زوعا اورغ/ المدى
بصفوف من خيم بيض تملأ سفح تل تذروه الرياح ، يأوي مخيم خانكي في دهوك ما يقارب من 14,000 رجل وأمراة وطفل من الطائفة الإيزيدية .
بقوا عالقين في هذا المخيم منذ أن اجتاح تنظيم داعش قراهم ومساكنهم في آب عام 2014 .
بأزقته المتربة ومواقع السكن المغبرة فيه ، يمكن أن يكون المخيم كمكان يبعث على الكآبة . ولكن بالضرب على الدّف ، وهي آلة لها قدسية بالنسبة للإيزيديين ، تتصاعد أصوات الخفقات من الداخل بغناء حماسي يفوق أصوات وصيحات الأطفال في ساحة المخيم المفتوحة .
وبداخل بناية صغيرة ، تجم العشرات من النساء الإيزيديات الشابات وهن يتدربن على أغانٍ فلكلورية شعبية . ينشدن أغاني تتحدث عن ساعات الفجر والحصاد وعن جبل سنجار الذي يقدسه الإيزيديون ، بعض الأحيان تتناغم أصواتهم بشكل سلس ، وفي أحيان أخرى تتعالى أصواتهن بالصياح بينما ينشدن النساء الأغاني .
إنها فرقة آشتي ( السلام ) الموسيقية التي أسستها الإيزيدية الشابة ، رنا سليمان هالو 22 عاماً ، وهي مقيمة في المخيم منذ العام 2014 وتنحدر من عائلة موسيقية .
بالنسبة للسنة الاولى بعد استهداف داعش للإيزيديين ، حيث استهجنتهم بوصفهم متوحشين يرمون الرجال بالرصاص ويغتصبون النساء ويستعبدونهن ، تقول هالو إنه كان من الصعب الغناء “ بسبب الأخبار التي يتم تداولها حولنا ، أحدهم قد تم اختطافه أو أحدهم قد تم قتله.” مشيرة الى أن ابن عمها كان من بين آلاف آخرين من الإيزيديين الذين ما يزالون مفقودين . وتم قتل آلاف أخرى منهم .
ولكن بحلول السنة الثانية تقول “ رجعنا الى الموسيقى مرة ثانية .” وفي العام 2019 أسست الفرقة الموسيقية وذلك بدعم من مؤسسة أعمار AMAR Foundation ، وهي مؤسسة خيرية بريطانية ، عدة نساء من أعضاء الفرقة كنّ سابقاً سبايا لدى داعش ، و أخريات منهن فقدن العديد من أفراد عوائلهن .
الجوق الموسيقي أدى أعمالاً غنائية في المملكة المتحدة ، ووفرت الموسيقى علاج روحي لأعضائها اللائي تعرضن لعنف على يد داعش .
وأصبحت الفرقة طرفاً من جهد للحفاظ على جزء حيوي من التراث الإيزيدي الذي لم يُكتب عنه شيء ، وأن التاريخ والدين مختزلين ضمن الاغاني .
يقول ، مامو عثمان ، الذي يدرس الموسيقى كعلاج نفسي في جامعة دهوك “ هذه الموسيقى الفلكلورية ، هي تعتبر أيضاً جزءاً من معتقدنا الديني ، هناك أغانٍ خاصة لا يؤديها سوى الإيزيديون .»
قسم منها يقول يتم تأديتها خلال المهرجانات الدينية في الأضرحة ، أغانٍ أخرى تعتبر أغاني دنيوية متعلقة بالطبيعة والترفيه ، أو أغانٍ تستذكر أحداثاً وقعت منذ أجيال مضت .
كأفراد من أقلية دينية صغيرة ، يبلغ تعدادها عدة مئات من آلالاف ، يبحثون عن لجوء الى أوروبا ، يقول عثمان بأن ثقافتهم الغنائية مهددة بالزوال حيث العوائل والقرى تشتّت بسبب حالات اللجوء .
اوربا هي ملاذ افراد وليس قبائل او عشائر ، يقول عثمان ، مشيرا الى ان الكيان الايزيدي مرتبط بمكان تواجده واراضيه في شمال العراق في جبل سنجار وموقع معبد لالش المقدس ، حيث يؤدي قساوسة طقوسهم الدينية برفقة اغاني.
ويقول عثمان “ ليس هناك كيان مرتبط بأرضه من الايزيديين . ولانهم يغادرون ارضهم وموطنهم فانه سيخسرون قسم من هويتهم وتقاليدهم الدينية .»
مع ذلك هناك أشياء تجعله متفائل . ففي قرية باهزاني ، والتي كان لايمكن فيها تأدية الموسيقى الدينية بعد هجوم داعش ، فان هناك شباب من العوائل الايزيدية الشعبية يتعلمون تأدية هذه الأغاني الدينية من جديد .
مؤسسة أعمار قامت بتسجيل قسم من اغاني الايزيديين الشعبية والموسيقى الدينية و سلمت هذه التسجيلات لمكتبة بودليان في جامعة اوكسفورد لارشفتها . وان ايزيديين شباب ، مثل أعضاء فرقة آشتي الموسيقية ، متلهفين للحفاظ على تراثهم .
وقالت عضو البرلمان العراقي من الطائفة الايزيدية ، فيان درويش “ انهم مبتهجون جدا ومهتمين بهذا النوع من الموسيقى ، وهذا شيء لطيف جدا بأننا ما زلنا متمسكين بموسيقانا التراثية .»
وقالت انه بعد عام 2014 المرعب تلاشت عادات التجمعات والمهرجانات والغناء . اما الان “ فانهم يحاولون اللجوء الى التعافي والعودة لحياتهم الطبيعية . حتى ما احبه في تقاليد الطائفة الايزيدية بشكل عام ، بانه لديهم مشاعر حب الحياة ويريدون المضي قدما بحياتهم ويحبون الموسيقى والاعراس والحفلات . اي العودة لحياة طبيعية رغم كل شيء .»
بالنسبة للذين ما يزالون يقيمون في مخيم خانكي ، فان الحياة الطبيعية هو توقع بعيد . ورغم طرد المسلحين فان منطقة سنجار ما تزال تعاني من عدم استقرار وتحتاج لاعمال اعادة اعمار كبيرة وتأهيل قبل عودتهم إليها .
بعد اجتياز تمرين أخير جلس أعضاء فرقة آشتي الموسيقية من النساء الايزيديات وبدان تبادل الحديث فيما بينهن . غزال داوود حسين 21 عام ، تقول ان عائلتها ليس لديهم مشكلة في مشاركتها التدريب على الموسيقى . تقول انها تتعامل مع الموسيقى كفعل تحدي .
وقالت غزال “ نحن هنا لبعث رسالة الى داعش باننا لن ننكسر ابدا .»
عن موقع NPR الاخباري