سركون سليفو
العمل الحزبي ليس بجديد على شعبنا الكلداني السرياني الآشوري، فان تجاربه امتدت الى بدايات القرن الماضي في الوقت الذي شرعت القوى القومية في اطرها المناطقية والمذهبية في مواجهة ومجاراة التحديات القائمة آنذاك وتقديمها تضحيات جسام وصدقها في كفاحها في تحقيق الاهداف القومية في التحرر . حيث ان باكورته كان هو انبثاق الحزب الاشتراكي الاشوري عام 1917 للشهيد فريدون اثورايا وبنيامين ارسانيس .
بعد اخفاق القوى القومية وغلبة الطابع الديني والعشائري عليها في تحقيق الاهداف وان كان ذلك لا يسجل ضد شعبنا في تلك الفترة كونه كان وضعا عاما لبقية الشعوب في المنطقة. اذا كدت شعارات واهداف الحزب على الوحدة القومية في جميع مناطق شعبنا المختلفة : أورمي ونينوى وطور عبدين ونصيبين والجزيرة ومنطقة حكاري والذي تجاوز بذلك الابعاد المذهبية والمناطقية منطلقا من الوحدة القومية اساسا لاي عمل. الا ان عدم قدرة الحزب على المواصلة جاءت بسبب الصراعات الداخلية المناطقية والكنسية ناهيك عن المؤامرات التي حيكت ضده، الى جانب قلة الوعي الجمعي لشعبنا خاصة بما يتعلق بالوحدة القومية رغم المآسي والمعاناة في ظل سطوة وقمع الانظمة العنصرية الحاكمة والظروف السياسية المحيطة بمناطقه التاريخية آنذاك التي هددت هويته القومية والدينية.
وبعد مرور عقود استطاعت بعض القوى السياسية من العبور الى ضفة الوحدة القومية من خلال انشاء تنظيمات سياسية بعد تذليل جزء من تلك العقبات من خلال صياغة عقد اجتماعي سياسي، وآلية عمل اكثر تقدما تتناسب الى حد ما مع البنية الفكرية والاجتماعية لشعبنا وتلبية جزء من متطلبات القاعدة الجماهيرية التواقة للوحدة، ولكن ورغم ذلك لم تستطع الارتقاء الى مفهوم العمل السياسي الحقيقي والممارسة الفعلية والدخول في معتركاته، وظلت اسيرة شعارات وافكار واليات عمل لا تتناسب والصراع السياسي والتطورات المتسارعة في المنطقة وفي ظل تفاوت القدرات الحزبية والسياسية للمكونات الاخرى المتعايشة في الوطن وامتداداتها الاقليمية والدولية وتاثيراتها الكبيرة على وجود شعبنا في مناطقه التاريخية. ولكن ذلك لم يمنع من وجود عدد كبير من النقاط المضيئة التي مثلها عدد من المفكرين والمثقفين في تلك الحقب ولكنها انحسرت في النخب الفكرية والادبية والثقافية التي عملت وبجهود كبيرة في سبيل زرع الفكر القومي الوحدوي.
وياتي اخفاق تلك القوى او الاحزاب السياسية القومية الموما اليها في تحقيق ولو الجزء اليسير من طموحات واهداف شعبنا، كون تلك التجارب اتخذت نهجا اصلاحيا نخبويا فضلا عن اناغلبها تأسس خارج الوطن فلم تتحسس هموم الجماهير وتحدياتها اليومية ما حدى بها الى رفع شعارات وخطاب قومي فضفاض بجمل وعناوين انشائية تتغنى بالامجاد اكثر من ان تحاكيالواقع والهموم وضرورات المرحلة وبعيدة عن الواقع المعاش من سياسات التمييز العنصري التي كان الهدف منها تمزيق الهوية القومية والتاريخية لشعبناوعدم قدرتها في الوصول الى القاعدة الجماهيرية في الوطن والتي كانت هي المخزون الحقيقي لاي عملية نضالية قومية.
وفي خضم هذا الصراع العنيف جاء تاسيس الحركة الديمقراطية الآشورية في فترة عصيبة كان وجود شعبنا القومي مهددا في ظل نظام شوفيني قمعي دموي، استطاعت فيها تلبية تلك المتطلبات وخلق ادوات وآليات عمل ونضال تتناسب والمرحلة ونجحت في خلق فكر جمعي متصدي بين الجماهير لسياسات النظام في عمليات المحو القومي الموجهة ضد شعبنا، والنهوض بالعمل والتقدم به وفق منظور تنظيمي متقدم يتناسب والمرحلة.
لقد واجهت الحركة حالها حال بقية القوى السياسية السابقة رغم صلابة وقوة ادواتها النضالية ومحركاتها الفكرية القومية الوطنية، واجهت تحديات ومعوقات مناطقية او عشائرية وطائفية اضافة الى ترسبات الافكار السابقة اذا صح التعبير الغارقة في التغني بامجاد الماضي والاتكاء اليه في تقييم الواقع والدوران في افلاكه، حيث توارثته شريحة او نخبة انكفأت واكتفت في رؤية الوقائع من خلال بيئتها وبعدها الاجتماعي والمذهبي وخلفياتها الثقافية دون الولوج في المقدمات الموضوعية القائمة وادوات العمل المتسقة مع حالة الصراع السياسي القائم في الوطن وضرورة التسلح بالفكر القومي الوطني والقراءات الدقيقة للمتغيرات الجيوسياسية فضلا عن ضرورة معالجة الواقع القومي المتشظي بين المذهبية والمناطقية. حيث صارت هذه النخب او الفئات وبعد فشلها في استيعاب الحاضر وضروراته، صارت تجتر الماضي لتبدأ عملية التقهقر الفكري والتنظيمي والعودة الى بيئتها الاجتماعية وخلفياتها الفكرية التي كانت احد الاسباب التي انتفضت من اجلها الحركة الديمقراطية الآشورية وكافحتها منذ عقود، بل عمدت هذه الفئات الى تسويق بضاعتها الفاسدة بين اوساط الجماهير واصبحت الشعارات والمبادئ الاساسية هي معلقات تزيين بها عناوين افكارها رغم البون الشاسع بينها وبين فحوى تلك الطروحات.
في حين كان في الجانب الاخر من تبنى تلك الاسس والثوابت الفكرية والسياسية الاساسية التي انطلقت ابان السبعينيات، وأكدت نجاعتها في مواجهة التحديات القائمة والتصارع السياسي المحموم وامتداداته الاقليمية والدولية في ظل رسم خرائط سياسية جديدة في الوطن وحاولت التوفيق بين متطلبات المرحلة ومصالح شعبنا وبين البعد الوطني والربط الجدلي بينهما فيتحقيق الاهداف، حيث آثرت اطلاق الخطاب المرتكز على المفاهيم القومية والوطنية كون شعبنا جزءا لا يتجزء من الحالة العراقية يتأثر سلبا او ايجابا بحالة الصراع المحتدم بل قد يكون اكثرها عرضة للخسارة بسبب خصوصيته القومية والدينية، والانغماس الحقيقي في التحالفات الوطنية التي تحفظ للعراق تنوعه القومي والديني والنأي بعيدا عن حالة التقوقع والانكفاء او الانجرار وراء تحالفات مكوناتية تهدد وحدة العراق وامنه الوطني، والاحتفاظ بقرار شعبنا المستقل بعيدا عن اي تآثيرات خارج المصلحة الوطنية العليا.
ان المحطات السياسية والتنظيمية هي محطات مراجعة وتقييم سياسي وتنظيمي لكل مفاصل الحزب وكذلك اداء اعضاءه في نجاحاتهم واخفاقاتهم ومعالجتها هي جزء اساسي من اي عمل حزبي خلال مسيرته منذ اللحظة الاولى لانطلاقه والالتزام به وتطبيقه هو العامل الفعلي في نجاح الحزب في تحقيق اهدافه وطموحات الجماهير ومصالحه ومن الطبيعي ان تتغير الشعارات بتغير وتطور الحالة السياسية في الوطن، وان رسم ستراتيجة عمل لمرحلة قادمة هي في صلب مهام تلك المحطات والتي تاتي بالاتفاق والتصويت عليها من المشاركين في تلك المحطات وان اي خروج عليها بين مرحلتين قد يسبب ارباكا في عمل الحزب وجماهيره اضافة الى اعضاءه، لذا من الضرورة الملحة ان يتسلح كل عضو في التنظيم السياسي بالوعي والثقافة الحزبية والتنظيمية ويكون على اطلاع كامل بتطورات الوضع السياسي من خلال الرؤية الحزبية البحته وليس من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والفوضى التي تقود الفرد اليه.