زوعا اورغ/ وكالات
في يوم عيد الميلاد أطل البابا فرنسيس من على شرفة البازيليك الفاتيكانية ليمنح بركته مدينة روما والعالم، كما جرت العادة. قال البابا في رسالته: أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، ميلاد مجيد! لقد ولد يسوع في بيت لحم من العذراء مريم. لم يولد برغبة بشرية، بل كهبة محبة من الله الذي “أحب العالم حتى إنه جاد بابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية”. إن هذا الحدث يتجدد اليوم في الكنيسة، الحاجّة في الزمان: إيمان الشعب المسيحي يعيش مجدداً، من خلال ليتورجية الميلاد، سر الله الآتي الذي أخذ جسدنا الهالك، وصار صغيراً وفقيرا كي يخلّصنا. وهذا الأمر يملأنا بالتأثر، لأن حنان أبينا تجاهنا عظيم جدا. إن أول من شاهدوا المجد المتواضع للمخلص، بعد مريم ويوسف، كانوا رعاة بيت لحم. وقد عرفوا العلامة التي أعلنها عليهم الملائكة وقد سجد للطفل هؤلاء الرجال المتواضعون، لكن الساهرون، وهم مثالٌ لمؤمني كل زمان الذين، وإزاء سرّ يسوع، لا يرتابون أمام فقره، لكن على غرار مريم، يضعون ثقتهم بكلمة الله ويتأملّون بمجده بعيون بسيطة. أمام سر الكلمة المتجسد، يعترف مسيحيو كل مكان مردّدين كلمات القديس يوحنا البشير “رأينا مجده، مجداً من لدن الآب لابن وحيد ملؤه النعمة والحق”.
تابع البابا يقول: اليوم وفي وقت تعصف فيه رياح الحرب وما يزال فيه نموذج التنمية القديم يولّد تدهوراً إنسانياً واجتماعياً وبيئياً يدعونا عيد الميلاد للنظر إلى الطفل والتعرف عليه في وجوه الأطفال، خصوصا أولئك الذين لا يجدون مكاناً يقيمون فيه، على غرار يسوع. إننا نرى يسوع في أطفال الشرق الأوسط، الذين ما يزالون يتألمون بسبب ازدياد التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. في يوم العيد هذا نبتهل من الرب عطية السلام للقدس وللأرض المقدسة بأسرها. نصلي كي تسود بين الأطراف الرغبة في استئناف الحوار، وكي يتم التوصل أخيراً إلى حل تفاوضي يسمح بالتعايش السلمي بين دولتين ضمن حدود تتفقان عليها ويُعترف بها دولياً. وليدعم الرب جهود من تُحركهم، داخل الجماعة الدولية، الإرادةُ الصالحة لمساعدة هذه الأرض المعذبة على إيجاد التوافق والعدالة والأمن الذين طال انتظارهم، وذلك على الرغم من كل العراقيل الخطيرة.
مضى البابا فرنسيس إلى القول: إننا نرى يسوع في وجوه الأطفال السوريين، المتأثرين بالحرب التي أدمت البلاد خلال هذه السنوات. لتتمكن سورية الحبيبة من استعادة الاحترام تجاه كرامة كل شخص من خلال التزام مشترك في إعادة بناء النسيج الاجتماعي بغض النظر عن الانتماءات العرقية والدينية. نرى يسوع في أطفال العراق الذي ما يزال مقسّماً ومجرّحاً بسبب الأعمال العدائية التي شهدها خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، وفي أطفال اليمن حيث يدور صراع منسيّ يحمل انعكاساتٍ إنسانيةً خطيرة على السكان الذين يعانون من الجوع وتفشي الأمراض. نرى يسوع في أطفال أفريقيا، لاسيما أولئك المتألمين في جنوب السودان والصومال وبوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى ونيجيريا. نرى يسوع في أطفال العالم كافة حيث السلام والأمن مهددان بمخاطر التوترات وصراعات جديدة. نصلي كيما يتم تخطي المواجهة القائمة في شبه الجريرة الكورية وكي تنمو الثقة المتبادلة بشكل يعود بالفائدة على العالم كله. نوكل فنزويلا إلى الطفل يسوع كيما يتم استئناف الحوار الهادئ بين مختلف المكونات الاجتماعية لصالح الشعب الفنزويلي الحبيب.
نرى يسوع في الأطفال الذين، ومع عائلاتهم، يعانون من نتائج الصراع في أوكرانيا وتبعاته الإنسانية الخطيرة، ونصلي كي يهب الرب السلام لهذا البلد العزيز في أقرب وقت ممكن. نرى يسوع في الأطفال الذين يفتقر ذووهم إلى العمل ويجهدون ليؤمنوا لأبنائهم مستقبلاً آمناً ومطمئناً. وفي الأطفال الذين سُرقت منهم الطفولة، والمرغمون على العمل منذ الصغر، أو الذين يُجندون من قبل مرتزقة لا ضمير لهم. نرى يسوع في العديد من الأطفال الذين أجبروا على مغادرة بلادهم، وعلى السفر بمفردهم في ظروف غير إنسانية وهم فريسة سهلة أمام المتاجرين بالكائنات البشرية. من خلال عيونهم نرى مأساة العديد من المهاجرين القسريين الذين يعرّضون حياتهم للخطر ليقوموا بسفر شاقٍ ينتهي أحياناً بالمآسي. أرى يسوع في الأطفال الذين التقيت بهم خلال رحلتي الأخيرة إلى ميانمار وينغلادش، وأتمنى ألا تتوقف الجماعة الدولية عن العمل كي تتم حماية كرامة الأقليات المتواجدة في المنطقة. إن يسوع يعلَم جيداً الألم الناتج عن نبذ الأشخاص، والصعوبة الناجمة عن عدم وجود مكان يُلقي فيه رأسه. دعونا لا نُغلق قلوبنا كما كانت مغلقةً أبوابُ منازل بيت لحم.
في ختام رسالته إلى مدينة روما والعالم لمناسبة الاحتفال بعيد الميلاد قال البابا فرنسيس: أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، علامة الميلاد موجهة إلينا نحن أيضا “طفل مقمّط”. دعونا نقبل من خلال الطفل يسوع، وعلى غرار العذراء مريم والقديس يوسف ورعاة بيت لحم، محبة الله الذي صار إنساناً من أجلنا، ولنلتزم بفضل نعمته في جعل عالمنا أكثر إنسانيةً وأكثر ملائمة لأطفال اليوم والغد.