شوكت توسا
تحيه طيبه
أصل مقالنا هذا كان مجرد فقره مقتضبه كتبتها للتعليق على مقال نشره الصديق نيسان الهوزي” شنو نقطة الصفر” , وعندما لم اجد في اقتضاب الفقره ما يكفي لتغطية وتسهيل ايصال فكرتي حول الاختيار الصحي لنقطة انطلاق رحلة الاصلاح , وهي النقطه التي يصفها الاخ نيسان بالصفريه , لذا إرتأيت إفراد هذا المقال إحتراما لأهمية النقطه ولانشغال صاحبها الذي لولا ولعه بسحرها ما راح قلمه متشبثا بذكر اسمها صبحا ومساء يحوم حولها كحال تلك الزوجه المرعوبه من تهديد زوجها لها بالطلاق كلما تحدثت حول طبخ الدولمه لان الباشا لا يطيق حتى السماع بإسمها , والمسكينه من شدة عشقها لدولمة والدتها الراحله, كانت تسعى الى تخفيف حدة حسرتها من خلال متعة التحدث مع صغارها ( أثناء غفوة الباشا) عن مذاق البيذنجان الاسود والاحمر وعن ورقة العنب والبصل والقرعه ومن ثم تنتقل الى وصف التمن واللحم المثروم والسماق بأوصاف يسيل لها اللعاب , في كل مره كان الباشا يفاجئها منتفضا من غفوته صارخا بوجهها وبوجوه الصغار, ساذبح من يلفها !!!
ولأن صبر الجائعين أوشك على النفاذ يا نيسان, قررت مع نفسي ان اتطوع بلف الدولمه بعد إضافة ملفوف اللهانه اليها , شريطة عدم السماح للاخ نيسان بالاكل منها , سوى شم رائحتها التي لا استطيع حجبها عنه, ولو شاء وسال عن السبب , يكفي انه ترك حواصل الجياع زغبٌ بلا ماء ولا شجر بانتظار باجته !!! .
قبل تحضير مواد الدولمه, عزَّ علي ان يكون في كلامي ما سيخدش مشاعر الاخوة الايزديين بسبب ذكر كلمة الشيطان فيما سأحكيه , لذا اقدم اعتذاري لهم وفي مقدمتهم الاصدقاء الذين أعتز بصداقتهم واقدر محبتهم واحترامهم لألقوش وأهاليها.
حين كنا نجلس القرفصاء ونحن صغارا حول منقل شواء البلوط وتخدير الشاي, كنا نسمع من ضمن ما يقصه علينا الاباء والامهات في بيوتاتنا الالقوشيه , قصصا متنوعه بما فيها الاساطير والبطولات التي كانت تنسينا البلوط وقد غدا فحما , ومن تلك الاقصوصات ما يتعلق بتقاليد وعقيدة الايزديين كونهم اقرب الجيران لنا تاريخيا و اكثرهم احتكاكا بنا انسانيا عدا كونهم يعبدون ويوحدون الله مثلنا, فهم يسمون اولادهم بحسين وعمر وخديده وحيدر وشمدين , وبسبب نفورهم من الشيطان وليس العكس كما يتصور البعض , كانوا يتحاشون الذهاب الى الموصل خوفا من ان يصادف وجودهم في المدينه وقت آذان المؤذن وهو يقرأ جهارا عبارة اعوذ بالله من الشيطان الرجيم , كان ذلك قبل اكثر من ستين عاما ايام كان فتح المدرسه في اي قريه يزيديه أمرا شبه حرام , مثلما كان اكل الخس واللهانه و استخدام الشخاطه ممنوع , ومن ضمن ما عايشته بنفسي , هناك احداث وصلت فيها ظاهرة كره سماعهم لكلمة شيطان الى معادات الاخرين التي تبدأ شدتها بالمشاجره ثم تتطور احيانا الى القتل انتقاما من الذي ينطق امامهم كلمة شيطان, هذه كانت في حقيقتها موروثات تناقلتها الاجيال في بيئة كان للسلطة الروحيه الدور الفعال في غرسها وغرس الكثير من التقاليد والفتوات المضطربة في نفوس وعقول البسطاء . وما اكثر المناسبات التي كنت اسمع فيها الاخ الايزيدي وهو يستخدم عبارة ( خبر نا بيجه) اي لا تشتم ,يستعملها في نهر الاخر وتحذيره من نطق كلمة شيطان او اي كلمه في الشين والطاء ,وان لم يلتزم يحصل ما لم يكن في الحسبان وما لا يتمناه الاثنان , ولنا في ذلك مشهد مشهور حصل عام 1969 هجم فيه المئات من الايزديين المسلحين على القوش , راح فيه ضحايا من كلا الطرفين والسبب هو اعتراض الطلاب اليزيديين في احد صفوف ثانوية القوش على مدرس نطق كلمة شيطان اثناء التدريس ليس بقصد التجريح, لكن الامر تطور من التجاوزات الكلاميه المتبادله الى العراك بالايادي والعصي بين الطلبه الايزديين والألقوشيين داخل المدرسه ثم إتضح فيما بعد بأن جهات خبيثه نجحت في استغلال الحادثه هذه و توريط الجانبين بمعركه مؤلمه ومؤسفه .
الذي ذكرناه اعلاه وهناك المزيد مما يشابهه , مر عليه عقود تحققت خلالها تغيرات في تفكير وثقافة هذا المكون الجميل خاصة في وسط المتعلمين والمثقفين الذين دعتهم ثقافتهم الى تحقيق حضور متميز في الحركات النضاليه التي قدموا فيها الشهداء والتضحيات, وبناء عليه , فإن مشاهداتنا للوقائع الحاليه فيها من المتغيّرات التي توحي الى ان الكثير من ايزيديي اليوم يؤدون التحيه لبعضهم البعض وهم يغادرون نقطة الصفر و ملامح عزمهم واضحه على التحرك للامام مادامت الثقافه والتفاعل مع الحركات الفكريه المتجدده هي ديدنهم , إذ ان الجيل او الجيلين الحديثين بعد ادراكهم كنه الكثير من البدع والفرائض الافتراضيه, لم يعد يهمهم سماع كلمة الشيطان ولا الفتاوى التي حرمتهم من مزات خضار الخس واللهانه المكبوسه , وربما لهم يعود فضل استخدام الخس واللهانه بلف الدولمه.
من هذا المنبر , اقدم تحية حب واحترام لكافة اخواننا واخواتنا الايزديين واليزيديات اينما اعتمروا.
تقبلوا تحياتي