فواد الكنجي
المواجهات التي تشهدها الساحة الفلسطينية هذه الأيام امتدت واتسعت نحو كل الأراضي الفلسطينية المغتصبة من قبل الكيان الصهيوني المحتل؛ بعد إن تمادى هذا المحتل بالمساس بقدسية (القدس) و(الأقصى)؛ في وقت الذي يدرك الجميع – العدو والصديق – بان أي مساس بـ(القدس) مهما كان نوعه وشكله يثير الشعب الفلسطيني؛ فيهبوا هبة واحدة متحدين على قلب رجل واحد وعلى بكرة أبيهم دفاعا عن عاصمتهم الأبدية (القدس) ومقدساتها؛ فبعد إن قام الكيان الصهيوني الغاشم بترحيل سكان العرب من حي (الشيخ جراح) قسرا، هب الشباب الفلسطيني في حراك شعبي واسع النطاق دفاعا عن قضية ترحيلهم؛ ليتفاعل على الفور كل الفلسطينيين أينما وجدوا على الأراضي دولتهم (فلسطين)؛ فخرجوا ليعبروا عن رفضهم لقرارات المحكمة الصهيونية الجائرة لإخلاء الفلسطينيين؛ ليس فحسب من حي (الشيخ جراح) بل في (رأس العامود) و(البلدة القديمة) و(جبل زيتون) و(العيسوية) و(أريحا) و(سلوان) و(شعفاط) و(بيت حنينا) وغيرها من البلدات الفلسطينية التي يقطنونها منذ قدم الزمان؛ بعد إن حاول الكيان الصهيوني ترحيلهم قسرا من معظم أحياء المدينة؛ فحدث صدام دامي مع الصهاينة بيمينهم المتطرف لتهرع الشرطة الإسرائيلية بقطع الطرقات وإطلاق الرصاص الحي والمطاطي والصوتي بوحشية وإجرام لا مثيل له؛ بعد إن قاموا هؤلاء الأوغاد بوضع حواجز حول (الأقصى) وشوارع (القدس) و(باب العمود)؛ مما أدى إلى توسيع الحراك الشعبي في كل قصبات مدينة (القدس) العربية و(الضفة الغربية) و(قطاع غزة) و(الجليل) و(النقب) لتشمل كل القرى والمدن العربية والمدن المختلطة في الساحل الفلسطيني من (عكا) و(يافا) و(حيفا) و(اللد) و(الرملة)، بعد إن تصدا الشباب الفلسطيني الثار ضد أفعال الصهاينة البربرية بشجاعة وبسالة دفاعا على الحرم القدسي الشريف عبر مظاهرات ومواجهات واحتجاجات ليشتبك الشباب الثائر مع المستوطنين في المدن المختلطة الذين قاموا بإطلاق النار الحي على المتظاهرين وهم برفقة الشرطة الإسرائيلية التي كانت تحميهم؛ حيث قاموا جنبا إلى جنب بالاعتداءات وحشية على الشباب الفلسطيني؛ مما أدى إلى دخول فصائل المقاومة على الخط دفاعا عن أبناء الوطن لمواجهة الاحتلال ومتجاوبين مع ما حدث في (القدس) و(الأقصى) و(الشيخ جراح) فأطلقوا موجة من الصواريخ على مدن الإسرائيلية كانت إلى الأمس قريب بعيدة عن مرمى نيران المقاومة؛ ولكن في هذه المرة أصبحت تحت القصف؛ لدرجة التي لم تستطع (القبة الحديدية الإسرائيلية) من تصدي لهذه الموجات الصاروخية الهائلة، فإطلاق عشرات الصواريخ على مواقع ومدن الإسرائيلية والتي وصلت الكثير من هذه الصواريخ إلى مدينة ( تل أبيب) و(عسقلان) و(أسدود) و(بئر السبع) و(سديروت) و(ديموما) في جنوبي إسرائيل مع سماع صفارات الإنذار في كل مدن الإسرائيلية، لتبرهن المقاومة الفلسطينية الباسلة بأنها على جهوزية وقدرة على تنفيذ العمليات في كل المواقع والمناطق وفي ظروف مختلفة؛ وبان المقاومة لقادرة على استخدام احدث الوسائل وأساليب القتالية المتعددة في كل عملية؛ بما تعكس قدرتها على التنوع في أساليب المقاومة والقتال وفي مواجهة الاحتلال الصهيوني، بينما قامت القوات الإسرائيلية حملة قصف واسعة النطاق على قطاع (غزة) بعد إن ارتبك القيادة الإسرائيلية من شدة الموجة الصاروخية للمقامة الفلسطينية التي انهالت فوق مدنهم ورؤوسهم العفنة؛ مما سببت لهم هذه الأجواء المرعبة حالة من الهلع والقلق ليس فحسب بين أفراد الكيان الصهيوني بل بين صفوف الأجهزة الأمنية الصهيونية وأفراد الجيش الصهيوني خشية من أن تكون هذه العمليات مقدمة لموجة جديدة من التصعيد ليس فقط مع قطاع (غزة) وإنما أيضا في (الضفة الغربية) و(القدس) المحتلة وغيرها من المناطق الفلسطينية المحتلة قد تمتد إلى حرب شاملة، وهذا ما إربك المؤسسة الأمنية الصهيونية وأخذت تخشى من مخاطر توسع نطاق المقاومة الفلسطينية لدرجة التي تهدد أمنهم ووجودهم المغتصب على الأراضي الفلسطينية العربية انطلاقا من داخل (الخط الأخضر) ومن (الضفة الغربية) و(قطاع غزة)، ومما تقدم فإن الأيام المقبلة تؤشر إلى أن المقاومة والانتفاضة التي لم تتوقف وهي مقبلة على مرحلة من التصعيد والمواجهة لاسيما بعد إن اشتد القصف الإسرائيلي على مناطق (غزة) الأهلة بالسكان وادي إلى استشهادا عدد كبير من الأطفال والنساء والشيوخ، حيث من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى اشتعال المواجهات الشعبية الفلسطينية مع قوات الاحتلال في كل مدن الفلسطينية المحتلة، بعد إن برهنت المقاومة والمقاومة الشعبية بأنها كسرت شوكة الصهاينة وغطرستهم باعتبارهم قوة لا تقهر؛ لتبرهن المقاومة اليوم بأنها هي من باتت تملك اليد الطولى بعد إن أثبتت قدرتها على مقارعة جيش الاحتلال وإلحاق المزيد من الخسائر ومن الضربات الموجعة بقواته؛ بعد إن كشفت المقاومة حقيقته قوة إسرائيل المهزومة الغير قادرة على مواجهة المقاومة بعد نجاحها في فرض معادلتها الردعية وإذلال العدو الصهيوني بضرب قواعده العسكرية في عمق مدنه ومطاراته في (تل أبيب) لدرجة لتي أغلقت جميع مطارات الإسرائيلية؛ بل إن المقاومة مازالت توجه المزيد من الضربات له في باقي مدنه، على الرغم من امتلاك العدو الأسلحة المتطورة والمدمرة؛ إلا أنه أصبح يفتقد للقدرة على تحقيق الانتصار على المقاومة بعد إحباط معنويات الضباط والجنود الاحتلال بكونهم لم يعد لديهم قضية ودوافع للقتال على ارض ليست لهم وتم اغتصابها بقوة الجيوش الاستعمارية الغربية؛ ولان هم اليوم يعوا هذه الحقيقة؛ فلا دافع لديهم كي يضحوا من أجل ارض ليست لهم، على عكس معنويات إبطال المقاومة الفلسطينية وشبابها اللذين يتسلحون بإيمان قضيتهم وبأنهم يقاومون المحتل الصهيوني الغريب عن بلادهم (فلسطين) وعن المنطقة العربية؛ هذا العدو الذي جاء على متن دبابات الجيوش الغربية واغتصب أراضيهم في غفلة من زمن؛ وقد آن الأوان لاسترداد وطنهم وأراضيهم المحتلة لكي يعيشوا فيها بأمن وسلام واستقرار في دولتهم المستقلة وعاصمتها (القدس)؛ وهو ما يعزز في ضمائرهم القوة والجهوزية والقدرة على النضال والكفاح والقتال والاستعداد للاستشهاد في ساحة المواجهة مع العدو الإسرائيلي الذي يحتل أراضيهم ويغتصب حقوقهم، فالمقاومة من خلال ردها القوي على العدوان الصهيوني في تهجير الفلسطينيين من حي (الشيخ جراح) وباقي مدن وبلدات الفلسطينية تؤكد بأن زمن الهزائم قد ولى إلى غير رجعة؛ وأن الكيان الصهيوني المحتل بات في مأزق لعدم قدرته الردعية وعلى مواجهة الشباب الفلسطيني المقاوم، لان ثقافة المقامة والتمسك بخيار المقاومة والتصدي لكل محاولات ومشاريع الاستيطان الصهيوني المحتل؛ أصبح خيار الوحيد لإثبات الوجود على ارض الإباء والأجداد في (فلسطين) العربية؛ وبان لا خيار أمام الفلسطينيين إلا تصعيد المقاومة والكفاح والنضال كحل لمواجهة العدو الصهيوني وغطرسته في ظل تعاظم إجرامه الاستيطاني وفي تهويد والاغتصاب الأراضي الفلسطينية كسبيل وحيد للتحرير والعودة والانتصار؛ وأن المقاومة باتت قادرة على رسم الخطوط الحمراء في وجه العدو والمواجهة مع إسرائيل لتكون (القدس) كما قالها الرئيس الفلسطيني (محمود عباس) بان ((… مدينة (القدس) خط أحمر وقلب فلسطين وروحها ولا سلام ولا أمن ولا استقرار إلا بتحريرها بالكامل وانه لن نقبل بالأمر الواقع الذي يريد أن يفرضه الاحتلال في القدس من خلال استهداف الوجود الفلسطيني…)) .
فالجرائم التي يمارسها الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين في (القدس) و(حي الشيخ جراح) و(الضفة الغربية) و(قطاع غزة) هي جرائم ترتقي إلى مستوى جرائم الإبادة الجماعية؛ وما يشجع هذا المغتصب من تنفيذ جرائمه هو عدم المحاسبة وسكوت الدول الأوربية الغربية ودعم الإمبريالية الأمريكية التي تساندهم وتغض النظر عن جرائمهم؛ بل وتوفر لهم كل الحماية لارتكاب الجرائم والعدوان، وهذا الدعم الذي يتلقوه هو الذي يجعلهم يستهترون أبشع الاستهتار بالقانون الدولي وبالسلام العالمي وبأرواح الفلسطينيين العزل؛ بفضل الحماية والرعاية الضالة للإمبريالية الأمريكية، وحين بات أمر هذه المساندة والدعم لارتكاب أبشع جرائم ضد المدنين الفلسطينيين فلم يبقى سبيل إمام أحرار فلسطين سوى المقاومة والنضال والكفاح والقتال دفاعا عن أنفسهم وممتلكاتهم ضد عصابات المحتل الصهيوني الذين يمارسون جرائم الإبادة الجماعية بحق فلسطينيين وبشكل متواصل؛ فما إن ينتهي عدوان حتى يشنون أخر أبشع من سابقه، ليستمر مسلسل القتل والتهجير وتدمير بلدات الفلسطينية؛ بلدة بعد أخرى؛ وفي دوامة لا تنتهي منذ نكبة فلسطين عام 1948 والى يومنا هذا؛ حيث تصادف في هذه الأيام المأساوية ذكرى مرور أربعة وسبعون عام متواصل من قتل وتهجير وتشريد و تدمير المساكن و العمارات والاستغلال والإرهاب والتجويع وقتل الأطفال والنساء والشباب المناضل الثار ضد اغتصاب الأراضي وغيرها من الجرائم المهولة التي تستمر على قدم وساق؛ وعبر هذه السنين الطويلة مازالت مسيرة المقاومة تواصل عبر الانتفاضة والحراك الشعبي على كل المستويات ضد المحتل والمعتدي الإسرائيلي، إنها المقاومة الشاملة وشكل من أشكال الكفاح والنضال الوطني المشروع لشعب الفلسطيني المكافح لحين تحرير كافة أراضيه المغتصبة من المحتل الصهيوني .
فالمقاومة حق مشروع لشعب واقع تحت الاحتلال لاسترداد حقوقه وحقه في تقرير المصير في الحرية والسيادة والاستقلال؛ وان نضال الشعب لقادر على صمود والصبر وتحمل كل آلة العدوان الصهيوني الذي يمارس أبشع أنواع القتل والدمار بحق شعب اعزل يطالب بحقوقه ويسعى لاسترداد أراضيه ودحر الاحتلال؛ رغم كل خسائر التي قدمها هذا الشعب الباسل في الأرواح والممتلكات؛ ولكن عزيمة رجال أبت إلا السعي نحو طريق النضال والكفاح مقدما في ذلك بطولات نموذجية في إيقاع خسائر جسيمة بصفوف المحتل الذي يمتلك أدواة قتالية متطورة مدعومة من القوى الامبريالية الغربية الرأسمالية منذ قيامه والى يومنا هذا وعلى رئسهم (أمريكا) بكل إداراتها التي تنحاز انحيازا سافرا للعدو والتي تجاري كل أدواة القمع الصهيونية ضد الفلسطينيين؛ بل وتدعمه للممارسة أساليب الترهيب والقمع والضغط والتخويف من اجل ركوع الفلسطينيين واستسلام لأمر الواقع؛ ولكن خذلوا؛ لان إرادة الشعب الفلسطيني الذي قدم ملايين الشهداء لن يستسلم ولن يركع مهما كان الثمن، لان الفلسطينيون يدركون جيدا إن الكيان الصهيوني إنما يمارس ضدهم أبشع أساليب القمع والتدمير الوحشي وللإنساني – ضاربا عرض الحائط كل الاعتبارات والقيم و والقوانين والمواثيق الدولية – سعيا ومحاولة لتهديم كل مرتكزات الوجود للشعب الفلسطيني على أرضه، وهذه الهمجية الصهيونية في آلة الحرب والقتل والتدمير؛ هي التي فجرت المقامة وعززتها في نفوس كل أبناء الشعب الفلسطيني كطريق الوحيد نحو الحرية، ليعزز هذا الفهم لمواجه العدو الصهيوني مهما كانت قوته وبكل الأساليب المتاحة لشعب الفلسطيني؛ وفي مقدمتها (العمليات الاستشهادية) باعتبارها قمة المقاومة والبطولة؛ لأنها وحدها (الشهادة) تسقط امن العدو؛ مع اتساع رقعة الانتفاضة والحراك الشعبي والمقاومة والجهاد المعزز في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني بقوة الإرادة والصمود والتحدي، وان طريق المقاومة؛ طريق لا تعبده إلا دماء الأبطال وتضحياتهم؛ ولان المقاومة الفلسطينية تعي وتدرك وتؤمن بهذه المعادلة وبعدالة قضيتها وبقيمة تمسكها بحقها في تقرير المصير واسترداد أراضيها وإقامة دولتهم المستقلة؛ فان المقاومة هو خيار الشعب ستستمر لحين تحرير كامل الأراضي الفلسطينية وعاصمتها (القدس) مهما طال الزمن .