زوعا اورغ/ وكالات
لطالما تغنى العراقيون ببلاد الرافدين، لكنهم يواجهون الآن شحا مائيا قد يؤدي إلى أن تصبح العراق أرضا بلا أنهار في 2040، وفقا لتوقعات “مؤشر الإجهاد المائي”.
وحاليا، يجري وفد عراقي برئاسة وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني، زيارة إلى تركيا للتباحث بشأن حصص المياه وتقسيمها بين العراق وتركيا.
وفي مايو الماضي، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن منسوب نهر الفرات، الذي يصنفه القانون الدولي نهرا دوليا يعبر عدة دول، انخفض بمعدل خمسة أمتار لأول مرة في التاريخ بسبب حجب الجانب التركي لمياه النهر.
يقول عبد الرحمن المشهداني أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية إن مجموعة السدود التي أنشأتها تركيا، ومن بينها سد إليسو، أدت إلى حبس المياه عن العراق أو تقليل دخولها إليه نتيجة تحويلها لملء الخزانات.
وفي إطار مشروع جنوب شرق الأناضول أو ما يعرف اختصارا بـ(الغاب) الذي بدأت العمل فيه في سبعينات القرن الماضي، تمتلك تركيا خمسة سدود عملاقة على نهر الفرات، ولا يزال العمل جار على إقامة سدين أخرين.
ومن بين هذه السدود، سد إليسو الذي بلغ كامل طاقته في ديسمبر 2020 وظهرت ملامحه واضحة على نهر دجلة الذي تأثرت إمداداته المائية وعانى جفافا.
ويمثل نهرا الفرات ودجلة شريان الحياة للعراق. وأدت المشاريع التركية إلى تراجع حصة العراق من النهرين.
ويربط المشهداني بين تأثير السدود التركية على حصة العراق بأزمة سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق، الأمر الذي قد يقوض الحصة المصرية من مياه النيل، قائلا لموقع “الحرة”: “هي نفس المشكلة بالضبط”.
وتقدر مصر، التي يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة، حصتها من مياه النيل بـ55 مليار متر مكعب، وفي المقابل يبلغ إجمالي معدل الاستهلاك لكافة الاحتياجات في العراق، التي يسكنها 40 مليون نسمة، نحو 53 مليار متر مكعب سنويا.
ويرجع مشهداني هذا الفارق إلى استخدام العراق “طرق ري متخلفة في كل مناطقه تقريبا، مما يسبب هدرا كبيرا في المياه، فضلا عن عدم الاستفادة من المياه التي تدخل بحر العرب”.
وقال: “كان من المفترض أن يقيم العراق مجموعة من الحواجز لحجز المياه وامتلاك مخزون منها، إلى جانب البحيرات والسدود الموجودة أيضا”.
وبحسب المشهداني، فإن المياه التي تتجمع سنويا في خزانات السدود لا يستثمرها العراق جيدا، قائلا: “طرق الزراعة الحديثة لم تنتشر بعد بشكل كاف مما يسبب الهدر”.
وفي 2018، ذهبت نسبة 80 في المئة من مياه العراق إلى قطاع الزراعة الذي يوفّر فرص عمل لأكثر من ثلث سكان البلاد.
ويهدّد النقص الحاد في المياه في العراق بزيادة المخاوف الأمنية من خلال إفقار المجتمعات الريفية، وزيادة النمو السكاني في الأحياء الفقيرة الحضرية، وتوفير أرضية خصبة للتجنيد في المنظمات المتشددة.
وربطت دراسة منشورة في المجلة العلمية المتخصصة “أميتسوك” مسألة خسارة الأراضي الزراعية في الشرق الأوسط بشكل عام بالاضطرابات المتزايدة والتجنيد في الجماعات المسلحة المتمردة و/أو الإرهابية مثل تنظيم داعش.
في المقابل يقول إسماعيل كايا، المحلل السياسي التركي، إن القاعدة التي تنطلق منها أنقرة بهذا الخصوص هو عدم الإضرار بمصالح العراقية المائية، مضيفا لموقع “الحرة”: “المشكلة ليست في الحصة التي تنبع من تركيا وإنما إدارة العراق داخليا لملف المياه، وإهدار العراق للمياه، وعدم وجود بنى تحتية جيدة ووسائل ري حديثة”.
وأضاف “حصة العراق لا تتأثر بالتدفق المائي من تركيا التي لا يمكن أن تفكر باتخاذ خطوة تضر العراق وتتسبب في غضب شعبي عراقي أو حتى صدام سياسي”.
وعن الاتهامات الموجهة لتركيا بخنق نهر الفرات بواسطة سدودها، قال: “تركيا لديها بعض المصالح في مشروع شرق الأناضول فيما يتعلق ببناء السدود وتوليد المياه، وعندما يتعلق الأمر بشكوى من العراق كان دائما هناك مفاوضات ومباحثات”.
وقال: “تركيا اقترحت مشاريع الغابات والري وتطوير البنى التحتية وإقامة مركز مشترك لأبحاث المياه لمساعدة العراق في إدارة ملف المياه بشكل أفضل”.
وتحدثت وسائل إعلام عراقية عن “اتفاقية جديدة” ستبرم أثناء زيارة الوفد العراقي لتركيا. لكن المشهداني يشكك في قدرة الوفد العراقي على التفاوض.
وقال: “مشكلتنا في الوفود العراقية، التي حتى وإن كانت على أعلى المستويات، لا تمتلك مهارة التفاوض مثلما يمتلكها الآخرون”.
ويعتقد المشهداني أن ملف المياه ورقة في يد أنقرة تضغط بها على بغداد، “رغم أن الأتراك يبدون حسن النية دائما لكن المشكلة على أرض الواقع والأفعال لا تدل على حسن النية”.
وتابع “الدليل على ذلك أن المياه خاضعة لمسألة شد وجذب، ليس اليوم فقط، بل بعد عام 2003، وهذا يرجع لضعف الدولة العراقية”.
أما كايا فيعتقد أن ملف المياه “سيبقى ملف تعاون وليس خلاف بين الدولتين”، قائلا: “ربما يوجد غضب عراقي في بعض الأوقات، وشكاوى من نقص المياه، ولكن في النهاية سيكون هناك اتفاق”.
ويرجح المحلل التركي أن يكون “العنوان الرئيس” للاتفاق هو التقاسم العادل للمياه.
ويستنكر كايا ما وصفها بـ”محاولة تحميل تركيا مسؤولية التغيرات المناخية، وما ترتب عليه من شح الأمطار، في العامين الآخرين”، مشيرا إلى أن تركيا عانت أيضا من نقص المياه، الأمر الذي انعكس على مستوى منسوب المياه في نهر الفرات، على حد قوله.
لكنه عاد ليقول: “ربما قلص تخزين مياه نهر دجلة خلف سد إليسو من حصة العراق، لكن الملء جرى بشكل مدروس بما لا يضر بمصالح العراق، وحتى لو كان هناك تأثير فهو جزئي”.