حميد الموسوي
بعدما صار التأجيل سمة ترافق المسيرة الجديدة وعلامة فارقة لتحركات البرلمان بدوراته السابقة وربما اللاحقة، بل طبعت اعمال السلطات الثلاث حتى صار المواطن يحكم مسبقاً على كل أمر او قضية يعد بها البرلمان او الحكومة بأنها ستؤجل وستطول فترة التوصل الى حلول لها، فمن تأجيل المحاكمات، الى تأجيل الانتخابات ،الى تأجيل ظهور النتائج ،الى تأجيل… الى تأجيل التصديق عليها ،الى تأجيل اعادة الفرز ،الى تأجيل انعقاد اول جلسة برلمانية للدورة الجديدة ،الى تأجيل مفتوح لانعقادها وتشكيل الحكومة ،الى تأجيل صدور قرار المحكمة الدستورية..
بعد كل هذه التأجيلات تم بحمد الله انتخاب رئيس جديد للبرلمان ندعو له بالتوفيق متدرعين بعسى ولعل ،وبعد التأجيل تم انتخاب نائبيه ، وبعد تأجيل نتطلع لانتخاب رئيس الجمهورية وكيف سيتم حل مشكلة الرئاسة بين الحزبين الكرديين المتنافسين والاحزاب الكردية الاخرى التي قدمت مرشحيها لرئاسة الجمهورية حيث بلغ العدد لحد الان عشرين مرشحا وتم التأجيل اسبوعا اخر لاختيار احدهم، واذا حلت هذه المشكلة فبانتظارنا المشكلة الاعوص ، وهي اختياررئيس للوزراء ،ونخشى ان تطول فترة الاتفاق على تسمية الرئيس المنتظر نظرا لخطورة واهمية المنصب وتعدد الجهات الشيعية الطامعة فيه واختلاف توجهاتها وشدة التنافس والتحاسد والتباغض بين اطرافها،وتكاد تكون اقرب الى مشكلة رئاسة البرلمان التي تنافست عليها الاطراف السنية وقدمت 9 تسعة مرشحين، وبقدرة قادر اتفقت معظم الاطراف الشيعية والسنية والكردية على اختيار السيد محمد الحلبوسي في اول جولة انتخابية . واظن ان هذا المشهد لن يتكرر في عملية اختيار رئيس الوزراء . طبعا ظاهرة التأجيلات ستأتي مثل موجات البحر فكما مر خلال الدورات البرلمانية السابقة :أذا طالبت الجهة الفلانية بتأجيل جلسة او اقرار مشروع فان الجهة العلانية عدته كسبا للوقت فطالبت بتأجيل النظر في قضية مشابهة، كسباً للوقت او واحدة بواحدة، او لمجرد الخلافات، واذا أصرّ جانب على تعديل أمر ما ،تشبث جانب آخر بتعديل مقابل وخرق دستوري او تجاوز يقابله خرق وتجاوز وقفز. كل الفترات المخصصة لتسمية الرئاسات الثلاثة انتهت وكل الوقت المخصص لتشكيل الحكومة نفد والحال على ما هو عليه،
في هذه الحلقة المفرغة التي يدور فيها العراقيون منذ اكثر من اربعة شهور على ظهور نتائج الانتخابات النيابية افرزت التداعيات الاتية 1- زيادة في التعطيل والتأخير في تنفيذ المشاريع والقرارات الهامة يضاف الى المدة الزمنية المهدورة .
2- استمرار حكومة تصريف الاعمال مدة اضافية اخرى كوجود شكلي غير قادر على اصدار قرارات او تنفيذ مشاريع او حل ازمات وعلى كافة المستويات الوزارية ودوائرها ومؤسساتها.
3- استمرار وباء الفساد المالي والاداري وبشكل افضع نتيجة حصول الفراغ وغياب الرقابة المشددة والأمن من العقاب.
4- امتناع دخول الشركات الاستثمارية خوفاً من تردي الاوضاع في ظل فراغ دستوري وشبه حكومة.
5- هدر مليارات من الدولارات تضاف الى ما هدر في العملية الانتخابية الماضية وقد تكون اضعافاً مضاعفة.
6- هدر المزيد من الزمن من عمر العراق والعراقيين قد يمتد شهوراً اخرى.
من يتحمل مسؤلية ما هدر من مال وزمن وتوقف للحياة العامة واصابة المشاريع بالشلل التام ومراوحة الاقتصاد العراقي في مكانه فضلاً عما خسره طيلة الفترة المنصرمة؟!.
ما الذي سيستجد على الساحة السياسية واسلوب المكاسب الفئوية والحزبية والاسطفافات الكتلوية والطائفية هو هو وبرامج الاحزاب الفائزة هي هي ؟!.
لانملك غير التساؤلات والمزيد منها تصلح لمناقشة المنعطف الحرج الذي تمر به العملية السياسية وكل التجربة الديمقراطية وكأنه امر مبيت ومخطط مرسوم ومؤامرة محبوكة النسج والتنفيذ، والاّ بماذا نفسر انفراط عقد الكتل التي كلما تقاربت من بعضها ازدادت نفوراً ،وكلما اوشكت على اعلان تشكيل الحكومة وتسمية الرئاسات الثلاث تسارعت احداها الى الانسحاب. وكلما صرح طرف بأن تم وضع اللمسات الاخيرة على الاتفاق مع الطرف الفلاني انبرى صوت مكذباً ومفنداً وجود مثل ذلك الاتفاق؟!.
وبين هذا الشد والجذب؛ والتصريح والتلميح ؛والتعريض والتقريض؛ والتهديد والتلويح، مرة بالاتفاق ومرة بفسخه ؛واخرى بتغييره؛ وثالثة باشراك اطراف اخرى؛ وغيرها بتعريب القضية العراقية او تدويلها او.. او..
بين كل ماحصل ويحصل لم يبق امام المواطن العراقي- المأزوم بكل ما على وجه الارض من مشاكل ومصائب ومعاناة _لم يبق الاّ الخلود الى اليأس والقنوط والاستسلام والركون بأنتظار الفرج الذي يأتي ولايأتي ،بعد ان غاب سرابه وصدئت مفاتيحه!.