تأليف الدكتور أبراهام يوحانون ..
تعريب الأستاذ كَبريئيل كوركيس .
عرض / اديسون هيدو
قبل ما يربو على قرن من الزمان وتحديداَ في عام 1916 وضع الكاتب الاشوري الدكتور أبراهام يوحنان كتابه الموسوم ( موت أمة ) ونشره في الولايات المتحدة الأميركية باللغة الأنكليزية, والذي يعد وثيقة مهمة وشهادة يُعتمد عليها لما يحتويه من تفاصيل ألأحداث ألحقيقية الشنيعة التي تعرض لها الاشوريون المسيحيون النساطرة في الشرق عبر التأريخ ولاسيما الحرب العالمية الأولى, حيث عاصر تلك الأحداث ودَوّن تفاصيلها بكل أمانة، وأرخ ماقبلها من مظالم وحملات تشريد ومذابح جماعية تعرضوا لها طوال قرون عديدة، حصلت جراء القوانين التعسفية والأجراءات الجائرة والممارسات اللاأنسانية التي مورست ضدهم من قبل الشعوب وألأقوام التي تعاقبت على حكمهم من الأخمينيين والسلوقيين والفرثيين والساسانيين والبيزنطيين والعرب والفرس والترك والكرد، الذين حاولوا أستئصال شأفتهم من ارضهم التأريخية ومحو وجودهم وأصالتهم الموغلة في القدم .
اليوم وبعد مضي هذه السنوات على النكبة التي تعرض لها الاشوريون، والماسي التي مرت عليهم ولازالت، يضع الكاتب والأديب الاشوري الأستاذ جبرايل كوركيس المقيم في مملكة الدانمارك هذا الكتاب الوثيقة ( والذي وصلتني نسخة منه مشكوراٍ ) بين يدي قراء العربية ( ليطّلع عليها احفادهم الذين يكاد ينسون تلك الأحداث، وهم يتغربون عن موطن ابائهم وأجدادهم التأريخي, لعلها تنشط وتحيي الذاكرة التأريخية لهم وللأجيال الصاعدة من أحفاد ضحايا تلك المذابح، لكي لاتضيع حقيقة القضية في غياهب النسيان ) كما يقول .
ولأستعراض محتويات الكتاب بصورة موجزة فهو يقع في 175 صفحة من الحجم المتوسط معزز بالصور والجداول لمراحل تأريخية مختلفة, يضم أقساماَ وفصولاَ عن تأريخ النساطرة الاشوريين، وأيمانهم، ومن هم، وأين يقع موطنهم, وكيف غدت أورميا مركزاَ للنشاطات المسيحية, ومدا التأثير الذي خلفته الأرساليات النسطورية في الهند وبلاد فارس, ومن ثم مراحل تأسيس الكنيسة النسطورية تحت حكم الفرثيين، وكيف أصبحت الرها ( اديسا ) في القرن الأول محطة الأنطلاق الأولى على يد مار أداي, مروراَ بأحوال الكنيسة في ظل الملوك الساسانيين, والأضطهادات التي شهدتها في عهد شاهبور الثاني ويزدجر الأول وبهرام الخامس, وما الت اليه تلك الاضطهادات والمحن المتواصلة من تاثيرات مؤذية لحياة الكنيسة في بلاد فارس, والسعي بعدها من قبل البطاركة الذين تعاقبوا على كرسيها الى بناء حطامها من جديد لتكون كنيسة حرة تتمتع بطابع الاستقلال الذاتي بعيداَ عن كنيسة الغرب .
حيث يستعرض الكاتب اسماء الأساقفة والبطاركة ونبذة عن حياتهم من أمثال رئيس الأساقفة( برصوما ), والبطاركة ( مار داديشو)، و( مار أبا)، و( مار سبريشوع) ، الذين تعاقبوا على كرسي البطريركية. لحين ظهور الأسلام وتحول المسيحيين الى رعايا تحت حكم العرب الذين اجتاحوا بلاد فارس عام 642 فوطدوا سيادتهم عليها ونشروا دينهم في اسيا برمتها, فرحب المسيحيون بقدومهم على امل التمتع بأمتيازات الحياة الرهبانية تحت حكمهم . حيث يسرد الكاتب أحوال المسيحيين الاشوريين في عهدهم والشروط التي فرضت عليهم والتي سميت (بالعَمرية) نسبة (لأمير المؤمنين) عمر بن الخطاب, والتي عكست مدا الحاجة والأهتمام الكبير من قبل المسلمين الى خدمات المسيحيين للأغراض الحكومية والأدبية والطبية وغيرها . لحينما تغيرت الأحوال فأدرك الاشوريين المسيحييون أن المسلمين العرب ليسوا متسامحين كما كانوا يتوقعون حيث يستخدمون سياسة ترمي الى ألأرهاب والقسر على اعتناق الاسلام من خلال وسائل تتسم بالخداع والخبث والغدر .
ثم ينتقل الكاتب الى مرحلة أخرى تقع أحداثها في مطلع القرن الحادي عشر حين بلغت الكنيسة النسطورية ذروتها, فكان ثمة اكثر من خمسة وعشرين مطرانية في مختلف انحاء البلاد ما بين الصين ونهر دجلة, لحين سقوطها تحت حكم المغول التتار في أوائل القرن الثالث عشر بزعامة جنكيزخان الذي اكتسح البلاد وبث الرعب والخوف في شعوب العالم من الصين الى بلاد فارس واسيا الصغرى حتى اوروبا, ومن بعده جاء حفيده ( هولاكو خان ) الذي قاد جحافل المغول ودخل بغداد وقتل المستعصم اخر خلفاء العباسيين .
كان هولاكو متسامحاَ مع المسيحيين كون زوجته سيدة مسيحية, والذي خلفه نجله ( أباقا خان ) الذي كان أكثر خانات المغول المحابين للمسيحية, والذي منح البطريرك مار دنخا بعد تنصيبه الهدايا وصلاحيات واسعة لانشاء المدارس وتشييد الكنائس والاديرة . في عام 1385 جاء تيمورلنك المتوحش العديم الشفقة الذي طارد المسيحيين بضراوة ودمر كنائسهم واكرههم على اعتناق الاسلام او قتلهم والحكم عليهم بالعبودية الابدية . لذلك لاذ عدد ضئيل من النساطرة ( الذين نجوا واستطاعوا الفرار ) بالمعاقل المنيعة في جبال هكاري موطن الاشوريين منذ القدم, وفيها وخلال القرون التي تلت وتحديدا عام 1843 ظهر عدو جديد اخر وهو السفاح بدرخان بك مع عشائر كردية مجتمعة هاجموا النساطرة عاقدين العزم على احراق وقتل وتدمير كل شيء يقع في متناول يدهم، فوقعت مجازر عشوائية ادت الى هلاك اكثر من عشرة الاف اشوري مسيحي, بالأضافة الى الاف النساء والاطفال الذين تم سبيهم وارسالهم الى الجزيرة وبيعهم في سوق النخاسة .
من بعدها يسرد الكاتب مسلسل الفظائع التي تعرض لها الاشوريون والارمن في تركيا وايران وصلت حد الابادة الجماعية فكانت اورميا عين العاصفة التي تم اجتياحها من قبل الجنود الاكراد والأتراك الغير نظاميين وذلك في عام 1914، في عمليات تمهيدية لكارثة مروعة وقعت بعد ذلك بفترة وجيزة حين نشبت الحرب بين روسيا وتركيا, وانسحاب الروس الذين ارغموا على التراجع بعد محاصرتهم من الاعداد الهائلة من جنود الاتراك العدوانيين على حدود القفقاس، والتي كانت بمثابة فرصة لانقضاض الاكراد على فريستهم (النساطرة الاشوريين والارمن ) الذين قدر عددهم بخمسة وعشرين الف رجل وامراة وطفل, الذين بدأو بالفرار الجماعي في رحلة طويلة وشاقة نحو الحدود الروسية عبر الثلوج والاوحال( لا يمكن وصف تفاصيلها هنا لهول بشاعتها ) . بعد وصولهم الملاذ الامن اندفع اولئك الناس المذعورين الى مجمعات الارساليات الفرنسية والاميركية في المدينة وبقوا فيها أكثر من خمسة اشهر، ولسوء الظروف الصحية استشرت بينهم الاوبئة الخطيرة كالتيفوئيد والزحار وغيرها من الامراص، التي كانت تحصد ما بين عشرة الى خمسة وعشرين روحا في اليوم. في الوقت الذي كان الاتراك والاكراد المتعطشين للدماء يحاصرون مجمعات الارسالية وهم يحرضون الناس ويدعونهم للجهاد تحت راية الحرب المقدسة ضد المسيحيين الكفار.
بعدها يروي الكاتب قصصا مروعة عن المذابح وعمليات السلب والاغتصاب والخطف والابتزاز وغيرها من الاعمال القذرة التي طالت القرويين الذين لم يتمكنوا الفرار من مناطق سكناهم في قرى اورميا كقرية كولباشان, ومنطقة كاور في تركيا, فتم ذبحهم بدم بارد وقضوا نحبهم بابشع الاساليب على ايدي الجنود الاتراك النظاميين بمشاركة الكرد تحت قيادتهم . وكذلك يذكر الكاتب المجزرة الابشع من هذه المجازر وقعت في قرية هافتيفان في سلامس المجاورة لاورميا التي تم فيها قتل جميع الذكور الذين تجاوزت اعمارهم الثانية عشر .
في ختام الكتاب يستعرض الكاتب في جدول تزامني تسلسل البطاركة الاشوريين الذين عاصروا الحكام من زمن الفرثيين, والملوك الساسانيين, والخلفاء الراشدون العرب, مروراٍ بسلالة الامويين, والسلالة العباسية, والسلالة البويهية, ومن بعدهم السلاجقة, والخلافة العباسية بعد استعادتهم للحكم مرة اخرى, ومن بعدها السلالة المغولية او الايلخانية, ومن ثم التيموريين, والصفويين وملوك الفرس, والسلالة القاجارية, والسلاطين الاتراك .
وللحديث عن الدكتور ابراهام يوحانون فهو من اشوريي أورميا / أيران ولد عام 1853 في قرية ( ديكَالا ) تلقى منذ نعومة أضفاره تعليم اللغة الاشورية على يد والده القس يوحنان, ونال التعليم التمهيدي في مدارس الأرسالية الأميركية في أورميا, وفي عام 1864 دخل الكلية الأميركية وسجل في دورة دراسية لمدة ستة أعوام درس خلالها اللغات الشرقية كالاشورية والارامية والعربية والعبرية والفارسية والأرمنيةبالأضافة الى المواد العلمية وعلم اللاهون, عام 1870 تخرج من الكلية وتعين فيها معلماَ للغات، وأستمر فيها لحين مغادرته الى الولايات المتحدة الأميركية تلبية لدعوة من جمعية الكتاب المقدس الأميركية، للمساعدة في تنقيح النسخة السريانية للكتاب المقدس, فمكث في أميركا ودخل السيمنار اللاهوتي العام في نيويورك للفترة ( 1888 ـ 1890 ), ثم أسس الأرسالية الشرقية وضمها الى الكنيسة الأسقفية للقديس يرتلميوس, وتمت ترقيته الى درجة كاهن عام 1891 . عام 1893 تابع دراسة الفلسفة في جامعة كولومبيا وقدم رسالة بخصوص اللغات السامية ونال عليها الماجستير, ومن بعدها رشح لنيل شهادة الدكتوراه في الفلسفة عن اللغات السامية والهندو أوروبية. ألف الدكتور أبراهام مجموعة من الكتب نذكر منها ( فهرس المخطوطات الفارسية عام 1914 ) ( كتاب الجوهرة لعبديشوع الصوباوي عام 1016 ) ( كتاب كنيسة الشهداء ) ( قاموس سرياني / أنكَليزي ) . وقد حافظ الدكنور ابراهام على صلاته الوثيقة والمستمرة بأبناء جلدته في أيران وكان ينشر رسائله في جريدة ( زهريرا دبهرا، بذلك غدا الصوت المعبر عن تطلعات اشوريي الشتات , ويعد من بين أوائل المتنورين الاشوريين الذين سعوا لترقية اللغة الاشورية الأدبية المعاصرة وتنقيتها من الألفاظ الدخيلة التي تسربت أليها من لغات الشعوب المجاورة للاشوريين . وضمن مساعيه الرامية الى أيصال الصوت الاشوري الى المحافل الدولية وصل الدكتور أبراهام عام 1919 الى باريس ليقدم مطالب أبناء قومه الى مؤتمر السلام المنعقد هناك . بعد سنوات من العمل المضني في خدمة الشعب الاشوري ولغته وتدوين تاريخه الدامي وافاه الأجل في التاسع من تشرين الثاني عام 1925.
أما ألأديب الأستاذ كَابريل كوركيس الذي قام بترجمة الكتاب من الأنكليزية الى العربية مشكوراٍ فهو من مواليد محافظة دهوك نوهدرا / العراق, أكمل دراسته الابتدائية في مدرسة الطاهرة الأهلية التابعة للكنيسة الكلدانية في دهوك, والدراسة المتوسطة في ثانوية الحكمة بمحافظة نينوى, ومن ثم أكمل دراسته الاعدادية في اعدادية ابن رشد في بغداد، وواصل دراسته في معهد التكنولوجيا ببغداد وتخرج منها عام 1981, غادر الوطن في عام 1982 الى ايران، ومنها الى مملكة الدانمارك عام 1985, وفيها أكمل دراسته الأكاديمية في مجال برمجة الحاسوب والتقنية المعلوماتية عام 1991, وعمل في مجال التدريس والترجمة في المدارس الرسمية الدانماركية خلال السنوات (1993 ـ 2007)، وللفترة ما بين عامي (2008 ـ 2011) إنتقل للعمل في قسم التقنية المعلوماتية التابع للمديرية العامة للمدارس بمدينة آرهوس .
ناشط معروف في المجال الأجتماعي والثقافي والأعلامي، شغل عدة مناصب أدارية في عدة أندية وجمعيات تابعة لأبناء شعبنا الاشوري في الدانمارك منها مسؤول لجنة العلاقات للجمعية الآشورية للفترة (1991 ـ 1993 ), مسؤول اللجنة الثقافية لنادي بابل الآشوري ( 93 ـ 1994)، ومحرر القسم العربي في مجلة “عشتار” التابعة للنادي, مدير جمعية نينوى الآشورية للفترة (2002 ـ 2004)، والمشرف على ( يوم الثقافة الآشورية ) الذي كان يقام فيها لسنوات عدة, مؤسس ومدير ( إذاعة الآشوري الجديد ) طوال خمسة عشر عاماً للفترة ما بين (1993 ـ 2008 ), مؤسس ومدير موقع ملثا الألكتروني للأدب واللغة والثقافة والتراث منذ عام ( 2007 _ 2017 ) الذي يعتبر ملتقى أصدقاء اللغة والأدب الآشوري، والمكان الذي يتبادل من خلاله المهتمون بشؤون لغتنا الأفكار والآراء بخصوص اللغة والأدب وطرح الأسئلة والتحاور وتبادل الخبرات وعرض النتاجات بمختلف فروع الأدب، والتعريف بالكتاب والأدباء الآشوريين ومؤلفاتهم, وأخيرا عضو هيئة تحرير مجلة ( معلتا ) لرابطة الكتّاب والأدباء الآشوريين منذ عام 2019 .
مؤلفاته ….
ـــ إينوما إيليش : أسطورة التكوين البابلي ـ الآشوري ( باللغة الآشورية المعاصرة، طبع عام 2010 ) .
ـــ رواية الشيخ والبحر للكاتب أرنست همنجواي ( ترجمة الى اللغة الآشورية المعاصرة، طبع عام 2011 ) .
ـــ اللغة الآشورية وأدبها ـ الجزء الأول طبع عام 2014 ) ،والجزء الثاني عام 2020 ) .
ـــ رواية ناراياما: جبل السنديان ( ترجمة الى اللغة الآشورية المعاصرة، طبع عام 2014 ) .
ـــ كتاب ( الإبادة الجماعية للأرمن .. من البداية إلى النهاية ) تعريب عن اللغة الدانماركية (جاهز للطبع) .
ـــ مخطوطات قمران (كُتيب مُعرَّب، غير مطبوع)
ـــ نضح اليراع ( كراس، مجموعة مقالات بالعربية، غير مطبوع )