زوعا اورغ / وكالات
على مدى سنوات، تلقى حسنين المنشد، تهديدات بالقتل بسبب نشاطه الحقوقي. تجاهل معظمها، لكن بعد مقتل أستاذه بالرصاص أمام مركز للشرطة اتخذ أخيرا خيارا صعبا بالرحيل عن العراق.
وقال في حديث لرويترز عبر الهاتف من إسطنبول، حيث يقيم منذ تلك الواقعة، التي حدثت في نوفمبر من العام الماضي: “الموضوع خطير. الموضع صار قتلا علنيا أمام القوات الأمنية”.
حضر المنشد (29 عاما) وأستاذه، أمجد الدهامات، والعديد من النشطاء الآخرين اجتماعا مع الشرطة لمناقشة مظاهرة مخطط لها في مسقط رأسهم، العمارة، في جنوب العراق أثناء بعض أدمى الاضطرابات المناهضة للحكومة التي اجتاحت العراق، العام الماضي.
ولدى خروج، الدهامات، من الاجتماع، مر مسلحون من أمامهم في سيارة مسرعة ذات نوافذ مظللة ومن دون لوحات تسجيل وأطلقوا عليه الرصاص ليردوه قتيلا. بعد خمسة أيام، غادر المنشد البلاد.
كانت واحدة من عشرات عمليات الاغتيال التي دفعت مزيدا من ناشطي المجتمع المدني العراقي والعاملين في مجال حقوق الإنسان والصحفيين إلى الفرار مما يقولون إنه هجوم مستمر من جماعات مسلحة.
وتقول، جماعات حقوقية، إن رحيل هؤلاء، الذين تتراوح أنشطتهم بين توعية العراقيين بشأن حقهم في التصويت وقيادة الاحتجاجات ضد ما يعتقدون أنها تجاوزات، أضعف حركات المجتمع المدني التي كانت نشطة منذ عقود.
وتقول “جمعية الأمل” الحقوقية المستقلة إن ما لا يقل عن 44 عملية خطف و74 محاولة قتل نشطاء وقعت في العام الماضي، معظمها في بغداد وجنوب العراق.
ووثقت 39 واقعة قتل على الأقل، منذ أكتوبر 2019، عندما خرج آلاف العراقيين إلى الشوارع في احتجاجات حاشدة مناهضة للحكومة، مطالبين بفرص عمل ورحيل النخبة الحاكمة “الفاسدة”.
أطاحت تلك الاحتجاجات رئيس الوزراء السابق، عادل عبد المهدي، في ديسمبر، لكنها فقدت زخمها بعد مقتل ما يزيد على 500 في حملة شنتها قوات الأمن ومسلحون مجهولون وأثناء تفشي جائحة كوفيد-19.
وقال، حسن وهاب، من “جمعية الأمل”: “ارتفعت وتيرة الاغتيالات والتهديدات من بداية التظاهرات وتصاعدت بشكل مخيف… بدأنا نشعر بقلق شديد بسبب مغادرة الناشطين بسبب تهديدهم بالقتل… أصبحنا نخسر جزءا من مصادرنا التي تعمل على الأرض”.
وتحدثت، رويترز، إلى سبعة ناشطين فروا من العراق خلال الأشهر الماضية. وقال خمسة منهم إن الشرطة المحلية نصحتهم بالمغادرة لأنها لا تستطيع ضمان حمايتهم من الجماعات المسلحة.
وقال مسؤول عسكري، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن قوات الأمن غالبا ما تكون عاجزة عن حماية النشطاء من الجماعات المسلحة المارقة لأن داعمين سياسيين أقوياء يقفون خلف تلك الجماعات، دون أن يسمي أيا منها.
وشددت فصائل مسلحة مرتبطة بأحزاب سياسية، بعضها مدعوم من إيران، قبضتها على مؤسسات الدولة منذ الغزو الأمريكي الذي أطاح بالرئيس صدام حسين في عام 2003.
أمل مفقود
تعهد رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، الذي تولى منصبه في مايو، بتحقيق العدالة للنشطاء الذين قُتلوا أو تعرضوا لتهديد من الجماعات المسلحة، واصطدم ببعض الأطراف المدعومة من إيران.
لكن تشكيل الحكومة الجديدة لما يقرب من 35 لجنة لمواجهة التحديات، التي منها السعي لتحديد المسؤولين عن مقتل المتظاهرين، لم يسفر عن أي ملاحقة قضائية حتى الآن.
وقال، محمد الدهامات، شقيق الناشط المقتول، أمجد، لرويترز، في مدينة العمارة، إنه “فقد كل الأمل” الذي كان لديه في الكاظمي.
وأضاف، متحدثا في منزل أمجد حيث تعيش والدتهما أيضا، أنه جرى إبلاغ عائلته بأنهم سيطلعون على نتائج التحقيق في وفاة شقيقه، في غضون ثلاثة أشهر، وأن أربعة أشهر مرت دون أن يتواصل معهم أحد.
وقال مسؤول حكومي، طلب عدم الكشف عن هويته، إن مؤسسات الدولة “اخترقتها” أحزاب وجماعات مسلحة لا مصلحة لها في معاقبة قتلة المحتجين.
وتعهدت الحكومة بقمع ما تقول إنها جماعات مسلحة إجرامية تحاول زعزعة استقرار البلاد، وفرض سيطرة الدولة على الأسلحة في إطار جهود للحد من نفوذ الفصائل المسلحة.
وقال، المنشد، إن ضابط شرطة في المستشفى حيث أُعلنت وفاة الدهامات سأله بعض الأسئلة، لكن لم يتصل به أحد منذ ذلك الحين.
وفي اليوم التالي لمقتل الدهامات، أرسلت السلطات العسكرية في العمارة مذكرة إلى وزارة الداخلية توصي فيها قوات الأمن بحماية تسعة نشطاء آخرين قالت إنهم كانوا على قائمة المستهدفين، وفقا لوثيقة اطلعت عليها رويترز.
وأكد مسؤول عسكري صحة الوثيقة.
وتلقى أحد الناشطين في تلك القائمة، وهو حمزة قاسم البالغ من العمر 28 عاما، المذكرة من خلال صديق في قوة شرطة العمارة وغادر إلى اسطنبول حيث يقيم الآن هو والمنشد وعراقيون آخرون في المنفى بعد أن كانوا يديرون منظمة حقوقية غير حكومية في العمارة.
ولم يعد لتلك المنظمة غير الحكومية وجود إذ أن سبعة من مؤسسيها سافروا إلى تركيا بينما قُتل ثلاثة.
وقال قاسم إن العمارة صارت “مدينة مرعبة”.
وأغلقت قوات الأمن موقع الاحتجاج الرئيسي في العمارة، الذي احتلته قبل عام حشود من المحتجين المناهضين للحكومة، ووضعت عليه بوابات معدنية.
وقال أحد المحتجين، ويدعى حيدر حليم، إنه نزل إلى الشارع من أجل بلاده لكن الحل الوحيد يكمن الآن في مغادرتها.