زوعا اورغ / وكالات
“في كل مرة تقرع أجراس الكنيسة أتذكر الموصل”، بهذه العبارة اختصرت ديانا (31 عاماً) ما يعاني منه أهالي المدينة الذين يعيشون خارجها، بعد أن بات احتفال عيد الميلاد داخلها حلما يرادوهم.
ديانا تقيم في مدينة عنكاوة (شمالي غرب أربيل)، أكّدت لموقع “الحرة”، أنّ “العيد لم يغب عن الموصل ولكن بغياب المحتفلين، حيث خلت المدينة من الأسر والعائلات المسيحية، ولم يتبق منّا إلا حوالى الـ 20 عائلة كحد أقصى”.
وأشارت إلى أنها تزور مدينتها بين الحين والآخر، ولكنها غير قادرة على العودة إليها بسبب “خلوها من مظاهر الحياة”، موضحةً أنّ “الحكومة العراقية لم تعد بناء المدينة”، وتتحدث أيضا عن تغيير ديموغرافي “يمنعنا من التفكير بالعودة حتى، والأكيد أنّ العيد ليس كما كان قبل النزوح”.
نحتفل بقلق وخوف
أما فرقد ملكو، صحفية مقيمة في دهوك (وسط إقليم كردستان) ، قالت لموقع “الحرة”: “أنا من أيمن الموصل، ولدت وكبرت في المدينة القديمة، مقابل حي النبي شيت، ولا يمكننا نسيان هذه الأحياء والبلدات”، معربة عن أملها في عودتها إلى المدينة بذكرى ميلاد السيد المسيح.
وشددت على أنّ “عيد الميلاد لم يعد كما كان، نحتفل بقلق وخوف، هناك الكثير من النازحين الذين فقدوا منازلهم وتغيرت حياتهم بالكامل”.
وعن أجواء الاحتفال في الميلاد قبل الحرب مع التنظيم، ذكرت ملكو أنّ “الميلاد في الموصل كان مميزاً، نحتفل حتى ساعات متأخرة من الليل، لا نخاف من مسيحيتنا، كنا نعيش الميلاد بفرح دون قلق”، مشيرةً إلى أنّ “الاحتفالات التي تقام في الموصل بعد التحرير يشارك بها بعض المسلمين أيضا من المدينة التي تتسع لنا جميعاً”.
وفي الموصل (شمالي العراق)، المدينة التي فرّغت من المسيحيين بعد سيطرة داعش عليها عام 2014، تشهد الأحياء والمباني دمارا هائلا، حيث كان يكتب على جدران المنازل الخاصة بالمسيحيين (عقارات الدولة الاسلامية) وحرف (ن) في إشارة إلى كلمة “نصارى”.
هذا ما يخيفنا
من جهته، قال بولس (27 عاماً)، وهو طالب يعيش في مدينة الموصل، لموقع “الحرة”، “نحن مسيحيون، وهذا ما يشكل خوفا لنا حتى اليوم”، مضيفاً أنّ “الساحل الأيمن والأيسر والمدينة القديمة وحي السكر، جميعها تتزين للميلاد احتفالاً بالسيد المسيح ولكن دون أحبة وأقارب وأصدقاء”.
وتابع بولس: “نحن موصليون لن ننزح أو نهاجر، هذه الأرض لنا وستبقى كذلك”، مضيفاً أنّ “الاحتفال يكون في نينوى كل عام، حيث نجتمع مع أقرباء لنا من الموصل هناك”.
نفتقد للمسيحيين
واعتبر محمد الحمداني، وهو ناشط من الموصل يعيش داخل المدينة، أنّه “قبل احتلال داعش للمدينة كانت الحياة شبه طبيعية مع بعض التهديدات من القاعدة، المسيحيون جيراننا وأهلنا، كانوا يمتهنون الحرف اليدوية، ونحن نفتقد لهم في مدينتنا”، لافتاً إلى أنّه رغم جميع المحاولات التي نقوم بها من زينة وأنشطة ميلادية إلا أنّ غالبية مسيحيي الموصل هاجروا”.
وكان متشددو تنظيم “داعش” قد استولوا على مساحات شاسعة من العراق، في 2014، قبل أن تُلحق بهم القوات العراقية مدعومة بقوات التحالف هزيمة عام 2017. لكن المعركة ألحقت بالبلاد دمارا هائلا لا سيما في الموصل وخاصة المدينة القديمة .
يذكر أنّه من أصل 1.8 مليون مسيحي في العراق وإقليم كردستان، لم يبق عام 2019 غير 300 ألف”، حيث هاجر 1.5 مليون مسيحي إلى أوروبا وأميركا والدول المجاورة للعراق، بحسب تقرير لصحيفة “تلغراف” البريطانية.
لاجئو الموصل
ومن خارج العراق، قالت احدى العاملات في مدرسة تابعة للبعثة البابوية في لبنان، ألفيرا كاليانا، في حديث لموقع “الحرة”، إنّه “هناك حوالى 800 عائلة مسيحية من الموصل وسهل نينوى في لبنان حالياً، بعدما كانوا أكثر من 5 الاف عائلة، ولكن هاجر جميعهم إلى أستراليا وكندا وبريطانيا، وما تبقى منهم ينتظرون السفر إلى دول أخرى”.
وأضافت أنّ “حالة العائلات المتبقية في لبنان صعبة جداً، خسرنا كل شيء في الموصل، ونحن نعمل هنا برواتب متدنية، هناك من يتقاضى راتب لا يتجاوز الـ 25 ألف ليرة لبنانية (حوالى 16 دولارا أميركيا وفقاً لسعر الصرف الرسمي و3 دولار بحسب سعر السوق السوداء) في اليوم الواحد.
وشددت على أنّ “الدولة اللبنانية لا تستقبل العراقيين في المدارس الرسمية، ونحن ندرس أطفالنا في مدرسة واحدة تتبع للكنيسة، نحاول فيها المحافظة على هويتهم الدينية والوطنية، وبأنّ الموصل مدينتهم”.
أشارت كاليانا إلى أنّه “من المستحيل لنا كعراقيين مسيحيين العودة إلى الموصل، حيث لا يمكننا ضمان مستقبلنا هناك”.
الأمل في العودة
أما ديفيد توحي (25 عاماً)، وهو شاب موصلي مقيم في بيروت، شدد في حديثه لموقع “الحرة”، على أن “عيد الميلاد الخامس الذي يتواجد فيه خارج العراق، والعيد هنا مختلف تماماً، لا أقارب، لا جيران، ولا حتى الطعام هو نفسه”.
وأشار إلى أنّ “في الموصل يتم الاحتفال بمنزل الأجداد، ولكن نحتفل في بيروت بالمطاعم وأماكن السهر بعد القداس، فالعيد بات بشكل مختلف”، معرباً عن أمله في الاحتفال داخل الموصل بعد فترة من الزمن.
وقال توحي: “أمنيتي الوحيدة هي زيارة الموصل، حتى لو ليومين فقط، لمشاركة سكان المدينة والقرى بالاحتفالات”، وأضاف “داخل المباني المدمرة تجد الزينة، هذه هي الموصل، الأمل بالبقاء والاستمرار رغم كل شي، انه العيد فوق الدمار والرصاص واليأس”.
ومن هولندا، قال متّا شوالينا، لموقع “الحرة”، إنّ “الوصول إلى أوروبا حلم لأهل الموصل، وقد وصلنا إلى هنا ولن نعود، ولكن يبقى للميلاد طعمه الذي لا يمكن نسيانه في ميدنتنا”.
زيارة مرتقبة للبابا فرنسيس
هذا ويحّل البابا فرانسيس بالعراق في شهر مارس المقبل كـ”حاج”، وفق بيان للفاتيكان نشره على موقعه الرسمي.
ونوه البيان أيضا إلى أن البابا ينوي الوقوف على وضع النازحين في الموصل، الذين هربوا من عمليات الاقتتال سنوات الحرب والإرهاب.
ويود البابا تشجيع الصامدين في أرض أجدادهم على الرغم من الكوارث المتتالية خاصة خلال زيارته المقررة لمدينة أربيل، حيث توجد حاليًا أعداد كبيرة من النازحين قسريًا من الموصل وبلدات سهل نينوى.
كما سيزور الموصل وقرقوش لتشجيع النازحين قسراً الذين يعيشون في الخارج على العودة إلى أرض أجدادهم.