زوعا اورغ/ وكالات
تركت هجرة الأقليّة المندائيّة أثرها الأكبر على الوزن الديموغرافيّ لهذه الاقليّة الدينيّة الألفيّة، التي غادر 90 في المئة من أفرادها إلى خارج العراق بين عاميّ 2003 و2019، حسب تقدير رئيس الطائفة المندائيّة في العراق والعالم ستّار جبّار حلو.
ويشعر المندائيّون بإهمال كبير من لدى الحكومة العراقيّة، بل ومن المجتمع الدوليّ، إذ أنّ “الأمم المتّحدة والولايات المتّحدة ودول الاتّحاد الأوروبيّ نادراً ما تبدي اهتماماً بمستقبل الأقليّة المندائيّة، في حين تركّز بشكل غير عادل على التحدّيات التي تواجه المسيحيّين والإيزيديّين”، على حدّ تعبير مديرة أوقاف المندائيّين في جمهوريّة العراق نادية فاضل مغامس.
وفي هذا السياق، يهيمن على المندائيّين ذعر من فكرة إعلان إحصائيّات دقيقة عن عدد من تبقّى من أفراد الأقليّة داخل العراق بسبب عدم رغبة رئاسة الطائفة في بثّ الرعب من فكرة انقراض الأقليّة، فضلاً عن سبب آخر أكثر أهميّة على ما يبدو، يتمثّل بالخوف من التهميش السياسيّ، إذ عادة ما يرتبط سياق المطالب السياسيّة بالوزن الديموغرافيّ للأقليّة المعنيّة.
وعلى حدّ ما ذكره رئيس الطائفة المندائيّة في البصرة مازن نايف، فإنّ العدد الأكبر من المندائيّين في العراق يتركّز اليوم في محافظة البصرة، وحتّى في محافظة ميسان شرق البلاد على الحدود مع إيران، والتي كانت معقلاً تاريخيّاً للأقليّة المندائيّة عبر العصور، تراجعت أعداد المندائيّين فيها على نحو لافت. أمّا في العاصمة بغداد فتراجعت أعداد المندائيّين فيها منذ الغزو الأميركيّ خلال عام ٢٠٠٣، رغم أنّ ثلثيّ عدد المندائيّين تركّز فيها منذ ستينات القرن الماضي.
وبناء على واقع التمركز الديموغرافيّ للمندائيّين في البصرة، رأى رئيس مجلس شؤون الصابئة المندائيّين في البصرة غازي لعيبي أنّ المطالبة بمقعد في مجلس المحافظة المذكورة باتت ضرورة راهنة تتلاءم مع هذه المتغيّرات. وقد بدأ المندائيّون خطوة جادّة قبل عامين من خلال حثّ مجلس محافظة البصرة على إرسال كتاب رسميّ موجّه إلى البرلمان الاتحاديّ في بغداد يطلب منه تخصيص كوتا خاصّة للمندائيّين في مجلس محافظة البصرة، إسوة بالمقعد الذي حصل عليه المندائيّون في محافظة ميسان، وفقاً لقانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية رقم 12 لسنة 2018، والذي يقضي في فقرته المرقّمة 15 بتخصيص مقعد للمندائيّين في محافظة ميسان، إلاّ أنّ البرلمان، حسب ما أوضح غازي لعيبي، لم يصدر عنه أيّ ردّ رسميّ حتّى هذه اللحظة.
وعبّر ستّار جبّار حلو عن قلقه من الإهمال الموجّه إلى الصابئة خلال مقابلة معه، إذ قال: “إذا كانت الحكومة العراقيّة لا تعير انتباهاً إلى مطالبنا، وهي تعرف أنّ من تبقّى منّا لا يتجاوز آلافاً عدّة، فكيف إذا سمعت أن من تبقّى أقلّ من ذلك”.
واضطرّ عدد من مرشّحي المندائيّين في البصرة سابقاً إلى الانضمام لقوائم حزبيّة تعود إلى تيّارات سياسيّة مختلفة، لكنّ جهود هؤلاء المرشّحين باءت بالفشل، نظراً للسلوك التصويتيّ للناخبين الذين يصوّتون على أساس إثنيّ أو طائفيّ أو حزبيّ. ومن الصعب تخيّل تصويتهم لمرشّح مندائيّ، فضلاً عن ضعف الوزن الديموغرافيّ للمندائيّين، مقارنة بوزن الناخبين الآخرين، وهو ما لا يرجّح كفّتهم في أيّ منافسة انتخابيّة، حتّى لو صوّت جميع المندائيّين في البصرة لصالح مرشّح مندائيّ في إحدى الكتل السياسيّة ذات النفوذ في المحافظة.
أضاف رئيس الطائفة المندائيّة في محافظة ميسان نظام كريدي سبباً آخر إلى أهميّة البصرة الراهنة بالنّسبة إلى المندائيّين، يتمثّل بواقع استقطابها أعداداً متزايدة من المهاجرين المندائيّين من محافظات أخرى مثل ميسان. ويبدو أنّ هجرة المندائيّين من ميسان خلال السنوات الأخيرة اتّخذت مسارين: الأوّل، داخليّ باتّجاه إربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، والثاني إلى خارج العراق.
وهناك أرقام أكثر دقّة لمن يوجد من المندائيّين في كردستان. وبحسب ممثّل المندائيّين في وزارة الأوقاف والشؤون الدينيّة خالد رومي، فإنّ عدد المندائيّين في محافظة إربيل يبلغ 400 مندائيّ، في حين يتراوح العدد بين 35 و40 مندائيّاً في السليمانيّة، و4 أشخاص في محافظة دهوك. ومثل هذه الأرقام المتواضعة، تبيّن حجم الخوف الذي يهيمن على نقاشات المندائيّين من الانقراض. ويقدّر “المونيتور” عدد من تبقّى من المندائيّين في العراق بحدود 3 آلاف مندائيّ.
استجابة لتحدّيات تعرّض المندائيّين لخطر الانقراض، صدرت وثيقة بعنوان “وثيقة الأمل المندائيّة” في ٤ تمّوز/يوليو من عام ٢٠١٨، بمبادرة من نخب قياديّة في الطائفة خارج العراق، عرضت أبرز التحدّيات التي تواجه المندائيّين في المهجر، مشيرة إلى أنّ خطر انقراض الدين المندائيّ بات قريباً، بسبب “تبعثر المجتمع المندائيّ على شكل تجمّعات صغيرة في بلدان أجنبيّة تسود فيها قيم وتقاليد وأديان أخرى، الأمر الذي أدّى إلى تمزّق النسيج الاجتماعيّ المندائيّ، وتكاد تتلاشى التقاليد والعادات المندائيّة”.
وجاء مؤتمر “الأمل المندائيّ”، تطبيقاً لما جاء في الوثيقة، وكان انعقد بين 16 و18 آب/أغسطس من عام 2019 في أمستردام، بمشاركة 130 مندائيّاً من 11 دولة لمناقشة مستقبل المندائيّين في العراق والعالم. ومن أهمّ مقرّراته، تأسيس رابطة الشباب المندائيّ العالميّ بهدف توحيد هويّة وجهود المندائيّين من النخب الشابّة المهاجرة في كلّ أنحاء العالم.
وتعليقاً على هذا القرار، لخّص أمين سرّ مجلس شؤون الطائفة المندائيّة في محافظة ميسان بجنوب العراق الناشط الشاب أسامة البدري مخرجات المؤتمر قائلاً: “شهد المؤتمر تأكيداً على تمكين الشباب من أن يحتلّ دوراً قياديّاً في مسيرة العمل الطوعيّ المندائيّ في المستقبل”.
من جهة ثانية، شهدت نقاشات المؤتمر جدلاً حول ضرورة الإصلاح الداخليّ ومواكبة روح الحداثة بالنّسبة إلى أقليّة تعتنق ديانة ألفيّة ما زالت متمسّكة بطقوسها منذ أكثر من ألفيّ عام. وفي هذا السياق، أكّدت الوثيقة الختاميّة “التعامل الإيجابيّ مع معطيات العصر الحديث بثقة ورغبة أكيدة في التكامل المرن، الذي يحافظ على الهويّة الثقافيّة المندائيّة ويدعم التميّز والإبداع المندائيّ للأجيال الجديدة”.
د.سعد سلوم أكاديمي وخبير في شؤون التنوع الديني في العراق وهو استاذ مساعد في كلية العلوم السياسية الجامعة المستنصرية في بغداد ومن مؤسسي المجلس العراقي لحوار الأديان وقد حاز على جائزة ستيفانوس للحريات الدينية لعام 2018 ومن ابرز مؤلفاته اقليات العراق ما بعد داعش 2017 الايزيديون في العراق 2016 الوحدة في التنوع 2015 المسيحيون في العراق 2014 والاقليات في العراق 2013.