1. Home
  2. /
  3. اراء
  4. /
  5. مقالات
  6. /
  7. الذكاء الاصطناعي.. والخراب الطبيعي...

الذكاء الاصطناعي.. والخراب الطبيعي !!

بالتأكيد لست ضد العلم والتطور العلمي، باستخدامه الإيجابي لمصلحة البشر والحياة الإنسانية بمختلف مفاصلها. لكنني أخشى ضرره وأذاه المادي والمعنوي إذا إسيء استخدامه وانتقلت تطبيقاته إلى الصيغة السلبية كما كان الحال مع ما أفرزه الذكاء البشري الطبيعي الاعتيادي في صناعة آلات الحرب الفتاكة والدمار الشامل، وما الفايروسات القاتلة والنووي.. إلا مثالاً بسيطا لذلك.

ومن هذا المنطلق.. فإنني هنا بصدد محور آخر خطير من محاور التطور العلمي الذي بدأ يتبلور منذ عقود ويتطور سريعا في السنوات الأخيرة والمتمثل تحديدا بالذكاء الإصطناعي (Artificial intelligence) المعروف اختصارا بالـ (AI). هذا التطبيق البالغ الأهمية الذي إذا تم توظيفه بإيجابية ولخدمة البشر.. فإن منافعه كبيرة جدا وعلى مختلف الأصعدة.. لا بل أنه سيمثل نقلة نوعية هائلة في عديد المجالات.

أما إذا أسيء استخدامه، فإن الكارثه ستحل تدريجيا.. على البشر والعالم، وقد بدأت كرة الثلج بالدحرجة، وإن كانت البدايات محدودة نسبيا ربما، لكنها مؤشر إلى ما هو أكبر وأخطر.

أمثلة ونماذج أولى بسيطة:

فمِن مجالات شخصية كتزييف الصوت البشري، إلى تصوير أشخاص وهم يتحدثون بكلام لم يقولوه، أو يتصرفون بطريقة لم يفعلوها لكنها تبدو حقيقية تماما، مرورا بمجالات أوسع كالفنون.. ومنها الموسيقى والغناء.. بوضع موسيقى وصوت مطرب معين على شخصية مطرب آخر وكأنه هو صاحب الأغنية الأصلي، فضلا عن اصطناع الألحان.. ومن ثم بداية خراب هذا الفن.. أو على الأقل فقدانه لقيمته ومعناه بعد القضاء على جانب الموهبة الفطرية والإبداع فيه، كما أيضا مع الرسم والتصوير.. من خلال لوحات وصور الذكاء الاصطناعي. ثم الطامة الكبرى الأخرى وإمكانية قيام شخص بالكاد يستطيع كتابة جملة مفيدة في موضوع معين، باللجوء إلى تطبيق الذكاء الاصطناعي، لوضع هذه الجملة فيه.. أو ربما اسم الموضوع فقط، والنتيجة.. مقال مُحكم بلغة سليمة وبليغة ومضامين فكرية عميقة!!، فخراب آخر واضح لمجال الفكر والأدب وفن الكتابة تحديدا وبكل محاورها.. وربما الشعر أيضا، وبما يجعل المرء.. أن لا يصدّق بعد اليوم عائدية أية مقالة يقرأها أو قصيدة.. إلى صاحبها أو مبدعها المرفق اسمه بها.. حتى وإن كان أديبا معروفا!!، ولنا أن نتأمل مقدار القيم والمفاهيم الإبداعية التي ستُسحق وتنهار وتزول بهكذا حالات ونماذج وأمثلة، وما هذه.. إلا البدايات.

مضار أخرى في إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي:

فقدان خصوصية الأفراد في تطبيقات التواصل الاجتماعي، اختراق حساباتهم، التحكم بحركتهم وتفاصيل حياتهم الشخصية، العمل على تشويه السمعة، فقدان الوظائف، تقديم معلومات خاطئة،٨ انتفاء الحاجة للمذاكرة والدراسة من أجل تحقيق النجاح والتفوق، توقع نتائج المنافسات الرياضية وما سيؤدي إليه ذلك من مشاكل أولاً.. ومن ثم فقدان قيمة هذه المنافسات، وبالتالي فقدان خصوصة ومعنى وحيوية وأهمية كل هذه المجالات وأخرى عديدة غيرها، وهذا كله ليس سوى غيض من فيض إذا انتقلنا للحديث على مستوى الشركات والمؤسسات الكبرى والدول، والمنافسة المحمومة بينها.. وقد صار الإنسان هو الهدف.. والسلعة المشتركة لديها.

قد يقول قائل: “إن فوائد الذكاء الاصطناعي ستكون أكبر بكثير من مضاره”، وبدوري: سأتفق معه من حيث المبدأ، لكن مع ملاحظة.. أن “مئة شخص يبني.. لن يقدروا على مجاراة شخص واحد يهدم”، وأنه ما لم يتم وضع ضوابط قانونية ولوائح وأطر أخلاقية واضحة وصارمة محليا وإقليميا ودوليا بشأن الاستخدامات السلبية والضارة و(الشريرة) للذكاء الاصطناعي، فإن المستقبل لا يُبشر بخير. علماً أن الجهات المعنية بالعمل على وضع هذا الضبط والتنظيم، وكما يقول أحد المتخصصين، تواجه تحديات كبيرة في مواكبة التطور المرتبط بالذكاء الاصطناعي، لعدة أسباب، أبرزها:

  1. سرعة هذا التطور، ما يجعل من الصعب على هذه الجهات وضع قوانين ولوائح ثابتة، وبالتالي غياب إمكانية محاسبة أو إدانة أي متهم بالاستغلال السيء للتطبيق أو المخالف للمعايير الأخلاقية والقانونية.
  2. التعقيدات التقنية، حيث يصعب على غير المتخصصين فهم هذه التعقيدات وتنظيمها والتعاطي السليم معها.
  3. الطبيعة العابرة للحدود، ما يجعل من الصعب تنسيق الجهود التنظيمية على المستوى الدولي.
  4. التأثيرات الاجتماعية والأخلاقية: ما يولد ويؤدي إلى بروز قضايا جديدة تتطلب إطارا تنظيميا شاملا.

لن أتحدث في الختام عن فناء البشرية ونهاية العالم، لكن فقدان القيم والمفاهيم الجميلة، وإفساد وتخريب الحياة الإنسانية وبالتالي اقترابها ربما.. من الهلاك، لن يكون على الأرجح بسبب حرب نووية أو وباء قاتل أو كارثة طبيعية، بقدر ما قد يكون بسبب العقل البشري نفسه، وذلك من خلال فقدانه السيطرة على ما أنتجه بنفسه، ومن ذلك.. الذكاء الاصطناعي.

  • شليمون أوراهم/ كاتب وإعلامي

zowaa.org

menu_en