زوعا اورغ/ وكالات
بين مبان مدمرة في مدينة الرقة السورية، يتجول رجلان متنكرين بثياب سانتا كلوز وعلى أكتافهما كيسان من الهدايا، يقرعان الأجراس ويتبادلان الضحكات مع الأطفال في شوارع معقل تنظيم الدولة الإسلامية السابق في سوريا.
خلف الرجلان يمشي العشرات من السكان القلائل الذين عادوا إلى مدينة الرقة، ويتوجهون جميعاً إلى كنيسة الشهداء الأرمنية في وسط المدينة التي لم يبق منها سوى بعض الاعمدة وسقف متضرر.
وفي الكنيسة، علتّ أصوات التراتيل من جهاز تسجيل، ووُضع صليب خشبي فوق جبل من الركام، وزُينت شجرة ميلاد بالاضواء والأجراس الصفراء والحمراء اللون.
ووسط هذا المشهد، وزع رجلا سانتا كلوز الهدايا على الحضور وبينها ألعاب دمى وسيارات للأطفال.
وصل أحد الأطفال متأخراً، تقدم من الحاضرين وسألهم “أين بابا نويل؟ كنت أتمنى أن أراه وأخذ هدية منه”، لكن ذلك فاته للأسف.
وقبل اندلاع النزاع في العام 2011، كان المسيحيون من سريان وأرمن يشكلون واحداً في المئة من إجمالي عدد سكان مدينة الرقة. وكان هؤلاء يحتفلون بأعيادهم في الكنائس ويقيمون القداديس. إلا أن معظمهم فرّ بعد وصول المعارك الى مدينة الرقة ثم سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية عليها في 2014.
وخُيّر المسيحيون في مناطق سيطرة التنظيم بين اعتناق الاسلام أو دفع الجزية او الرحيل، تحت طائلة القتل. وغالباً ما عمد الجهاديون الى تدمير الكنائس والمقامات الدينيةّ.
وأقدم عناصر التنظيم المتطرف قبل سنوات على إنزال الصلبان عن كنيستي الشهداء وسيدة البشارة الكاثوليكية في الرقة واحرقوا محتوياتهما وألحقوا بهما أضراراً كبيرة.
ودعت قوات سوريا الديموقراطية السكان للمشاركة في تلك الاحتفالات الرمزية التي غاب عنها الكهنة والمسيحيين من ابناء الرقة باستثناء مقاتلين من المجلس العسكري السرياني.
وعلى هامش مشاركته في الاحتفال أمام كنيسة الشهداء، يقول القيادي في المجلس العسكري السرياني حورو أرام (24 عاماً) “شعورنا اليوم لا تصفه الكلمات، لا توجد كلمة تلخص شعوري كمسيحي او كسرياني او حتى كمقاتل”.
ويضيف “شعورنا حين نأتي لنصلي في هذه الكنيسة هو الفخر والفرح، لا اعرف كيف اصفه أكثر من ذلك”.
ثم يشير الشاب ذو اللحية الخفيفة إلى الحضور من حوله قائلا “الحمد لله لتواجد كل هؤلاء العالم مع قواتنا. نشعر اليوم بقيمتنا، وأن كل تضحياتنا لم تذهب سدى”.
ومنذ استعادة قوات سوريا الديموقراطية السيطرة على مدينة الرقة في 17 تشرين الأول ، عاد مئات المدنيين إلى أحياء عند اطرافها بعدما انتهت الفرق المتخصصة من نزع الألغام هناك.
وتنتشر على جدران المدينة وشوارعها عبارات التحذير من الألغام التي تتسبب بشكل شبه يومي بسقوط ضحايا.
ومع اقتراب عيد الميلاد، عمدت فرق الألغام التابعة لقوات سوريا الديموقراطية إلى تنظيف ما تبقى من كنيستي الشهداء وسيدة البشارة في المدينة، التي خلفت المعارك فيها دماراً كبيراً جعل من الصعب التعرف على معالمها.
وتقول هاجر الأحمد، التي تضع على رأسها حجاباً بني اللون وقصدت كنيسة الشهداء برفقة أصدقاء لها، “نحن سعداء لاننا نشارك في الاحتفال في الكنيسة، بعدما كان داعش يمنع الاحتفالات ويتهم المسيحين بالكفر”.
وعند مدخل الكنيسة، يقول القيادي في قوات سوريا الديمقراطية شفكر هيمو “نبارك عيد ميلاد المسيح لكل الرقة (…) نستطيع القول الآن أن الرقة حُرة وعادت إليها ألوانها السابقة”.
ويضيف باللغة الكردية “يستطيع جميع الناس اليوم أن يعودوا إلى الرقة حاملين ثقافتهم ولغتهم ودينهم”.
وفي دوار النعيم القريب، الذي استبدل السكان اسمه بدوار الجحيم لكثرة الإعدامات وعمليات الصلب التي شهدها خلال حكم الجهاديين، ينهمك فنانون تشكيليون بالرسم على الألواح أمامهم.
ترسم احداهن، وهي ترتدي لباساً عسكرياً، لوحة لسانتا كلوز على خلفية سوداء اللون، في حين ترسم اخرى سجناً وسيفاً.
يقف الرسام التشكيلي فرهاد خليل (47 عاماً) من مدينة الحسكة أمام لوحته بألوانها المتداخلة، ويقول “رسالتنا وخصوصاً في دوار النعيم (…) هي لا للحرب نعم للحياة. نريد ان نبني، نريد أن نضفي الوانا أجمل من هذا الدمار”.
ويضيف “هذه اللوحة لها علاقة بالرقة، هناك دماء وهناك نور أيضاً”.