظل ارتفاع أسعار السلع المختلفة وتقليل أجور العمال؛ ارتفع في معظم دول العالم وخاصة في بلدان (الشرق الأوسط) معدلات الفقر.. والبطالة.. لينخفض مستوى المعيشي.. والحقوق للطبقة العاملة؛ مما أثر ذلك سلبا على مستوى العلاقة بين (الحركات النقابية) و(الطبقة العاملة) لدرجة التي اتسعت الهوة بين الطرفين وعدم الثقة بأنشطة النقابات وبإمكانية التعيير الحقيقي لمصلحة الطبقة العاملة .
وقد جاء تراجع دور النقابات والحركات العمالية؛ بعد إن داهمت الكثير من الأمور المتعلقة بعمل النقابي ذاته.. وبنشاطات النقابات.. وبسياسات الدول.. وبالأوضاع الاقتصادية.. والاجتماعية؛ وجملة هذه المعوقات جاءت نتيجة غياب برامج التنمية في مناهج النقابات.. وعدم مواكبة تطورات العصر.. وعدم الاهتمام بطبيعة عمل العمال في مواقع العمل.. وتوفير بيئة سليمة للعمل وفق معاير السلامة الصحية.. وعدم الضغط والتحاور مع حكومات الدول لإصدار تشريعات وقوانين تساهم في دعم قطاعات العمل بالاستثمار واستقطاب رؤوس الأموال؛ مع ما تعانيه اغلب قطاعات في مؤسسات الدول من غياب البرامج التنموية الهادفة نتيجة غياب سياسات الدولة الاقتصادية وعدم الضغط النقابات لتحريك هذا الملف؛ لان أعلب دول (الشرق الأوسطية )هي دول نامية تخضع لتبعية الاقتصادية لدول العظمى.
وهذا التلكؤ من لدن الحركات النقابية في عدم مواصلة تحريك مطالب الطبقة الكادحة والعمال والضغط على إدارات الدول وحكوماتها؛ جاء نتيجة استشراء البيروقراطية في إدارات النقابة وإدارات الدولة؛ وفي عدم تطبيق القوانين وتجاهل الاتفاقيات الدولية المنصوص عليها وطنيا ودوليا في حق الإضراب.. والاجتماع.. والاقتراح.. والتمثيل؛ وهذا يرجع لضعف ثقافة العمل النقابي لدى العمال وقادة الحركة النقابية؛ لان جل أنشطة النقابات في هذه المرحلة تتركز على الجوانب الإدارية مع غياب سياسة المشاريع والتنمية لدعم العمال، إضافة إلى ارتباك عمل النقابي بحد ذاته نتيجة استشراء الصراعات ما بين الوحدات النقابية فيما يتعلق في حق التمثيل النقابي للعمال، متجاهلين عن قصد الهدف الأساسي للعمل النقابي وهو التنافس على الخدمات المقدمة للعمال التي تقوم على رعاية مصالحهم لا مصالح إدارة النقابات، وهذه ما جعل (العمال) يبتعدون عن (نقابات العمال) ولا ينتسبون إليها وخاصة من فئة (الشباب) و(النساء)؛ بما أدى إلى عدم الانتساب إلى النقابات بصورة عامة؛ وضعف الصفة التمثيلية للنقابات والاتحادات؛ وهذا الأمر هو الذي همش دورها في المجتمع، لذلك أعلب (العمال) اقتنعوا بأن (النقابة) بصورة عامة لا تقدم لهم أي شي من المكاسب سواء انتسبوا إلى النقابة أو لم ينتسبوا .
بما أدى إلى تراجع القدرات والإمكانيات التي تمنح النقابة على التمويل برامجها وأنشطتها لضعف الخطط والبرامج والسياسات التنموية وغيابها عن برامج عمل النقابات العمالية، إضافة بان اغلب النقابات أصابها نوع من الخمول والجمود نتيجة عدم مواكبة التطور والحداثة فيما يخص برامجها وأنشطتها؛ وهذا التراجع أدى إلى (غياب الوعي) و(ضعف الإدراك) و(عدم شعور بأهمية الالتزام والمشاركة في الأنشطة النقابية)؛ والتي من شانها إن تساهم في تحسين اقتصاد الدولة وتعزز فرص التنمية المستدامة؛ ولكن غياب الوعي وتلكؤ إدارات النقابات في أداء رسالتها هو الذي مهد لتراجع دور النقابات الذي هو أساسا جاء لصالح القوى (الرأسمالية) الاستغلالية .
وضعف دور (النقابات العمالية) هو انعكاس لطبيعة الواقع الذي تعيشه بلدان (الشرق الوسط) نتيجة تنامي وشدة الخلافات السائدة بين القوى السياسية وأحزاب السلطة؛ وهذا انعكس سلبا على (نقابات العمال) نتيجة تأثيرها المباشر والغير المباشر بالقوى السياسية وخاصة أحزاب السلطة؛ ما أدى إلى كثرت الانشقاقات والانقسامات في (الحركة العمالية)، نتيجة لهذا الواقع ولصالح هذا الحزب و ذاك؛ حتى تضاعف عدد النقابات والكل يدعوا بتمثيل العمال في وقت الذي لم تمنح فرصة حقيقية للعمال لاختيار ممثليهم بحرية؛ لان أية انتخابات لنقابات العمالية لم تخلوا من تزوير حقيقي في قوائم الترشيح؛ لان الأولوية ظلت تمنح للانتماءات السياسية والحزبية من اجل احتكار العمل النقابي على حساب العمل النقابي السليم والمطالب العمالية .
ومن هذا الواقع المرير الذي تعيشه (النقابات والحركات العمالية) تراجع دور النضال النقابي لصالح الأحزاب والأنشطة السياسية؛ ولم تعطي (الحركة النقابية) فرصة حقيقية من أجل تطورها أو بناء حركة نقابية قوية تدافع عن مصالح العمال ومستقبلهم، بقدر ما عملت الدول وخاصة التي تتبنى المدرسة (الرأسمالية) على تقويض عمل (النقابات العمالية) ولم تستطع الحركات النقابية من إن تضع رؤية سليمة لمواجهة سياسات قوى (الرأسمالية) و(الليبرالية)، لتبقى (الطبقة العاملة) مقيدة لا تستطيع التحرك بأي اتجاه بفعل الأنظمة والقوانين التي وضعتها حكومات الدول لعرقلة وتقيد أنشطتها في المعامل.. والمصانع.. وفي مختلف مراكز الإنتاج؛ مما أدى إلى تقوقع النقابات داخل شرنقة (الخمود) و(الجمود)؛ وهذا التقوقع هو الذي أمكن القوى المعادية للحركات النقابية بسط نفوذها في العديد من البلدان (الشرق الأوسط)؛ بعد إن ظهرت الخلافات والتنافس والانشقاقات داخل النقابات؛ مما سعوا إلى تشكيل نقابات موازية؛ ما جعل النقابات أذرعا حزبية من خلال تشكيل (كيان دخيل عن جسد النقابة) بكونها جهة جامعة تعبر عن التعددية النقابية والنقابات المستقلة؛ حيث استطاعوا بهذه الإلية التسلل للوصول إلى قلب الحركة العمالية ليجعلوها مجرد (شعارات) تعبر عن مصالح وتوجيهات المراكز الامبريالية.. و مراكز لكثير من الأحزاب في منطقة (الشرق الأوسط) التي أخذت تستند إلى النقابات في نشاطها، فبدل من أن يساهموا في تقوية (الحركات النقابية العمالية) ودورها الوطني والنقابي؛ جعلوها أدوات لقمع إرادة الطبقة العمالية؛ لتتحول النقابات إلى أدوات لخدمة الأحزاب بدلا من مساعدتهم لتأمين الدعم لمطالب العمال.
ولكن هذا المخطط الذي أريد منه تشويه سمعة النقابات؛ وعت (الطبقة العاملة) بمخططاته القوى المعادية للعمال والطبقة الكادحة باعتباره نوع من أنواع تظليل الحقائق، لذلك عملت على فضح هذا المخطط في كل مواقع العمل المختلفة، بل أخذت تتحرك للتعبير عن مصالحها الحقيقية بعيدا عن أي تظليل مزيف؛ وهذا التحرك رافقه نضال عمالي في الإضراب في مواقع عديدة من قطاعات العمل؛ وهذا (الوعي) العمال بمخططات القوى (الامبريالية الرأسمالية) هو الذي مهد أمام النقابات بانفتاح افقها وتغيير مناهجها ليكون (النضال) وسيلة لتغيير واقع العمال أينما وجدوا، داعين إلى وحدة الصف والتضامن والتحالف ألأممي للطبقة العاملة ورفع شعارات وطنية ينطلق من وعي الطبقة العمالية لتعبير عن مصالح الحقيقية للطبقة العاملة .