زوعا اورغ/ وكالات
ذكرت صحيفة “المدى” البغدادية، أن الجهود والمساعي التي بذلت خلال السنوات الأربع الماضية لإقرار قانون المحكمة الاتحادية تلاشت بعدما اصطدمت بخلافات حادة بين القوى الشيعية والكردية، مشيرة إلى إخفاق نظام “المحاصصة الطائفية” في تسيير عجلة التشريع بدون معوقات في البلاد.
وقالت الصحيفة في تقرير لها نشر أمس الأول، إن هذه الخلافات باتجاه ترحيل التشريع إلى الدورة البرلمانية المقبلة، وهو ما ينذر بنسف كل التعديلات التي أجرتها اللجنة القانونية في مجلس النواب على مشروع القانون.
واختلف الفريقان على آلية اتخاذ القرارات على وفق التشريع؛ هل هي بالإجماع أم بالأغلبية، فضلاً عن خلافات أخرى تمحورت حول منح فقهاء الشريعة والقانون صفة العضوية داخل المحكمة الاتحادية وحق التصويت والفيتو على القرارات التي تتخذ، وفقاً لـ”المدى”.
ولا تقتصر الخلافات حول قانون المحكمة الاتحادية على الكرد والشيعة فقط، بل يدور خلاف شيعي – شيعي حول الجهة التي تتولى مسؤولية ترشّح فقهاء الشريعة ضمن طاقم قضاة المحكمة.
ويوضح عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب زانا سعيد، أن “الخلافات البرلمانية أجهضت كل المحاولات الرامية لتمرير قانون المحكمة الاتحادية بعدما وصل إلى مراحله التشريعية النهائية”، معترفاً بـ”صعوبة المهمة في ظل التقاطعات والخلافات السياسية التي حالت دون تشريع هذا القانون”، بحسب الصحيفة البغدادية.
وكان مجلس الوزراء قد صوّت، نهاية شهر شباط في عام 2015، على إحالة مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا إلى مجلس النواب بعد مراجعته وتدقيقه من قبل اللجنة الوزارية المختصة.
وأعلن رئيس مجلس النواب، سليم الجبوري، مطلع شهر أيار من العام 2015، عن جاهزية مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا للتصويت، مؤكدا أنّ الرئاسة ستختار الوقت المناسب لعرضه للتصويت، لكنّ مجلس النواب أرجأ التصويت على مشروع القانون لأكثر من مرة خلال جلسات ماضية نتيجة الخلافات.
وتتولى المحكمة الاتحادية العليا مهام عدة، منها تفسير النصوص الدستورية، كما تختص بمراقبة القوانين الجديدة وعدم خرقها للدستور وفض النزاعات بين الحكومة الاتحادية ومجالس المحافظات والأقاليم، وتكون قراراتها ملزمة للكل وغير قابلة للطعن والاستئناف. وغالباً ما توجه إلى المحكمة الاتحادية العليا انتقادات لاذعة من قبل أطراف سياسية متعددة تتهمها بإصدار أحكام “مسيّسة” فيها محاباة لجهات أو قوى حكومية أو برلمانية متنفذة على حساب قوى وأطراف صغيرة في تمثيلها.
وبالعودة إلى الخلافات البرلمانية التي عرقلت تمرير قانون المحكمة الاتحادية في الدورة البرلمانية الحالية، يوضح النائب عن كتلة الجماعة الكردستانية أن “هناك كتلاً برلمانية سعت بقوة لمنح خبراء الشريعة والقانون صفة العضوية داخل المحكمة الاتحادية والتصويت على القرارات التي تتخذ”، كما نقلت عنه صحيفة “المدى”.
وتنحصر وظيفة فقهاء الشريعة في مراقبة التشريعات التي يقرها مجلس النواب التي فيها مخالفة لثوابت الإسلام، في حين يكون اختصاص فقهاء القانون متابعة القوانين التي تشرع وفيها مخالفة لثوابت حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية. ويتابع سعيد أنّ “عدد خبراء الشريعة والقانون من الأمور الخلافية بين القوى البرلمانية؛ فهناك من يريد أن يكون العدد 4 أعضاء، فيما يطالب آخرون برفع التمثيل فيها إلى 6″، مؤكداً أن “هناك خلافاً آخر يتمثل في توزيع مقاعد هؤلاء الخبراء بين الشيعة والسنة”.
ويثير منح خبراء الشريعة “حق الفيتو” ضد القرارات التي تتخذ في المحكمة الاتحادية مخاوف الكثير من الجهات ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية من انحصار الحكم المدني لصالح السلطة الدينية التي بدت تتسع صلاحياتها.
ويبين النائب الكردي أن “القوى الشيعية تصرّ على منح هؤلاء الخبراء حق الفيتو ضد أي قانون أو قرار يتخذ داخل المحكمة الاتحادية مما يعد خروجاً على الدستور في مادته (92)/ ثانياً التي تنص على أن المحكمة الاتحادية العليا تتكون من عددٍ من القضاة، وخبراء في الفقه الإسلامي، وفقهاء القانون، يُحدد عددهم، وتنظم طريقة اختيارهم بقانون”.، في تصريح للصحيفة.
وفي آخر توزيعة لأعضاء المحكمة الاتحادية، في مسودة القانون المتداولة، حصل المكون الشيعي على اثنين من فقهاء الشريعة، ومثلهما للمكون السُني على أن يرشح أحدهما من جهات دينية في إقليم كردستان.
وتتخوف القوى الكردية من هيمنة جهات سياسية معينة على قرارات المحكمة الاتحادية، وتأثيرها على المدى البعيد في القرارات التي تخص إقليم كردستان.
ويوجد رأي يريد تقييد صلاحيات فقهاء الشريعة والقانون بالمناقشة والتصويت في المواضيع التي تتعلق بالثوابت الإسلامية، على أن يتولى فقهاء القانون المشاركة والتصويت على المواضيع التي تتعلق بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، في حين أن بعض الكتل السياسية تريد أن تكون قرارات المحكمة من اختصاص القضاة وليس فقهاء الشريعة أو القانون.
وتضاف إلى هذه التحديات، مشكلة أخرى تتمثل في أن الدستور يلزم بتصويت ثلثي أعضاء مجلس النواب على هذا القانون.
ويشير النائب عن محافظة أربيل الى أن “هناك خلافات قوية على الآلية التي ستعتمد في تمرير القرارات على وفق هذا التشريع؛ هل ستكون بالإجماع أو بمبدأ الثلثين؟”، مؤكداً أن “القوى الكردستانية مع تمرير القرارات بالإجماع في حين هناك قوى برلمانية أخرى تصر على أن تكون بمبدأ الثلثين”.
ويلفت سعيد إلى ان “القوى الكردستانية تحاول من وراء اعتماد مبدأ الإجماع الحصول على فيتو ضد أي قرار يتخذ ضد إقليم كردستان”، مشيراً إلى أن “أغلب قرارات المحكمة الاتحادية التي تتخذ في الوقت الحالي هي بالإجماع وإن لم يشترط عليها القانون”.
ويصف النائب سعيد، الخلافات التي اندلعت بين القوى المختلفة على مدار السنوات الماضية بـ”العميقة والكبيرة”، مستبعداً “إقرار هذا القانون في الدورة البرلمانية التي شارفت على الانتهاء في ظل فشل مجلس النواب بإكمال نصاب جلساته” وتمرير القوانين.ويختم النائب الكردي كلامه بالقول إن “آخر حوارات الكتل البرلمانية على قانون المحكمة الاتحادية كان في عام 2015 ثم بعد ذلك اقتصر على النقاشات في اللجنة القانونية فقط”.
وتشكلت المحكمة الاتحادية العليا الحالية، بموجب القانون رقم 30 لسنة 2005 الصادر في 17 آذار 2005، الذي نص على أن تتكون هذه المحكمة من رئيس وثمانية قضاة، يجري تعيينهم من مجلس الرئاسة بناء على ترشيح من مجلس القضاء.
ويحتاج إصلاح المؤسسة القضائية إلى إقرار قانون المحكمة الاتحادية الذي سينظم عمل القضاء.
وتنص المادة (89) من الدستور على أن “تتكون السلطة القضائية الاتحادية، من مجلس القضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية العليا، ومحكمة التمييز الاتحادية، وجهاز الادعاء العام، وهيئة الإشراف القضائي، والمحاكم الاتحادية الأخرى التي تنظم وفقاً للقانون.
وفي المقابل، يؤكد عضو آخر في اللجنة القانونية البرلمانية أن “قانون المحكمة الاتحادية ما يزال في البرلمان ولم يتم إرجاعه للحكومة من أجل إضافة بعض الفقرات او تعديلها”، محملاً “القوى الكردستانية مسؤولية عدم تشريع هذا القانون في الدورة البرلمانية الحالية”.
ويقول عضو اللجنة النائب، صادق اللبان إن “من أكثر النقاط الخلافية هي ما تتعلق بآلية اتخاذ القرارات داخل المحكمة الاتحادية بالإجماع أو الأغلبية”، مؤكدا أن “التحالف الوطني أجرى سلسلة من المفاوضات مع القوى الكردية، لكنّ الطرفين لم يتوصلا الى حلول”.
ويتابع اللبان، “هناك تعديلات طرأت على قانون المحكمة الاتحادية وحصرت عدد أعضائها بـ(11) عضواً من ضمنهم فقهاء الشريعة والقانون”، مؤكداً أن “حصة التحالف الشيعي ستة أعضاء من ضمنهم اثنان من فقهاء الشريعة والقانون”.
ويضيف أن “حصة المكون السني عضوان من أعضاء المحكمة الاتحادية من ضمنها فقهاء الشريعة والقانون وواحد للمكون الكردي ومثله للأقليات”، مرجحاً “إلغاء كل التغييرات التي جرت على مشروع قانون المحكمة الاتحادية حال عرضه للنقاش في الدورة البرلمانية المقبلة”.