جورج هسدو
لست من متابعي عمل (المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق) ولا من المعجبين بأدائها، وذلك لسببين هما، قناعتي المطلقة بعدم استقلاليتها لا بل تبعيتها للأحزاب الكبيرة (الحاكمة) أولاً، وثانياً فشلها المهني والاداري في تسيير الانتخابات البرلمانية العراقية لدورات عديدة رغم هيكليتها الكبيرة التي تكاد تكون أوسع من أي وزارة خدمية.. إلا أن ما بت أسمعه مؤخراً من تدخلات من قبل دائرة الاحزاب والتنظيمات السياسية (قسم من أقسام المفوضية) في الشوون الداخلية للأحزاب العراقية وخاصة أحزاب شعبنا الأشورية، الكلدانية، السريانية، جعلني أبحث عن ماهية هذه الدائرة.. فوجدت أو بالأحرى عثرت على حقيقة مفادها (إن هذه الدائرة معنية باصدار اجازة تأسيس الاحزاب السياسية، ومن ضمن تخصصاتها متابعة أعمال ونشاطات الاحزاب السياسية ورصد المخالفات الصادرة عنها، والتحرك قانونياً لدى المحاكم المختصة عند وجود دعاوى قضائية بحق الاحزاب السياسية).
حيث في صفحة الدائرة وفي رابط (اجراءات تأسيس الاحزاب والتنظيمات السياسية) نجد أنه يستند إلى أحكام المادة (59) من قانون الاحزاب والتنظيمات السياسية رقم (36) لسنة 2015، وأحكام المادة (39) من تعليمات تسهيل تنفيذ قانون الاحزاب السياسية رقم (1) لسنة 2016.. وعند التحقق من هذه المواد لم أجد ما يؤكد أو يشير إلى (وجوب) إشراف دائرة الاحزاب والتنظيمات السياسية على المؤتمرات الحزبية!!.
بل نجد في الفصل الخامس / الحقوق والواجبات / المادة 20/ ثانياً: وثائق الحزب السياسي ومراسلاته ووسائل اتصاله مصونة ولا يجوز تفتيشها أو مراقبتها أو التنصت عليها، أو الكشف عنها الا بقرار قضائي وفقا للقانون.. فكيف إذاً تسمح الأحزاب السياسية بتواجد اشخاص غير منتمين في قاعة المؤتمر بحيث يطلعون على كامل تفاصيل العمل الحزبي وما يمكن أن يحويه من شؤون داخلية أو طرح وثائق وأسرار تنظيمية سيكون من غير اللائق والمضر تداولها خارج الحلقات الحزبية؟!.
وفي الفصل الخامس المادة 24 نجد: سابعاً: تزويد دائرة الاحزاب باية تحديثات على نظامه الداخلي وبرنامجه السياسي وأسماء الأعضاء المؤسسين والمنتمين حينما يطرأ عليها أي تغيير. وهنا العبارة واضحة جداً ولا تقبل أي تأويل (تزويد) أي من غير المفروض على دائرة الأحزاب حضور عملية التغيير برمتها وما يمكن أن ينتج عنها من شد وجذب بين المتنافسين والتي أغلبها أمور داخلية لا يرغب الحزب أن تكون على الملاء.. كما أن النظام الداخلي الحزبي هو بمثابة (دستور الحزب) والذي يتفق عليه الأعضاء حصراً ويتم إقراره في المؤتمر العام، ولا يحق لأي شخص من خارج الحلقات التنظيمية البت بصحة أو خطأ بنود النظام الداخلي، لكن في أكثر الاحوال مقبولية من الممكن لدائرة الاحزاب السياسية أن تبدي رأيها بنقاط من البرنامج أو المنهاج السياسي، وحتى هذا ليس من الضرورة أن يتم حضورياً بل بعد ان يتم تزويد الدائرة به!!.
وفي نفس الفصل المادة 27 نجد: على رئيس الحزب ومن بصفته إعلام دائرة الاحزاب بأي قرار يصدره الحزب بحله أو اندماجه أو بأي تعديل يطرأ على نظامه الداخلي وخلال (30) ثلاثين يوماً من تأريخ صدور القرار.. وهنا أيضاً يؤكد القانون على (اعلام) دائرة الاحزاب وليس حضورها أو انتظار قرارها على عملية الحل أو الاندماج، ومدة الثلاثين يوماً هي فقط سقف زمني (لاعلام) الدائرة وليس لانتظار موافقاتها على الاجراء والذي من المفروض أن يكون قرار حزبي بحت!!.
في الفصل السادس التحالف والاندماج / المادة 39 / ثالثاً، نجد أنه ليس لدائرة الاحزاب السياسية علاقة بالشأن المالي: ثالثاً : يقدم الحزب تقريراً سنويا بحساباته يعده مكتب محاسب قانوني مرخص ويرفع تقريره إلى ديوان الرقابة المالية.. وفي المادة 42: تتسلم الاحزاب السياسية إعانة مالية سنوية من ميزانية الدولة، ويتم تحويلها إلى حساب كل حزب من قبل وزارة المالية.. وفي المادة 43: تختص وزارة المالية بالموافقة على التقدير السنوي للمبلغ الكلي للإعانة المالية المقدمة من الدولة للاحزاب، وتقدم اقتراحاً بذلك إلى مجلس الوزراء للبت فيه وتضمينه في مشروع الموازنة العامة للدولة.. وفي المادة 44: تتولى دائرة الاحزاب توزيع المبلغ الكلي للإعانة المالية على الاحزاب السياسية وفقاً للنسب الآتية:
أولاً: ( 20 %) عشرون بالمائة بالتساوي على الاحزاب السياسية المسجلة وفق أحكام هذا القانون.
ثانياً: (80 %) ثمانون بالمائة على الاحزاب الممثلة في مجلس النواب وفقاً لعدد المقاعد التي حاز عليها مرشحوها في الانتخابات النيابية.
إن أحد أهم جلسات المؤتمرات الحزبية هو التداول في الشأن المالي، ومن أخطر فقراتها هو البحث في ميزانية الحزب وايجاد معالجات فاعلة لديمومة العمل الحزبي، لابل أنه في كثير من الأحيان لا يتم اطلاع كامل القاعدة الحزبية على الموقف المالي بغية الحفاظ على أسرار الحزب المالية والاقتصادية والتي من شأنها إذا ما خرجت للعلن أن تضع الحزب في موقف ضعيف أمام الأحزاب المنافسة وحتى الصديقة.. إذا كيف يمكن لأشخاص مستقلين (هذا ان لم يكونوا طوابير خامسة لاحزاب أخرى) أن يحضروا هكذا جلسات ويطلعوا على تفاصيلها وأسرارها؟!، نعم، يمكن عمل جلسة افتتاحية بروتوكولية يتم دعوة ضيوف رسميين، كأعضاء من الحكومة وممثليين عن أحزاب سياسية وحتى أكاديميين وأصدقاء من خارج الجسد التنظيمي، لكن حال انتهاء الجلسة لا يجوز حضور جلسات المؤتمر إلا من كان منتخباً له أو حاصل على عضويته وفق الأصول والقواعد التنظيمية.
برأيي أن العملية برمتها ترمي إلى وضع الأحزاب السياسية (الصغيرة) تحت وصاية السلطة، حيث في النهاية لن تتأثر الأحزاب الكبيرة الحاكمة بعملية (تأميم الحزب) وتحويله إلى مؤسسة حكومية، فهي أولاً وأخيراً من تدير دفة الحكم ولن تكون عاجزة عن تغيير أي بنود أو فقرات أو تعليمات أو حتى قوانين إذا ما أدت إلى تقويض سلطاتهم الحزبية.. كما أن ما تمارسه دائرة الاحزاب السياسية في المفوضية ما هو إلا (تمرير) إرادة هيئة حكومية على منظمات مدنية، بحيث في نهاية الأمر لن يكون لأي جهة أو كيان حقوق مدنية خارج وصاية السلطة؟، وشيئاً فشيئاً يتحول الحزب القومي الذي أسس للمطالبة والدفاع عن حقوق شعبنا إلى مؤسسة وطنية (تابعة) مشلولة ومفرغة من محتواها القومي حتى في مثل الظروف الشائكة والاستثنائية التي يمر بها شعبنا حالياً (أفراداً ومؤسسات)؟!.
قبل أن أختم أرغب بطرح سؤال عملي (خبيث) متعلق بمؤتمرات أحزابنا القومية حصراً.. كيف سيفهم أعضاء المفوضية ما يدور في مؤتمر حزب أشوري أو كلداني أو سرياني وهم يستخدمون لغتهم الأم في المناقشات؟!، وحتى لو سلمنا أنه سيكون من بينهم أحد أبناء شعبنا سيكون من المستحيل عليه أن يستطيع ملاحقة وترجمة كل ما يجري في المؤتمر من (مناقشات ومداخلات وردود واعتراضات وانتقادات ومجادلات) هل أستمر؟ (اقتراحات وتثنيات ومراجعات وتوصيات ومقررات) وعلى مدى أيام؟؟!!.
أخيراً فأني أرى أنه بحسب قانون الاحزاب السياسية ليس لدائرة الأحزاب والتنظيمات السياسية الحق في حضور جلسات المؤتمرات الحزبية ولا لها الحق في البت في بنود النظام الداخلي، وإذا كنت على خطأ أو كانت المسألة لا تتعلق بالقوانين والأنظمة الصادرة من مجلس النواب العراقي ولا هي تعتمد على مضامين قانون الأحزاب السياسية.. فأني أقترح على جميع أحزاب شعبنا أن تحل نفسها وتمارس استقلالية قرارها في مجالات أخرى غير السياسة، أفضل من أن تبقى أسيرة قوانين مجحفة وتحت رحمة مؤسسات غير مستقلة وانتظار قرارات أشخاص مؤدلجين عقائدياً!!.