زوعا اورغ/ وكالات
انتفض ضمير العالم الحر حين اقتحمت ميليشيات تنظيم داعش الإرهابي باحات متحف الموصل الأثري، وأخذوا يدمرون التماثيل والمقتنيات الأثرية التي عدوها “أصناما”، ودعت دول العالم إلى وقفة للتصدي أمام تلك الصور التي أعادت للأذهان الأخبار عن تدمير البرابرة لروما، أو اقتحام المغول لبغداد.
ففي السادس والعشرين فبراير من عام 2015 ارتفعت المعاول والفؤوس الداعشية لتهوى بيدها الآثمة على الثيران الأشورية المجنحة، واليوم أبى الرئيس التركي الذي طالما اتهمت بلاده بدعم “داعش” إلا أن يسير على نفس الدرب، حينما قصفت قواته اليوم معبد عين دارة قرب مدينة عفرين، التي يشن عليها عملية عسكرية أطلق عليها “غصن الزيتون” لكسر شوكة الأكراد.
ضياع الهوية الحضارية والثقافية للآثار العربية ظهرت بشكل مأساوي فج حين دمر الدواعش الثيران المجنحة الآشورية، والتي شيدها الملكان سرجون وسنحاريب في القرن السابع قبل الميلاد، حيث كانت ترمز إلى الحكمة والشجاعة.
فقد بث التنظيم المتشدد آنذاك فيديو يظهر تدمير عناصره لآثار قديمة في متحف مدينة الموصل التاريخي شمال غرب العراق، حيث انهالت مطارقهم الغليظة لتهدم وتشوه معالم التماثيل الضخمة حيث يبلغ طول الثور المجنح 4.42 متر، ويزن أكثر من 30 طنا بجسم ثور، وجناحي نسر، ورأس إنسان.
كما أوضح الفيديو تدمير ثور مجنح آخر موجود في “بوابة نركال” الأثرية في مدينة الموصل، وقد اشتهرت الحضارة الآشورية بالثيران المجنحة، ولاسيما مملكة آشور وقصور ملوكها في مدينتي نينوى وآشور في شمال بلاد ما بين النهرين.
وترجع أصول الآشوريين إلى القبائل السامية التي استقرت شمال نهر دجلة في الألف الرابع قبل الميلاد، وأسست تلك القبائل مدينة آشور، واستطاع سكان المدينة أن يطوروا بعض الصناعات، وارتبطوا بالتجارة الخارجية مع المناطق المجاورة، إضافة إلى تمرسهم في الزراعة والري.
وقد ازدهرت دولتهم وأضحت الأقوى لتشمل معظم العراق وجزءا من بلاد فارس، وأجزاء من سوريا.
ويعد أهم ملوكهم سرجون الثاني (727 – 705 ق.م.) ليس فقط بسبب إنجازاته الفنية والمعمارية العظيمة والتي كان منها تشييد عاصمة جديدة قرب نينوى أطلق عليها اسم (دور شروكين)، بل بفضل غزواته الخارجية، ولعل أسهرها القضاء على المملكة اليهودية الشمالية (السامرة) سنة 721 ق.م.
أما ما ارتكبته طائرات أردوغان أمس واليوم فكان أشد إيلاما وأفظع في جبين الحضارة والتاريخ، حيث يحوى معبد “عين دارة” آثارا يعود بعضها لأثنى عشر ألف عام ، وفقا لما أوردته المديرية العامة للآثار والمتاحف التابعة لوزارة الثقافة السورية.
وحملت المديرية في بيان أصدرته أمس السبت، مسئولية تدمير الآثار في معبد عين دارة لعدوان النظام التركي الذي يستهدف المواقع الأثرية في ريف حلب الشمالي، مناشدة المنظمات الدولية المعنية وكل مهتم بالتراث العالمي إلى استهجان التصرفات التركية، والضغط على أنقرة لمنع تكرار استهداف المواقع الأثرية والحضارية في منطقة عفرين.
وشددت المديرية على “أن هذا العدوان يظهر مدى الحقد والكراهية والهمجية التي يمتلكها النظام التركي ضد الهوية السورية وضد ماضي الشعب السوري وحاضره ومستقبله”، دون الكشف عن تفاصيل الأضرار التي ألحقت بمعالم معبد عريق في سوريا.
بدوره فقد أكد مدير البعثة السورية الفرنسية الأثرية في شمالي سوريا، الدكتور مأمون عبد الكريم في تصريحات له أن القصف المدفعي التركي دمر موقع تل عين دارة الأثري في عفرين، مشيرا إلى أن المواقع والتلال الأثرية التي تخبئ تاريخ العصور الذي مر على المنطقة قبل الميلاد تتعرض بشكل كامل للتدمير، ولم تبق نقوش أو رسوم أو تماثيل سليمة في المعبد أو التل الأثري، المدرج تحت قائمة التراث العالمي .
ويقع موقع تل عين دارة الأثري على بعد كيلو متر غربي قرية “عين دارا”، ويبعد عن مركز مدينة عفرين جنوباً بنحو 6 كيلو مترات، وهى ربوة تاريخية أثرية تقع على الطريق الرابط من حلب إلى إعزاز وعفرين.
وتتكون المدينة من آثار، ومعبد يضم تماثيل مختلفة تمثل ثيران مجنحة، وتماثيل لأبو الهول، ونقوش وآثار كثيرة، ولوحة بازلتية تمثل الآلهة “عشتار” آلهة الحب والجمال عند البابليين.
وقد أكد الأثريون أن القسم الجنوبي من التلة التاريخية عبارة عن قرية زراعية تعود للعصر الحجري الحديث، وسكنها الإنسان منذ نحو عشرة آلاف عام، وفقا لما تشير به الحفائر وعمليات التنقيب.