زوعا اورغ/ وكالات
بدأت تركيا عملية عسكرية جديدة في شمال العراق تستهدف مواقع انتشار مقاتلي “حزب العمال الكردستاني” (pkk)، ورغم أن هذه الخطوة ليست بجديدة على المنطقة، إلا أنها تختلف بحسب مراقبين من زاوية “التوقيت”، والجو العام الذي أطلقت فيه.
وذلك ما تشير إليه وسائل إعلام تركية، الاثنين أيضا، حيث تحدثت في غالبيتها، خاصة المقربة من الحكومة التركية، عن “زوايا لافتة” تميّز العملية الحالية، المسماة بـ”قفل المخلب”، وفق ما أعلن وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار.
وقال آكار، بحسب وكالة “الأناضول”، إن الطائرات “نجحت” في ضرب الملاجئ والمخابئ والكهوف والأنفاق ومستودعات الذخيرة والمقرات التابعة لـ”حزب العمال الكردستاني”.
وتستهدف العملية مناطق متينا وزاب وأفشين- باسيان، وأضاف الوزير التركي أن “العملية نفذت بالتنسيق مع أصدقاء وحلفاء تركيا، ووجهت فيها أنقرة ضربة قوية لوجود التنظيم الإرهابي في المنطقة، من خلال استخدام أكبر كمية من الذخيرة المحلية”.
وتقاتل تركيا منذ عقود طويلة “حزب العمال الكردستاني”، المصنف على قوائم الإرهاب الدولية.
ولا يقتصر ذلك على مناطق في شمال العراق فقط، بل ينسحب الأمر إلى مناطق شمال وشرق سوريا، التي سبق أن شهدت عمليات عسكرية، آخرها قبل ثلاث سنوات، لتنتقل أنقرة فيما بعد إلى عمليات استهداف من بعيد، عبر طائراتها المسيّرة.
“بعد زيارة بارزاني”
يتفق مراقبون، تحدث إليهم موقع “الحرة”، على أن العملية العسكرية الحالية تعتبر استكمالا للعمليات السابقة، التي كانت قد أطلقت على العلن وبشكل رسمي في مايو عام 2019، ابتداءً من “عملية المخلب 1”.
لكنهم، وفي ذات الوقت، يتحدثون عن “عوامل لافتة” قد تميّز ما يحصل الآن عن السابق.
وتأتي “قفل المخلب” بعد 3 أيام من زيارة أجراها رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، مسرور بارزاني إلى أنقرة، حيث التقى الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان ورئيس الاستخبارات التركية، حقان فيدان، وهذا ما “قد يشي بحالة تنسيق قد تم الاتفاق عليها”.
وقال بارزاني عقب محادثاته مع إردوغان إنه يرحّب “بتوسيع التعاون لتعزيز الأمن والاستقرار” في شمال العراق.
وتمتد العملية على مساحة 7000 كيلومتر مربع، ضمن نطاق اختراق داخل أراضي إقليم كردستان العراق بمسافة 25 إلى 30 كيلومترا.
وصرحت وزارة الدفاع التركية، في وقت لاحق، بأنه تم إطلاق العملية بعد أن تأكد لديها استعداد المسلحين لشن “هجوم واسع النطاق”.
وفي المقابل لم يصدر أي تعليق من جانب إقليم كردستان حتى ساعة إعداد هذا التقرير.
ويقول الباحث المختص بالشأن التركي، محمود علوش، إن “العملية التركية الحالية تتركز في منطقة زاب، التي تكتسب أهمية كبيرة بالنسبة لحزب العمال الكردستاني، حيث القوة والنفوذ والدعاية التي يُمارسها”.
ويضيف علوش في حديث لموقع “الحرة” أن “تطهير منطقة زاب سيُضعف تواجد الحزب في مناطق أفاشين وباسيان وماتينا”، بحسب تعبيره.
وتهدف “قفل المخلب” بشكل رئيسي إلى إبعاد مقاتلي الحزب على الشريط الحدودي، و”إنشاء منطقة آمنة” بعمق 40 كيلومترا.
ويلاحظ فيها استخدام الطائرات من دون طيار ومروحيات “أتاك” وأسلحة أخرى بشكل أكبر من معظم العمليات الأخرى، التي كانت ترتكز بشكل رئيسي على الضربات المدفعية وضربات الطائرات المسيرة.
“توقيت لافت”
في غضون ذلك يرى الباحث السياسي علوش أن “توقيت إطلاق العملية مهم”، إذ يأتي في ظل فراغ حكومي في بغداد وانشغال عالمي بأزمة أوكرانيا.
ويبدو أن أنقرة تسعى لاستثمار هذين الأمرين، من أجل إعطاء زخم لعملياتها العسكرية في شمال العراق.
كما أن إردوغان “سيكون مستفيداً من فرض مكافحة الإرهاب على الأجندة السياسية الداخلية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية”.
وقد تُمهد هذه العملية الباب أمام تحرك عسكري مشابه ضد “الوحدات” الكردية في شمال سوريا في الفترة المقبلة، وفق ذات المتحدث.
وذلك ما كان قد أشار إليه مسؤولون أكراد في شمال شرقي سورية، بينهم آلدار خليل عضو هيئة الرئاسة المشتركة لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي”، حيث قال الاثنين: “هناك مخطط موحد وشامل. إذ سيشمل أولا جبال كردستان ثم شنكال وروج آفاي كردستان”.
وأضاف، بحسب ما نقلت وسائل إعلام مقربة من “حزب العمال”: “من غير المجدي أن نكتفي بالمشاهدة الآن ثم نتحرك لاحقا”.
وتحدث خليل عن عمليات “تطويق” تعمل عليها تركيا من أجل حصار المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكردية في شمال شرقي سوريا، أولا من خلال العمليات العسكرية التي تتم حاليا، وثانيا بواسطة “الجدار الذي يتم بنائه حول منطقة شنكال (سنجار)” من الجانب العراقي.
“رسائل باتجاهين”
ويستخدم “حزب العمال الكردستاني” الذي أدرجته تركيا ودول أخرى على قائمة المنظمات الإرهابية منذ عقود الجبال الشمالية في العراق كنقطة انطلاق لعملياته في إطار التمرد المستمر منذ عقود ضد الدولة التركية وجيشها.
وكثيرا ما ينفذ الجيش التركي غارات بطائرات حربية وأخرى دون طيار داخل العراق، كما يرسل قوات برية إلى مواقعه العسكرية في إقليم كردستان لتنفيذ هجمات ضد مواقع حزب العمال الكردستاني.
وتندد بغداد بهذه العمليات التي لم تنسقها أنقرة مع الحكومة المركزية باعتبارها انتهاكا لسيادة العراق.
وسبق أن طالب العراق تركيا بإنهاء أنشطتها العسكرية على أراضيها، لكن تركيا تتهم جارتها بالتسامح مع وجود “حزب العمال” على أراضيها، وترفض إنهاء هجماتها عبر الحدود.
وتحدث الخبير العسكري التركي، إسماعيل حقي بيكين، أن “أهداف عملية قفل المخلب تم تحديدها منذ زمن بعيد”، مشيرا إلى أن التسمية الخاصة بها تأتي من نية الجيش التركي إقفال المناطق المستهدفة بشكل أساسي أمام أي نشاط لـ”حزب العمال”.
ويقول بيكين: “القفل يعني أن مرور حزب العمال الكردستاني لن يكون ممكنا بعد الآن”، في إشارة منه إلى مناطق متينا وزاب وأفشين- باسيان.
وتطرق الخبير العسكري إلى “نقطة مهمة”، بحسب تعبيره، وهي أن جزء من العملية الحالية قد يكون مرتبطا بضرورة “تأمين أنابيب النفط والغاز في الإقليم باتجاه تركيا”، مضيفا: “يجب ضمان الاستقرار حتى يمر الغاز الطبيعي”.
ويشير المحلل السياسي المقيم في أربيل، كاظم ياور، إلى أن العملية التركية الحالية من ورائها “رسائل باتجاهين”.
ويقول ياور لموقع “الحرة”: “ربما تكون للداخل العراقي أو لدول إقليمية وعظمى. هذه الدول تريد خلق بعض بؤر توتر لصالحها على الحدود التركية العراقية، وحتى الجانب السوري”.
ويضيف المحلل السياسي أن “تركيا تعطي رسائل لهكذا محاولات بأنها ستحافظ على أمنها القومي والاقتصادي مع العراق”.
ولم يسم المحلل السياسي ياور هذه الدول الإقليمية، بينما يشير سياق حديثه للطرف الإيراني.
ويضيف: “هذه الدول الإقليمية لديها بعض الأذرع في الداخل العراقي عن طريق الإعلام أو على أرض الواقع، وتقوم بتحريك عناصر حزب العمال لاستهداف مصالح تركية وعراقية”.
ماذا عن الغاز؟
وأواخر شهر مارس الماضي، كان رئيس وزراء كردستان العراق، مسرور بارزاني، قد قال إن الاقليم لديه القدرة لتعويض بعض من نقص الطاقة، على الأقل في أوروبا.
وأكد بارزاني، خلال مؤتمر للطاقة في دبي، أن كردستان العراق، سيصبح قريبا مصدرا مهما للطاقة، سيساهم في تلبية الطلب العالمي، مضيفا: “سنصبح مصدرا صافيا للغاز إلى بقية العراق، وإلى تركيا، وإلى أوروبا في المستقبل القريب”.
وتحتاج مسألة الغاز والخطوط، وفق المحلل السياسي كاظم ياور إلى استقرار المنطقة الحدودية مع تركيا، وإبعاد أي خطر من جانب مقاتلي “حزب العمال”.
ويضيف: “قبل أي ضغط على تركيا في هذا الملف، تحاول تنظيف هذه المناطق من الجماعات لكي لا تكون مصدر ضغط وقلق في المرحلة المقبلة”.
بدوره أوضح الخبير الأمني والعسكري التركي، عبد الله آغار أن “وصول البارازانيين إلى تركيا مؤخرا له بعد متعلق بالعملية العسكرية (قفل المخلب)”.
ويقول آغار: “إنها عملية نفذها الأتراك والأكراد كأخوة. من خلال العملية سيتم إغلاق مناطق معسكرات حزب العمال في منطقتي آفاشين باسيان وماتينا”.