حميد الموسوي
مع مطلع كل عام يبدأ هاجس اقرار الموازنة العامة يؤرق الجميع، مسؤولين حكوميين ومعارضين، مثقفين ومفكرين وبسطاء الناس. وكأن عرقلة اقرار تلك الموازنة وعدم اقرارها في وقتها المحدد من المسلمات والبديهيات نتيجة تكرار حالة العرقلة والتلكوء في كل عام. الذي شجع على هذه الحالة ورسخها مسألة التوافق والقبول بربط القرارات المختلف عليها بالموازنة العامة، وكما هو معلوم فأن بعض القوانين التي تصر عليها بعض الكتل وتتمسك بالمطالبة بالتوقيع عليها دون تعديل او تغيير توضع مقابل التوقيع على الميزانية، وهذا من اغرب المساومات والتي ما حصلت و لن تحصل في البلدان الديمقراطية وترفضها جميع النظم الدستورية.
تأجل التوقيع على الميزانية العامة عدة مرات واستغرق الكثير من الجلسات البرلمانية الناقصة النصاب بسبب قضية مدينة كركوك مرة وبسبب تخصيصات المحافظات مرة، وبسبب حصة اقليم كردستان المتميزة مرات وبسبب قانون العفو العام المشروط حينا وغير المشروط حينا اخر، وبسبب قوانين الاستثمار مرة، وقانون شركات النفط مرات، تلكؤ بعض الكتل او امتناعها عن التوقيع على تمرير موازنة 2018 زاد الكتل والتحالفات الاخرى اصرارا وامتناعا وشجع بعضها على طرح شروط اضافية مقابل التوقيع على قانون الموازنة العامة الامر الذي زاد المسألة تعقيدا وارباكا.
لاشك ان تزامن عرض بعض القوانين مع طرح قانون اقرار الموازنة امر مقصود وربط التوقيع على القوانين جملة واحدة او عدم التوقيع تقليد غير حضاري وغير ديمقراطي، خاصة وان تأخير توقيع الموازنة العمومية يؤخر تنفيذ جميع المشاريع التي احوج ما تكون اليها المحافظات قبل العاصمة والتي ترتبط بها معاشات الناس وخدماتهم وحاجاتهم الضرورية كما يربك سير عمل المشاريع التنموية وربما يفشل معظمها بسبب تأخر صرف التخصيصات. فعامل الوقت الذي يقوم عليه نظام الكون ويعامل بقدسية والتزام من لدن الشعوب الحية والحكومات الحريصة على بناء مستقبل اوطانها ومصير اجيالها والذي نصرفه هدرا ويضيعه البرلمانيون والمسؤولون بين نقاشات عقيمة وسجالات مجدبة وشجار وخلاف وتبادل القاء التهم وغياب عن حضور الجلسات وتأجيل بعد تأجيل، هذا الوقت المهدور اضاع على العراق فرصا لا تعوض خاصة وهو يخرج من احلك مرحلة دكتاتورية مقيتة ويتعرض لاعتى هجمة ارهابية، وافقد العراقيين الكثير مما كانوا يتمنونه ويصْبُون اليه واخّرهم عن ركب الانسانية بعد ان ابعدتهم حقب الدكتاتورية وحروبها عن التقدم بعد الطفرات العلمية التي حققتها شعوب العالم خلال السنين الاربعين الماضية.
التصويت على الميزانية العامة هذا العام يأتي في ختام الدورة البرلمانية وعلى مشارف انتخابات نيابية ودورة جديدة، وهذا مايزيد الامر خطورة، فكثرة التأجيلات قد تؤدي الى ترحيل الميزانية الى البرلمان القادم ما يعني توقيف وتجميد الاعمال والانشطة والمشاريع مدة ستة اشهر على اقل تقدير!. ولا نتصور ان حركة او مسؤولا عراقيا تهمه مصلحة وطنه وقضية شعبه يرضى بذلك او يتحمل مسؤوليته .ومع كل قانون يصدر في الوقت الضائع وما يشتجر عليه من خلاف واعتراض وما يثيره من لغط ويؤخره من عمل ترتفع اصواتنا قبل اقلامنا:
اين كنتم ايها المشرعون، وايها المفكرون والمقترحون؟ لتكن لكم فيما حصل عبرة واعتبار فقد مررت اكثر القرارات والتشريعات محملة بالنواقص والاخطاء نتيجة عدم الدراسة الكافية لها وحساب تداعيات بعض فقراتها في المستقبل المنظور والبعيد والامثلة على ذلك كثيرة، مررَّت على طريقة التوافقات وارضاء لهذا الطرف او ذاك. لكن الذي حصل ويحصل هو تكرار اخطاء مقصودة ومبيتة، ووقوع متعمد في المحظور. فالمعروف ان العاقل لايلدغ من جحر مرتين، ومن تكررت اخطاؤه قل عتابه، ومن كثر اعتذاره قل اعتباره، ومن قل اعتباره تساوى ليله ونهاره.
نشر في العدد 657 من جريدة بهرا في عامود (نواقيس).