1. Home
  2. /
  3. اراء
  4. /
  5. مقالات
  6. /
  7. مع غبطة المطرابوليت المرحوم...

مع غبطة المطرابوليت المرحوم مار أبرم موكن حول وحدة الكنيسة وتسميتها

أبرم شبيرا

كُلما كان غبطة المطرابوليت المرحوم مار أبرم موكن، أسمه جورج موكن بالولادة، يسافر إلى الخارج كان يقضي يوم أو أكثر في دبي (ترانزيت) للراحة قبل سفره الطويل إلى أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية. وقد غُرف عن غبطته بغزارة الإنتاج الفكري حيث ألف 97 كتابا حتى عام 2004 إضافة إلى كتابات وبحوث ترنو على 99 بحثا في تاريخ الكنيسة والقضايا الدينية والإجتماعية ومواضيع عديدة ومختلفة، وله أيضا كتاب يحتوي على 161 نكتة ومعظمها عن المسائل الكنسية ورجال الدين وعنوانه:

‏NOT SO FUNNY, A collection of 161 hilarious jokes from the pen of an Archbishop, By Dr.

‏-Mar Apem – D. Th., Ph.D. – Trichur, Kerala, 2004

كنا نحن الأشوريون المقيمون في دبي نستغل فرصة تواجده في دبي فنرتب لغبطته جلسة غذاء واللقاء به والحديث معه وبروحه المرحة مستمتعين بحديثه الشيق المقرون بالفكاهة والمرح والنكات. فذات يوم سألت غبطته: كيف تمكنتُ من توحيد ثلاث فروع لكنيسة المشرق (الأشورية والقديمة والكلدانية) في كنيسة واحدة وتحت تسمية واحدة (الكنيسة الكلدانية السريانية في الهند – فقال غبطته وبروح ملئها البهجة والإنشراح، ل ل wen e eae

لدينا تيارايه وجلوايه وبزنايه وتلكبنايه وألقوشنايه… فكلنا هندواية … جواب فيه معاني كثيرة ومغزى عميق يعرفها جيدا من يفهم أسباب عدم توحيد فروع كنيسة المشرق. كانت تسمية الكنيسة في الهند ب “الكنيسة الكلدانية السريانية” موضوع نقاش وإنتقاد من قبل بعض المثقفين القوميين الأشوريين بسبب إعتماده التسميات الطائفية وتجنبه أستخدام التسمية الآشورية كما هو الحالة مع كنيسة الأم كنيسة المشرق الأشورية”.. ومن بين هؤلاء القوميين الأشوريين أذكر المفكر القومي الكبير ديفيد بيرلي (رحمه اللّٰه) الذي كان يراسل غبطته وينتقده على إعتماده تسمية “الكنيسة الكلدانية السريانية في الهند” متجاهلا التسمية الأشورية وطالبا منه أن تكون التسمية “كنيسة المشرق الأشورية في الهند” كما هو الحال مع كنيسة الأم. أنظر لهذه الرسائل في كتاب:

‏DAVID B. PERLEY, A Collection of Writings on Assyrian, Edited by Tomas Beth Avdalla, Nineveh Press, 2016, P. 490 – 492.

ذات يوم وفي أحدى لقاءنا مع غبطته في دبي، طرحت هذا الموضوع معه، فطلبت منه أن يعطي لنا إستفسار ومبررات لهذه التسمية التي لا تتطابق مع تسمية كنيسة الأم. فكان جوابه: الأشورية، التسمية التي تستخدمها كنيسة الأم، هي صفة لحضارة لها مقومات منها الأرض والتاريخ والعادات والتقاليد، فهي بالتالي ليست حضارتنا لأن حضارتنا هي هندية بكل جوانبها التاريخية المعروفة. كما وأن حصر الكنيسة بقومية واحدة -الأشوريين- خطا كما وردت التسمية في اللغة الأشورية، هي “عيتا دمدنخا دأتورايه”، (Kiahra Kuzor Kh)، أي بما معناه بأن الكنيسة حصرا بالآشوريين (أتورايه) فقط، في حين نحن هندوايا. أما بالنسبة للتسميتين “الكلدانية والسريانية” اللتين أعتمدهما غبطته في تسمية الكنيسة في الهند فكان يفسرهما على أن الكلدانية تسمية طائفية كنسية أستخدمت في فترات تاريخية معينة من قبل احبار الكنيسة وليس لها دلالات قومية. في حين السريانية هي تأكيد على التقليد السرياني للكنيسة ولغتها السريانية الأصيلة. ولكن مع هذا كان يؤكد غبطته تأكيداً قاطعاً بأن كل هذا الإختلاف في تسمية الكنيسة في الهند عن تسمية كنيسة الام، لا يزحزح إطلاقا إيمان مؤمني الكنيسة في الهند وبأصالتها التاريخية وإيمانها القويم وإرتباطها بكنيسة الأم التي كانت ولا تزال مصدر إلهام إيماننا المسيحي المشرقي.

هذا الموضوع في اختلاف تسمية الكنيسة باللغات الثلاث، الأشورية والإنكليزية والعربية، سبق وأن تطرقنا إليه في مناسبات سابقة (أنظر كتابنا المعنون: أخطاء شائعة في التاريخ الآشوري، من أصدارات النادي الثقافي الأشوري في عنكاوا – أربائيلو، نيسان 2025) حيث هناك إختلاف كبير بين تسمية الكنيسة باللغة العربية (كنيسة المشرق الآشورية) و باللغة الإنكليزية:

‏Assyrian Church of the East

من جهة. وتسمية الكنيسة باللغة الآشورية (عيتا دمدنخا دأتورايه”، -Riadres Kwvor rb)،

من جهة أخرى. أي بما معناه بأن الكنيسة حصرا بالأشوريين (أتورايه). فالتسمية العربية والإنكلزية هي الصحيحة لأنها صفة للأشورية كتعبير عن الحضارة الآشورية التي منها تستمد كنيسة المشرق مقوماتها المؤسساتية وأسمها الكنسي. في حين حصر تسمية الكنيسة ب “الآشوريين” فقط، كما هي في اللغة الأشورية هي تسمية خاطئة لأنها تعطي انطباع مباشر بأن الكنيسة هي حصرا بالأشوريين أو بالقومية الآشورية فقط. أي هناك عجزا في التمييز بين الصفة (الآشورية كحضارة) والأسم (الآشوريون كقومية).

موضوع آخر كنت قد ناقشته مع غبطته كان عن الصليب الخشبي الذي كان يعلقه في رقبته. فالمعروف عن كنيسة المشرق الأشورية، وأكيد كنائس أخرى، تعليق مطارنتها صليب كبير وبسلسلة من الذهب في رقبتهم. في حين كان غبطته يعلق بخيط على رقبتة صليبا مصنوعا من الخشب، وهو بدرجة مطرابوليت ونائب بطريرك الكنيسة في الهند. ذات مرة سألت غبطته، لماذا تعلق صليب من الخشب في رقبتك وليس من الذهب، كما هو الحال مع مطارنة الكنيسة؟ فكان رد غبطته الممزوج بالمرح والبساطة وبنوع من المزح، قائلا: “أنا إنسان فقير ورعية كنيستي في الهند فقيرة ولسنا أغنياء مثلكم أنتم الأشوريين لكي نشتري صليب وسلسلة من الذهب وأعلقه في رقبتي”. جواب قد يكون معقولا وذو معاني رمزية في علاقة الذهب بالكهنة. وبعد فترة من الزمن التقينا بغبطته وهو عائدا من الولايات المتحدة  الأمريكية، وأستغربت من وجود صليب مع سلسلة من الذهب معلق في رقبته. وعلى الفور قلت لغبطته، نرى بأن هناك صليب وسلسلة من الذهب معلق في رقبتك يا سيدنا وأنت سبق وقلت بأنك شخص فقير ورعيتك فقيرة فكيف استطعتم شراء هذا الصليب والسلسلة الذهبية؟ فكان رده بنوع من الجدية مقرونة بالثقة والثبات، قائلا: صدقني عندما كنت في أميركا أشترى بعض مؤمني الكنيسة هذا الصليب والسلسلة لي وأصروا على أن أعلقه في رقبتي بدلا من الصليب الخشبي لكي يكون حالي كحال بقية المطارنة” ثم أردفت وقلت لغبطته: وماذا عن الصليب المصنوع من الخشب الذي تركته؟ فرد فوراً وبثقة عالية قائلا: “الصليب الخشبي الذي تتحدث عنه مستحيل أن أتركه حيث أحتفظ به لأن تاريخه مرتبط بتاريخ كهنوتي وسأحتفظ به حتى الموت … وهذا الصليب الخشبي يذكرني بربنا يسوع المسيح الذي صلب على صليب من الخشب وليس من الذهب”. وفيما بعد أستمر غبطته بتعليق الصليب الذهبي في رقبته في المناسبات الرسمية والإحتفالات الكنسية لكي لا يظهر مختلفا عن بقية مطارنة الكنيسة وربما كان يعلق الصليب الخشبي في رقبته في الأيام الإعتيادية غير الرسمية وفي أوقات السفر.

آخر مرة ألتقيت بغبطته كان بتاريخ 13 أيلول 2022 في عنكاوا أربيل بمناسبة إفتتاح المقر الجديد لبطريركية كنيسة المشرق الأشورية في عنكاوا – أربيل، وهو بحالة صحية هزيلة وبطيء الحركة والكلام. وعند إلقاء التحية على غبطته والحديث معه قلت له، هل تتذكرني يا سيدنا؟ أطل في وجهي بإمعان وقال مبتساً “صحيح قد أنسى الكثير من الأسماء وذلك بحكم الشيخوخة، ولكن من المستحيل ان أنساك يا أبرم لأن أسمك كأسمي… فكيف أنسى أسمي؟. هكذا بقت سماته الشخصية في البساطة والمرح والفكاهة حتى في أيامه الأخيرة من عمره…. رحمك اللّٰه يا غبطة المطرابوليت لقد كنت عظيما وبسيطا في حياتك وقويا في إيمانك وعميقا في فكرك ووفيرا في كتاباتك خاصة عندما نقارن ما كتبته مع ما “يكتبه” بقية المطارنة.

zowaa.org

menu_en