زوعا اورغ/ اعلام البطريركية
تحت عنوان “العراق نحو مرحلة جديدة، فلنشق معًا طريق الرجاء”، وجه بطريرك بابل للكلدان صاحب الغبطة مار لويس روفائيل ساكو رسالة لمناسبة عيد الميلاد المجيد جاء فيها نقلا عن الموقع الإلكتروني للبطريركية الكلدانية:”في عيد الميلاد رتل الملائكة: “الـمَجدُ للهِ في العُلى! وعلى الأرض السَّلامُ والرجاء الصالح لبني البشر” (لوقا 2/14). انه عنوان مشروع حقيقي طويل الأمد، تجسد في السيد المسيح ويتطلب أن يتجسد في قلب كلِّ إنسانٍ لكي يعمَّ السلامُ في العالم. هذا المشرع السماوي هو الأمل الوحيد للخروج من حالة القلق والخوف التي يعيشها الناس بسبب الحروب والإرهاب والاقتصاد المتردي والسباق إلى التسلح الفتاك”.
أضاف البطريرك ساكو “بعد إعلان النصر على تنظيم داعش الإرهابي وإنهاء سيطرته على الموصل ومدن عراقية أخرى منذ حزيران 2014، وتطهير جميع الأراضي، رجاء العراقيين هو أن يشكِّل هذا النصر العظيم خطوة قوية إلى الأمام في بسط الأمن والاستقرار، ومعالجة التداعيّات التي أثّرت على الأوضاع العامّة، وعودة الأمور إلى مسارها الصحيح من خلال توطيد أسس المواطنة الحقّة وحلّ القضايا العالقة سلمياً كـ”ملف كوردستان”، والقضاء على الفساد والطائفية المتفشية، وإجراء إصلاحات تشريعية وسياسية واجتماعية وتعليمية وتربوية واقتصادية جذرية، فضلاً عن إجراء الانتخابات بموعدها. هذا الرجاء سيعمق قناعة العراقيين بالمستقبل، ويعزز ثقتهم بالدولة، ويوحدهم على مختلف انتماءاتهم تحت خيمة وطنية واحدة، خصوصاً إذا تم إعمار البلدات المحررة وعاد المهجرون إلى ديارهم. انه التحدي الأكبر والرهان لتحقيق المرحلة الجديدة وفق مبادئ أساسية عامة”.
قال بطريرك بابل للكلدان “تحرير المناطق المسيحية علامة الرجاء للمسيحيين، بالرغم من هجرة ما يقارب نصف عددهم (الذي كان يربو على المليون ونصف قبل 2003) بسبب التمييز والتهديد والخطف وطرد داعش إياهم من بيوتهم في بلدات سهل نينوى. وعليه يتوجب على الدولة وهي الأم الحاضنة للجميع ان تعمل بجد على عودتهم إلى بيوتهم وممتلكاتهم، والحفاظ على حقوقهم كمواطنين أصيلين (المواطنة الكاملة)، والاعتراف بثقافتهم وحضارتهم وتراثهم كجزء أساسي من تاريخ العراق، والتصدي لأي تغيير ديمغرافي في مناطقهم الجغرافية التاريخية. لكن على المسيحيين أيضاً أن يتعلموا الدروس من الماضي وينزعوا عنهم الخوف والنظرة التشاؤمية والمصالح الشخصية التي تقسِّمهم، ويبلوروا رؤيتهم ويوحِّدوا صفَّهم وموقفهم ويتماسكوا لكي يحافظوا على وجودهم ودورهم في الشأن العام والعملية السياسية بشراكة وطنية حقيقية بعيدة عن التبعية والوصاية، ويبنوا وطنهم ومستقبلهم يدًا بيد مع إخوتهم المسلمين، لان لا يستقيم المستقبل ولا العيش المشترك إلا معًا. قوتنا في نسيجنا الوطني المتعدد، فلنشق معاً طريق الرجاء. كما على المسيحيين ان يتواصلوا مع مواطنيهم ومع الكنيسة التي احتضنتهم في محنتهم، وساهمت الى حدٍّ كبير في التفات المجتمع الدولي إلى حالهم. وهي اليوم تشد على أياديهم وتشجعهم على التمسك برجائهم والعودة إلى بلداتهم. فهذه البلاد بلادنا وسنبقى فيها”.
تابع البطريرك ساكو “وفي الشأن الكنسي الداخلي، على الكنيسة في العراق أن تقرأ علامات الأزمنة، وتجدد التزامها بالإنجيل، أي بالعودة إلى تعاليم المسيح، كما يدعو دائما البابا فرنسيس بتعميق العلاقة الروحية بعيداً عن النزعة إلى السلطة والمال، وان تقوم بمبادرات حقيقية نحو الوحدة، وأنجَلة مجتمعها، وتأوين خطابها الديني بحيث يتخطى النمط التقليدي الشكلي ليأتي خطاباً مفهوماً ومؤثراً. وان تسير على خطى المسيح تجاه الأشخاص المهجرين والمعوزين والمرضى وتقدّم لهم العناية الممكنة. كما عليها إشراك العلمانيين في نطاق أوسع في المسؤوليات من خلال المجالس الراعوية والخورنية وجماعات الخدمة، العلمانيون أعضاء وشركاء في الكنيسة بحكم معموديتهم وكهنوتهم الملوكي. ومع المسلمين ينبغي فتح حوار صادق لمعرفة وتفهم حقيقة كل طرف والاعتراف به وتقبِّله وخصوصًا ان مجمع الفاتيكان الثاني 1965 قد مهَّد الطريق لهذا الحوار حين صرّح: “أن الكنيسة تنظر بعين الاحترام إلى المسلمين الذين يعبدون الله الواحد، الحيّ القيّوم، الرّحمن القدير خالق السّماء والأرض…” هذا الحوار ينبغي أن يتخطى الشكليات ويعمل جاهدا مع كل ذوي الإرادة الطيبة من اجل استتباب الأمن والسلام وإشاعة قيم التسامح والعدالة والحرية والكرامة للجميع. وفي الختام أدعو المسيحيين في هذه الأيام المتميزة إلى وقفة تضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يعاني منذ سبعين سنة من الظلم والتهجير، كما ادعوهم الى الصلاة من اجل ان تبقى القدس مدينة مقدسة للمسيحيين والمسلمين واليهود”.