فواد الكنجي
بعد ثورة تكنولوجیا الاتصالات الحدیثة والتطور الهائل وانتشارها الواسع؛ والتي اثر تأثيرا فاعل – سلبا و إيجابا – على كل مستويات ومجالات الحياة الاجتماعية.. والاقتصادية.. والثقافية.. والتعلیمية.. وغیرها، فهذا التطور والازدهار في مسيرة الحياة الإنسانية؛ والذي تجاوز الحدود الجغرافية بالاتصال والتواصل وبتبادل المعلومات الدائم مع الأخر عبر الأجهزة المحمولة (الهاتف النقال) و(خدمات الإنترنیت)؛ لدرجة التي أصبحت المجتمعات – أفرادا ومؤسسات – لا تستطیع الاستغناء عن هذه التكنولوجيا، لنجد حجم التأثير الذي أحدثه (الهاتف النقال) في المجتمعات؛ بعد إن أمكنه من جعل العالم (قرية كونية صغيرة) رفعت كل الحواجز والجغرافية؛ بما قدمه ويقدمه هذا الجهاز من خدمات لا حصر لها في كل مجالات الحياة، ليستقطب فعلا كل شرائح المجتمع من خلال الخصائص التي یتمیز بها لتعدد خدمات التي يقدمها من ناحية ومن ناحية أخر لتعدد أحجامة ولصغر حجمه وسهولة حمله، مما أتاحت هذه التكنولوجيا الحصول على البيانات وإحصائيات وتجميع وتخزين المعلومات في شتى مناحي الحياة الفكرية.. والعلمية.. والاجتماعية.. والفنية، بل إن هذه التكنولوجيا الحديثة ساهمت مساهمة فعالة في تجاوز قیود (المكان) و(الزمان) في وقت واحد؛ بل وأصبحت هذه التقنية (تقنية تكنولوجيا الاتصالات) تسير العلاقات الاجتماعية وعلى كل المستويات التثقيفية.. والترفيهية.. والإعلام .
الهاتف النقال وتأثيره على سلوك الإنسان المعاصر
فالاتصالات الحديثة وثورة المعلومات هي بدون أدنى شك ثمرة التقدم التكنولوجي الذي كان من انجازاته ظهور تقنية (الانترنيت)؛ وكان (الهاتف النقال) أو ما يسمى بالموبايل.. اوالجوال.. اوالخلوي.. اوالمحمول؛ من ثنايا هذا الإنتاج وهذا التطور التقني في عالم الاتصالات؛ ناهيك عن تقنية الكومبيوتر.. والحاسوب.. والايباد.. والى غيرها من تقنيات الاتصالات الحديثة، حيث انتشر هذا الجهاز وتم استخدامه بشكل واسع بين أفراد كل مجتمعات العالم قاطبة، وهذا الاستخدام والانتشار الواسع كان له اثر وتأثير على المستوى الاجتماعي.. والنفسي.. والسلوكي للإنسان المعاصر؛ وهذا الأمر جعل الكثير من مؤسسات التربوية.. والتعليمة.. والعلمية تسلط الضوء وتهتم بدارسة الآثار المترتبة عن هذا الاستخدام المفرط من قبل (الأفراد) باعتبارها أصبحت (ظاهر) مجتمعية لا بد من دراستها.
ورغم إن التكنولوجيا وثورة الاتصالات الحديثة كان لها تأثير واضح على أسلوب ونمط الحياة وفي (عولمة العالم)؛ إلا إن تأثيرها الأكبر كان واضحا في العلاقات الاجتماعية لتترك بصمة واضحة تأثير على الروابط الأسرية.. وحياة الأشخاص.. والسلوك الاجتماعي.. ونمط الحياة، وكان للأسرة والحياة الزوجية نصيب الأكثر تأثيرا نتيجة سيطرة هذه التكنولوجيا وتحديدا (الانترنيت) و(الهاتف النقال) على اغلب أوقات وعقول أفراد الأسرة؛ لدرجة التي أصاب الكثير من الأزواج والزوجات وأبنائهم بحالة من فتور وبرود المشاعر في العلاقات الأسرية الزوجية؛ بما سبب ذلك في التباعد.. والتشتت.. وتفكك أفراد الأسرة؛ نتيجة انزواء أفراد الأسرة بعد إن انكب كل واحد منهم أمام شاشة (الهاتف النقال) بتواصل مع أشخاص غرباء على كتابة الرسائل أو تلقيها دون الاكتراث بمشاعر من يحيط من حوله من والدية أو إخوته أو حتى الزوج مع زوجته أو الزوجة مع زوجها؛ وهذا الأمر مهد إلى انهارت المنظومة الاجتماعية بفعل هذه التكنولوجيا وتحديدا (الهاتف النقال)؛ بعد إن غيرت هذه المنظومة الكثير من القيم المجتمعية والعلاقات الاجتماعية الحقيقية، لان الأفراد – بصورة عامة – أغلقوا أبواب هذه العلاقات على أنفسهم في عالم خاص هو (عالم الهاتف النقال.. والانترنيت)؛ مما أدى ذلك إلى التباعد وبرود العلاقات الاجتماعية الحميمة بين الأقرباء والأصدقاء وحتى بين أفراد الأسرة الواحدة؛ لدرجة التي حجمت – إن لم نقل انعدمت – الزيارات بينهم؛ مكتفين بتبادل الحديث عبر (الهاتف النقال) و(الرسائل الالكترونية)، وهذا الاستخدام الغير المسئول لـ(الهاتف النقال) هو من ساهم في شعور الإنسان ببرود المشاعر مع الآخر من أفراد المجتمع بل حتى بين الشركيين في الحياة؛ أي بين الزوج والزوجة، لأنه لا يكاد (الموبايل – الهاتف النقال) يفارق يد الزوج أو الزوجة حتى إثناء اجتماعهم تحت سقف واحد؛ بعد إن تم الإدمان علية بشكل غير طبيعي وغير مسئول؛ وأصبح من صعوبة الاستغناء عنه، وهنا تكمن خطورة هذه (التكنولوجيا المعاصرة) بكونها ساهمت مساهمة فعالة بفتور العلاقات الحميمة بين الزوجين أو بين الأخوة أو بين الأقرباء؛ بعد إن آخذت هذه (التكنولوجيا) مساحة من الوقت أكثر من الوقت الحقيقي الذي يجب إن يكون بينهم .
ولهذا فان (العلاقات الاجتماعية) في ظل (العولمة) و(تكنولوجيا الاتصالات الحديثة) وتحديدا (الانترنيت) و(الموبايل– الهاتف النقال) التي هيئت الأرضية الخصبة للفهم (المادي) على حساب الفهم (المعنوي) للقيم الإنسانية الحقيقية، بعد إن أصبحت (القيم المادية) تأخذ إبعاد واسعة ومعمقة في العالم اجمع وفي شتى مجالات الحياة السياسية.. والاجتماعية.. والاقتصادية.. والعلمية.. والثقافية.. والإعلامية .
تكنولوجيا الاتصالات الحديثة، أثرت على سلوك مستخدميها نفسيا واجتماعيا
ولما أصبحت هذه التكنولوجيا (تكنولوجيا الاتصالات الحديثة – الإنترنيت والهاتف النقال) ظاهرة مجتمعية اتسعت وانتشرت بين الأفراد في المجتمعات المختلفة؛ وأخذت تؤدي مهام استثنائي كان لها انعكاسا واضح في عالم السياسية.. والإعلام.. والاقتصاد.. والثقافة.. والاجتماع؛ وان انتشارها بين (الإفراد) وفي كل المجتمعات العالم أصبحت (ظاهرة)، وهذه (الظاهرة) لا محال لها آثار نفسية واجتماعية متعددة تؤثر على سلوك مستخدميها – وما أوسع استخدامها – لان هذا الاستخدام الواسع وقضاء الوقت إمام (الانترنيت) و(الهاتف النقال) يأتي على حساب الأنشطة الحياتية الأخرى وعلى حساب العلاقات الاجتماعية الأخرى، ورغم أهمية (الإنترنت) و(الهاتف النقال) إلا إن هناك انعكاسات (إيجابية) وأخرى (سلبية) :
النمط الأول…..
هو نمط من الأفراد يفعلون ذلك بغية بناء أفكارهم وتطوير مهاراتهم العملية والفنية والفكرية وفق حسابات عقلية مرتبطة باهتماماتهم الخاصة بحياتهم المهنية.
اما النمط الثاني ….
فهم نمط أخر من الأفراد فأنهم يسعون بدون جدوى بتجميع أصدقاء كيفما شاء ووفق إشباع حاجتهم الغريزية غير العقلانية لعقد روابط اجتماعية غير ذو جدوى.
وهنا سنسلط الضوء على النمط الثاني من الإفراد – في هذا المقال – لأنه للأسف هو النمط الذي اتسعت شريحته في كل مجتمعات العالم وبما ترتب عنه من أضرار سلوكية.. ونفسية.. واجتماعية خطيرة، وهذا – لا محال – يسبب تأثيرا سلبيا في العلاقات الاجتماعية وعلى كل مستويات الحياة وتحديدا بين أفراد الأسرة الواحدة وخاصة بين الزوجين فيما لو أخذنا بنظر الاعتبار بان الكثير من الأزواج أو الزوجات حصل عندهم نوع من البرود الجنسي اتجاه الأخر وعدم الرغبة في التواصل المستمر بعد إن يفقدون رغبة المواصلة والدردشة؛ لأنهم وجدوا ضالتهم بانبهارهم بنساء أو رجال؛ تعرفوا على بعضهم البعض وتواصلوا عبر (الموبايل – الهاتف النقال) ومواقع (التواصل الاجتماعي) و(غرف الدردشة) عبر (المنصات الالكترونية)، والكثير من المتحاورين يصلون بدردشاتهم إلى مواضيع جنسية شاذة، وهذا ما وسع الجفاء وجفاف المشاعر وبرودها بين الزوجين، وهذا النمط من العلاقات الأسرية ساهم في انتشار أنماط جديدة من القيم والسلوكيات المستحدثة في المجتمع؛ لان لكل فرد من أفراد لمجتمعات العالم أصبح لدية عالم خاص لا يحب مشاركة الآخرين عالمة بما ينطوي ذلك من حاجة إلى العزلة عن الآخرين خلال فترة الاستخدام؛ فيقضون وقتا طويلا مع (الموبايل) و(الكمبيوتر) و(الإنترنيت)، وتوسع هذه الظاهرة أدى إلى إشاعة حالة من العزلة الاجتماعية وتفكيك العلاقات بين الأفراد في المجتمع نتيجة انعزال الأفراد الذي أدى إلى توسيع نطاق شخصيات الانطوائية أو نطاق الأشخاص الذين يهربون من ظروفهم ومشكلاتهم الحياتية؛ لذلك يلجئون إلى (الموبايل) و(الحاسوب) و(الكومبيوتر) ليفرغوا فيه طاقتهم وهمومهم، إضافة إلى ما يسبب لهم ذلك من الإجهاد والتوتر النفسي نتيجة استخدام (الموبايل) و(الحاسوب) لفترات طويلة؛ وهذا (لا) يعني بان (الموبايل) و(الانترنيت) يجب الابتعاد عنهما بشكل مطلق؛ وإنما يجب عدم المبالغة في استعمالهما بشكل يمثل إساءة لسلوك الشخصي للإنسان؛ وبأنه يسبب مشاكل لا حصر لها على الصحة النفسية وعلى المدى البعيد، لذلك علينا بادئ ذو بدا إن نعلم بان الكثير من المستخدمين هذه المنصات الالكترونية عبر (الانترنيت) او (الموبايل) هم ليسوا على مستوى واحد من الثقافة.. والعلم.. والمعرفة؛ ومتمسكون بقيم الأخلاق الرفيعة ولا يبادر من لدهم أي استخدام يسيء للأخر، فمستخدمين هذه الخدمات أناس بأنماط متعددة؛ سيئون.. ومهذبون؛ منحرفون.. ومستقيمون؛ وشواذ.. وعقلاء.. والى آخره؛ لذلك فهناك الكثير من المستخدمين يوقعون أنفسهم في أخطاء هم بغنى عنها سواء باستخدام أسماء مستعارة وإخفاء شخصيتهم الحقيقية؛ وهذا ما يؤدي بهم إلى استعمال ألفاظ بذيئة لا يستخدمونها إطلاقا بشخصيتهم الحقيقية، وأن عدم الاكتراث واللامبالاة التي يتميز بها شريحة واسعة من المستخدمين هذه (المنصات الالكترونية) يمكنها أن تؤدي إلى الإساءة وإلى خارج السياق السليم، لذلك اليوم نجد الكثير يتعرضون عبر هذه المنصات إلى الاحتيال.. وسرقة الهوية.. والى النصب.. وتشويه السمعة.. والإساءة.. والتحرش؛ لان الكثير من الرسائل الالكترونية.. والإعلانات المزعجة.. والتحرش.. والمطاردة.. والمعاكسة الالكترونية؛ تسبب مشاكل لا أول لها ولا أخر؛ بعد إن أتقن الكثير فن اقتباس المعلومات بعد ظهور وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي، فمن خلال منصات المتاحة للجميع في تبادل الصور.. ومشاركة الملفات.. ومقاطع الفيديو.. وتبادل الرسائل خاصة؛ وهذا ما ساهم ويساهم في انحطاط السلوك بين بعض المستخدمين؛ لأنهم يقنصون شخصيات عدة في منصات مختلفة بعد أن يتم لهم فتح منصات متعددة بأسماء مستعارة؛ يستخدمونها لإغراض غير سليمة، وخاصة لبعض من منصات الدردشة التي لا تظهر فيها صورة المتحدث، لذلك فان (العلاقات الاجتماعية) السليمة تختلف بين (العالم الحقيقي) و(عالم الافتراضي)، لان الكثير من (الأفراد) وخاصة الشباب منهم في (العالم الافتراضي) يسلكون سلوكا منحرفا؛ ويفعلون ويقولون ما لا يمكنهم قوله في (العالم الواقعي)؛ وهذا الأمر يخلق مشاكل هم بغنى عنها، لذلك يمكننا القول هنا بان أجهزة (الهواتف الذكية) أصبحت وسيلة للهروب من المواجهة والتعامل المباشر مع الأصدقاء الحقيقيين وحتى ما بين أفراد الأسرة الواحدة أو إقامة علاقات الاجتماعية سليمة .
(الانترنيت) و(الهاتف النقال) ابعد الإنسان المعاصر عن واقعه
ولما كان يقيننا بان الحيـاة الاجتماعية مبنية أساسا على إقامة العلاقات الإنسانية عبر الاتصال سواء كانت هذه العلاقات فكرية.. أو سياسية.. أو تجارية.. أو دينية.. أو عاطفية، وهذا الاتصال الإنساني – وبطبيعة تطور وازدهار الحضارة الإنسانية – واكب تطلعات النهضة وفق مفاهيم الحداثة والمعاصرة في شتى جوانب الحياة الفكرية.. والإبداعية.. والاقتصادية.. والاجتماعية.. والسياسية؛ وكان لميدان التكنولوجي الذي شهد ثورة نوعية على مستوى العلمي.. والتقني.. وتقنية المعلومات والاتصالات؛ وفي هذا السياق من التطور التكنولوجي وثورة المعلومات وفي معايير (حضارة العولمة) التي جعلت العالم قرية صغيرة؛ أصبح من المستحيل انفصال أي مجتمع من مجتمعات العالم بعيدا عن سياق تكنولوجيا الاتصال الحديثة؛ مما يعني بان منظومة القيم الاجتماعية حدث لها تغيرا واضحا وخاصة في منظومة القيم لكل المجتمعات العالم سواء بنمط العلاقات أو بأنماط الحياة والعادات والتقاليد السائدة في المجتمعات بصورة عامة؛ أثر استخدام تقنيات الاتصال التي أثرت على السلوك الاجتماعي والعلاقات الأسرية والثقافية .
لذلك فتأثير الأفراد والمجتمعات بالتطورات (تكنولوجيا المعلومات) و(تقنية الإنترنيت) الهائلة في ظل (العولمة) مهد لإحداث تغير جذري بين المجال (المادي) و(المعنوي) وخاصة في مجال العلاقات الاجتماعية، لذلك فان سلوك الأفراد تبعا لذلك تأثر وتغير؛ لان استخدامهم (الأفراد) بشكل مفرط لتكنولوجيا الاتصالات وتقنية المعلومات اخذ منهم كل أوقاتهم وهم مستغرقين في النقاشات الافتراضية؛ ومع مرور الوقت أصابوا بالإدمان على استخدام (الانترنيت) و(الهاتف النقال) وهذا ما أبعدهم عن (الواقع)؛ لدرجة الذي سبب للفرد عدم الرغبة بالحوار والجلوس مع أفراد العائلة أو مع الأصدقاء؛ مفضلا الانزواء في عالمه الافتراضي؛ لأنه يجد صعوبة في التكيف وإقامة علاقات اجتماعية سليمة في الواقع المعاش، وهذا التصرف – لا محال – يؤثر بهذا الشكل أو ذاك على واقعه ويجعله أكثر انطواء وتعقيدا؛ وهذا الأمر أدى إلى تفاقم مشكلاته الاجتماعية والأسرية؛ مما يجد (الفرد) في العالم (الإنترنيت) و(الهاتف النقال) متنفسا له يهرب إليه بعيدا عن محيط أسرته أو محيط أصدقائه؛ لذلك فإنه يسعى إلى الانزواء بعيدا عنهم ليعش ويقضي جل أوقاته في عالمه الافتراضي هاربا من واقعه الحقيقي، ومع مرور الوقت والأيام.. والأشهر.. والسنوات يصبح الفرد انطوائيا منعزل تماما عن بيئته الاجتماعية، و يزداد ارتباطه بعالمه الافتراضي؛ حيث يواجه صعوبة في التكيف وإقامة علاقات اجتماعية سليمة في الواقع الحقيقي المعاش، وهذا الأمر هو الذي وسع الفجوة بين (الاباء) و(الأبناء) ووسع بينهم برود المشاعر والتواصل الأسري، لان الأفراد بصورة عامة وفي كل المجتمعات يقضون جل أوقاتهم أمام (شاشات هواتفهم) لتحقيق رغباتهم من خلال التطبيقات الالكترونية المختلفة، لتصبح الحياة الأسرية الافتراضية هي السائدة في المجتمعات بعد إن أصبح التواصل الالكتروني يحتل أعلب أوقات الحديث الأسري؛ لدرجة التي حجم وقت التحاور إلى ابعد حدود بين أفراد الأسرة الواحدة؛ وهذا ما أبعدهم عن التحاور مع بعضهم البعض في ظل المشاعر النبيلة والأحاسيس الإنسانية الرفيعة.
العولمة وظفت تكنولوجيا الاتصالات من اجل غزو وعي الإنسان المعاصر وخداعه بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان
وهذا السلوك الذي يساد اليوم في المجتمعات بصورة عامة لم يأتي بصورة عفوية وإنما آتى نتيجة (ثقافة العولمة) التي عملت على نشر هذه السلوكيات في المجتمعات وذلك عبر توظيف (تكنولوجيا الاتصالات) من اجل الترويج لثقافة الرأسمالية وقيمة العرض.. والطلب.. والاستهلاك لمنتجات السوق لصناعة الرأسمالية؛ وكل ذلك يأتي في سياق لزيادة نسبة الاستهلاك عند الإفراد لصالح الطبقة الرأسمالية المنتجة للبضائع، لان (سياسة العولمة) هي سياسة – أولا وأخيرا – انبثقت وتبلورت مفاهيمها وفق السياسة (الأمريكية) الرأسمالية؛ التي اليوم تفرض هيمنتها على الأسواق العالمية من خلال وفرة الإنتاج لصناعة التكنولوجية وخاصة صناعة (تكنولوجيا الاتصالات) ورخصها للهيمنة على الأسواق العالمية والنظام الدولي بجعله (أحادي القطب) تهيمن علية (الولايات المتحدة الأمريكية) بكل طاقاتها الصناعية وعلى كل مستويات وحاجات دول العالم؛ ومن خلال بسط هيمنتها عبر (ثقافة العولمة) التي تعمق سياستها من خلال فلسفتها (الليبرالية الراديكالية) و(النيوليبرالية الراديكالية) لخدع شعوب العالم بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان لخلق فوضى تعم كل المجتمعات التي سياسات حكوماتها لا توافق السياسة (الأمريكية)، وهذا يأتي فـي إطـار الحـرب النفسـية لتعميق الفوضى الخلاقة في المجتمعات التي لا توافق سياساتها مع المصالح (الأمريكية)، هذه هي الحقيقية شاء من شاء وآبى من آبى؛ لان (العولمة الأمريكية) اليوم تنتشر عبر ثقافة تقنيات (الاتصالات الالكترونية) المهيمنة ليس على (الأفراد) فحسب بل على سياسات الدول العالم ومجتمعاتها؛ والتي تهدف بشكل مباشر وغير مباشر تقليص وتحجيم دور الدول وفعاليتهم لتعويم سياسة الأمر الواقع عبر تقنيات (الاتصالات الحديثة) وإطلاق (ثقافة العولمة) عبر (ثورة الاتصالات والمعلومات)؛ وهذا الواقـع الذي فرض على أراد والمجتمعات وسياسات الدول هـو إحـدى نتـائج (ثقافة العولمة) التي ركزت على تمرير سياساتها الثقافية بأسلوب (التحـريض والإثـارة الإعلامية) بهدف إعـادة تشـكيل الواقـع.. وطبيعـة الـنظام الـدولي.. بـل وحتى الأنظمة والقوانين الدولية؛ من اجل خدمة مصالح قوى (الصناعية الرأسمالية الأمريكية) التي تعمل عبر (ثقافة العولمة) إلى إضعاف النظم الوطنية.. والقومية.. والإعلام الوطني؛ من خلال سيطرتها واحتكارها لسوق المعلومات، لأنها اليوم هي من تتحكم على (تكنولوجيا الاتصالات) وتقنياتها وبكل أشكالها وألوانها، لان (ثقافة العولمة الأمريكية) وعبر فلسفتها (الليبرالية الراديكالية) و(النيوليبرالية الراديكالية) والتي كما قلنا سابقا هيمنت كليا على تقنيات (الاتصال الحديثة) تخاطب الأفراد والمجتمعات وحتى نظم الدول مخاطبة مباشرة من خلال شبكات (الانترنيت) و(الاتصالات) و(الفضائيات) وغيرها من وسائل الاتصالات الحديثة، بعد إن تم احتكار كل وسئل الاتصالات ولم يعد للأفراد سبيلا سواها بعد إن فشلت كل دول العالم منافسة وإيجاد البديل عن العملاق (التكنولوجي الأمريكي)، لذلك فإنها اليوم تفرض للأفراد والمجتمعات عبر (تكنولوجيا الاتصالات) التي تسيطر على الأفراد؛ ولا يكاد أي (فرد) في كل مجتمعات العالم الابتعاد عنها لدقائق معدودة؛ بعد إن أصبحت هذه الاتصالات إخطبوط يصعب الإفلات من قبضته لان هذه (التكنولوجيا) و(الاتصالات الحديثة) سيطرت وفرضت هيمنتها بأنماط وسلوك إدارتها؛ بعد إن امتلـكت كل القـدرات والتقنيـات الحديثة للاتصـالات وبكل مـا تمثلـه مـن أيـديولوجيا (رأسمالية أمريكية) تعكـس ثقافتها المتمثلة بإرادة الهيمنـة وثقافـة الاختـراق، وأمام هذا (التغول التكنولوجي) في عالم الاتصالات وفشل دول العالم وحتى المتمكنة منها مثل (فرنسا) و(ألمانيا) و(ايطاليا) و(روسيا) وحتى (الصين)؛ فما بالك عن دول العالم الثالث؛ التي لم تتمكن من تصحيح هذا الوضع لعدم وجود القدرة.. ولا المؤهلات.. ولا الإمكانيات.. ولا المهنية اللازمة لذلك؛ وهذه الدول رغم رفضها نظام (العولمة) ولكن لا تستطيع الإفلات من طغيان ثقافة (العولمة الرأسمالية) بين الأفراد والمجتمعات، لذلك فهي تعمل في إيجاد منـاخ يهيـئ لهــا الإفادة مــن ايجابيـات (العولمـة) ومحاولـة الحـد مـن آثـاره السـلبية ولا ســيما في مجال الاتصـالات، حيث تعمل هذه الدول على تحصـين مجتمـعاتها من خلال دعم وتعزيـز الحريـات العامـة وتطـوير الاقتصـادية من اجل الحفـاظ علـى الاستقرار السياسي لكي يمكن لها بقدر الإمكان تجنب أو تخفيف من وطأ وأضرار (العولمة)، لان أعلب دول العالم لا تمتلـك قـدرة على مواجهة (العولمة) و(ثقافة الاتصالات الحديثة الأمريكية) التي تتبناها في نشر فلسفتها؛ لان دول العالم اجمع اليوم واقعة تحت حصار أو أنها محاصرة من قبل (ثقافة الاتصالات المعولمة للعالم بثقافة أمريكية)، بعد إن تم لأغلب دول العالم غزوها ثقافيا.. واقتصـاديا.. وفكريا؛ لأنها سقطت – رغم انفها – تحت هيمنة القـــوة التقنيـــة فـــي ميـــدان الاتصـــال.. والمعلومـــات.. والإعـــلام؛ المتمركـــزة فـــي (أمريكا)؛ والتي هيمنت على العالم بـ(ثقافة العولمة) كـ(أيديولوجية رأسمالية) هدفها تكــريس الهيمنــة علــى العــالم باســتخدام قــوة (الاتصــال والإعلام) كأداة وقوة فاعلة لغزو (الوعي) ليس عند الأفراد فحسب بل حتى (وعي الدولي) ونشر (ثقافة العولمـة) و فرضـها بكل الوسائل؛ حتى وان كان عن طريق (الإجبار ألقسري) و(الإرهـــاب التكنولوجي)؛ باعتبار (العولمة) هي إنتاج الفكر الرأسمالي بعد تطور وازدهار حركة الصناعة والإنتاج، فسعت (أمريكا) من خلال (نظام العولمة) إيجاد سوق لاستهلاك ما تصنعه وتضخه إلى الأسواق لتصبح (العولمة) واقع حال (لأمركة العالم والمجتمعات)؛ فأخذت من (العولمة) وسيلة لتبشير بها ونشرها؛ باعتمادها على تقنية (تكنولوجيا الاتصالات) بعد هيمنت هذه التقنية على عقلية الإفراد وراحوا يقضون جل أوقاتهم في التصفح على مواقع (الانترنيت) و(الهاتف النقال)؛ ليصبح (الهاتف النقال) ظاهرة لا يفارق يد أي فرد.. وأي إنسان في هذا العالم بعد إن أصبح واقع حال لا فرار منه؛ والتي غزت عقولهم بثقافة رخيصة تمحي شخصيتهم بهلوسات لا قيمة لها في الفكر.. والأخلاق.. والإبداع، بعد إن تمكنت (التكنولوجيا الأمريكية في الاتصالات الحديثة) على نشـر ثقافة (العولمـة) بـين الإفراد والمجتمعات العالم اجمع لأمركة العالم ومجتمعاتها .